الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحد العوام فضلًا عن خواص الخواص، وبهذا اضمحلَّ ما زعمه العجلوني فإنه قد خبط وخلط، وقال ولا يدري ما يقول؛ فافهم.
[حديث: أتى النبي سباطة قوم فبال قائمًا]
224 -
وبه قال: (حدثنا آدم)؛ بمد الهمزة، هو ابن أبي إياس (قال: حدثنا شعبة)؛ هو ابن الحجاج، (عن الأعمش)؛ هو سليمان بن مهران، (عن أبي وائل)؛ هو شقيق الكوفي، ولأبي داود الطيالسي:(عن شعبة، عن الأعمش: أنه سمع أبا وائل)، ولأحمد:(عن يحيى القطان، عن الأعمش قال: حدثني أبو وائل)(عن حذيفة)؛ بضمِّ الحاء المهملة على التصغير، هو ابن اليمان، واسمه حُسَيل؛ بمهملتين مصغرًا، أو حِسْل؛ بكسر فسكون، العبسي -بالموحدة- حليف الأنصار صحابي جليل، صح في «مسلم» عنه أنَّ النبي الأعظم عليه السلام أعلمه بما كان وبما يكون إلى أن تقوم الساعة، وأبوه صحابي أيضًا، استشهد بأُحد، وتوفي حذيفة في أول خلافة علي رضي الله عنه سنة ست وثلاثين (قال: أتى) بفتح الهمزة (النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم سُبَاطة)؛ بضمِّ المهملة، وتخفيف الموحدة بعدها، على وزن (فُعالة) بالضم؛ وهي الموضع الذي يرمى فيه التراب؛ أي: تراب الكناسة، وقيل: هي الكناسة نفسها، وقال في «القاموس» :(السباطة: الكناسة تطرح بأفنية البيوت) انتهى؛ أي: مرفقًا لأهلها، وتكون في الغالب سهلة لا يرتد منها البول على البائل، وكانت بالمدينة كما ذكره محمَّد بن طلحة بن مصرف
(1)
عن الأعمش، وكذا ذكره عيسى بن يونس، عن الأعمش، كما أخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (قوم)؛ أي: من الأنصار، وإضافة السباطة إلى القوم إضافة اختصاص لا ملك؛ لأنَّها كانت بفناء دورهم للناس كلهم، فأضيف إليهم لقربها منهم، ولهذا بال عليه السلام عليها، وبهذا يندفع إشكال من قال: إن البول يوهي الجدار وفيه ضرر، فكيف هذا من النبي عليه السلام؟ وقد يقال: إنَّما بال فوق السباطة لا في أصل الجدار، وقد صرح به في رواية أبي عوانة في «صحيحه» ، وقيل: يحتمل أن يكون علم إذنهم في ذلك بالتصريح أو غيره، أو لكونه مما يتسامح الناس به، أو لعلمه عليه السلام بإيثارهم إياه بذلك؛ لكونه يجوز له التصرف في مال أمته دون غيره؛ لأنَّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأموالهم، وهذا كله على تقدير أن تكون السباطة ملكًا لأحد، أو لجماعة معينين، وأظهر الوجوه أنهم كانوا يؤثرون ذلك ولا يكرهونه، بل يفرحون به، ومن كان هذا حاله؛ جاز البول في أرضه، والأكل من طعامه، وهذا أيضًا على تقدير أن تكون ملكًا لقوم.
فإن قلت: كان من عادته عليه السلام التباعد في المذهَب، وقد روى أبو داود عن المغيرة بن شعبة أنه عليه السلام كان إذا ذهب المذهب؛ أبعد، والمذهَب؛ بالفتح: الموضع الذي يتغوط فيه؟
قلت: يحتمل أنه عليه السلام كان مشغولًا في ذلك الوقت بأمور المسلمين، والنظر في مصالحهم، فلعله طال عليه الأمر فأتى السباطة حين لم يمكنه التباعد، وأنه لو أبعد؛ لكان تضرر، ويخالف هذا ما روى أبو داود من حديث أبي موسى الأشعري أنه قال: (كنت مع النبي عليه السلام ذات يوم فأراد أن يبول، فأتى دمثًا في أصل جدار فبال
…
)؛ الحديث، ولا مخالفة؛ لأنَّه يجوز أن يكون الجدار ههنا عاديًّا غير مملوك لأحد، أو يكون قعوده متراخيًا عن جرمه فلا يصيبه البول، كذا قرره في «عمدة القاري» .
(فبال)؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام في الكناسة (قائمًا)؛ بالنصب على الحال من الضمير الذي في قوله: (فبال)، واختلف في سبب بوله عليه السلام قائمًا، فقال الحافظ الطحاوي:(لكون ذلك سهلًا ينحدر فيه البول، فلا يرتد على البائل)، وقال القاضي عياض:(إنما فعله لشغله بأمور المسلمين، فلعله طال عليه المجلس حتى حصره البول، ولم يمكنه التباعد كعادته، وأراد السباطة لدمثها، وأقام حذيفة يستره عن الناس)، وقال المازري:(فعل ذلك؛ لأنَّها حالة يؤمن فيها خروج الحدث من السبيل الآخر بخلاف القعود، ومنه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: البول قائمًا أحصن للدبر).
وقال ابن حجر: (لأنَّه عليه السلام لم يجد مكانًا للقعود، فاضطر إلى القيام؛ لكون الطرف الذي تليه السباطة عاليًا مرتفعًا)، قلت: وهذا ليس بوجه؛ لأنَّ الأرض واسعة وكون الطرف عاليًا ممنوع؛ لأنَّها لا تكون إلا غير عالية حتى تتسع التراب.
وقال البدري: (لعله كانت في السباطة نجاسات رطبة وهي رخوة فخشي أن يتطاير عليه منها)، قلت: فيه نظر؛ لأنَّ القائم أجدر بهذه الخشية من القاعد، واتفق الشراح على أنه عليه السلام فعل ذلك بيانًا للجواز في هذه المرة، وكانت عادته المستمرة البول قاعدًا، ونقل علماؤنا: أن العرب كانت تستشفي بالبول قائمًا لوجع الصلب فلعله عليه السلام كان به إذ ذاك، وقد أجمع سبعون حكيمًا على أن البول في الحمام قائمًا دواء من سبعين داء، وقيل: لأنَّه كان برجله جرح، ويدل لهذا ما أخرجه الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة:(أن النبي عليه السلام بال قائمًا من جرح كان بمأْبِضه)، لكن قال الذهبي:(هذا حديث منكر)، وضعفه ابن عساكر والبيهقي، والمأْبِض؛ بهمزة ساكنة بعد الميم، ثم موحدة مكسورة، وبالضاد المعجمة: باطن الركبة، كذا في «عمدة القاري» مع زيادة.
(ثم دعا)؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام (بماء)؛ لأجل الوضوء، (فجئته بماء) أظهر في محل الإضمار ليعلم أن الجائي هو ومعه الماء؛ لأنَّ قوله:(دعا بماء) يحتمل الدعاء له ولغيره، فلما قال:(فجئته بماء)؛ عُلِم منه أنه المدعو، وأنه الجائي ومعه الماء؛ فافهم.
وقد خفي هذا على العجلوني، فقال:(وانظر حكمة إعادته «ماء» ظاهرًا) مع كثرة كلامه، وطول لسانه، (فتوضأ) زاد مسلم وغيره من طرقٍ عن الأعمش:(فتنحيت، فقال: «ادنه»، فدنوت حتى قمت عند عقبيه)، وفي رواية أحمد عن يحيى القطان:(أتى سباطة قوم فتباعدت منه، فأدناني حتى صرت قريبًا من عقبيه، فبال قائمًا، ودعا بماء فتوضأ ومسح على خفيه)، وروى ابن ماجه من طريق شعبة أن عاصمًا روى له عن أبي وائل، عن المغيرة:(أن النبي عليه السلام أتى سباطة قوم فبال قائمًا)، ولم يذكر فيه (ومسح على خفيه)، ولا يقدح في ذلك عدم ذكره لها، فإنها زيادة من ثقة حافظ لكن قال في «عمدة القاري» نقلًا عن الترمذي: حديث أبي وائل عن حذيفة أصح من حديثه عن المغيرة، قال: وأيضًا لا يبعد أن يكون أبا وائل رواه عن رجلين، والرجلان شاهدا ذلك من فعله عليه السلام، وأن أبا وائل أدى الحديثين عنهما فسمعه جماعة، فأدى كلٌّ ما سمع، ودليله أن غيرهما حكى ذلك عنه عليه السلام أيضًا؛ منهم: سهل بن سعد رضي الله عنه وحديثه في «صحيح ابن خزيمة» ، وأبو هريرة وحديثه عند الحاكم والبيهقي.
ففي الحديث جواز البول قائمًا فقاعدًا أجوز؛ لأنَّه أمكن، ومذهب الإمام الأعظم وأصحابه رضي الله عنهم: أنه يُكْرَهُ البول قائمًا؛ لتنجيس الشخص به غالبًا إلا لعذر؛ كوجع بصلبه ونحوه، وهو مذهب ابن مسعود، وإبراهيم بن سعد، وكان سعد لا يجيز شهادة من بال قائمًا، وهو قول الجمهور، وقال مالك: إن بال في مكان لا يتطاير عليه منه شيء؛ فلا بأس به، وإلا؛ مكروه، وقال قوم: إنه مباح، وهو مروي عن عمر وابنه، وزيد بن ثابت، وسهل بن ساعد، فإنهم بالوا قيامًا، وبه قال سَعِيد بن المسيب، وابن سيرين، والنخعي، والشعبي، وأحمد، وقال الشافعي: يُكْرَهُ قائمًا كراهة تنزيه بدون عذر، وكذلك روي البول قائمًا عن أنس، وعلي، وأبي هريرة رضي الله عنهم، قال في «عمدة القاري» : وكل ذلك ثابت عن النبي عليه السلام.
فإن قلت: رويت أحاديث ظاهرها يعارض حديث الباب؛ منها: حديث المقداد، عن أبيه، عن عائشة قالت: (من حدثك أن رسول الله عليه السلام بال قائمًا؛ فلا تصدقه؛ أنا
(1)
في الأصل: (مطرف)، وهو تحريف.
رأيته يبول قاعدًا)، أخرجه البستي في «صحيحه» ، ورواه الترمذي في «صحيحه» بلفظ:(ما بال قائمًا منذ أنزل عليه القرآن)، ومنها: حديث بريدة، رواه البزار بسند صحيح: أن رسول الله عليه السلام قال: «ثلاث من الجفاء: أن يبول الرجل قائمًا
…
»؛ الحديث؛ ومنها: حديث عمر، أخرجه البيهقي من حديث ابن جريج قال عمر: رآني رسول الله عليه السلام أبول قائمًا، فقال:«يا عمر؛ لا تبل قائمًا» ، قال: فما بلت قائمًا بعد، ومنها: حديث جابر، أخرجه البيهقي أيضًا من حديث عدي بن الفضل، عن جابر قال:(نهى رسول الله عليه السلام أن يبول الرجل قائمًا).
قلت: أما الجواب عن حديث عائشة؛ فإنه مسند إلى علمها فيُحْمَلُ على ما وقع منه في البيوت، وأما غير البيوت؛ فلا تطلع هي عليه، وقد حفظه حذيفة رضي الله عنه وهو من كبار الصحابة، وأيضًا يمكن أن يكون قول عائشة:(ما بال قائمًا)؛ يعني: في منزله، ولا اطلاع لها على ما في خارجها، وقول أبي عوانة في «صحيحه» ، وابن شاهين:(إن حديث حذيفة منسوخ بحديث عائشة) ممنوع، والصواب أنه لا يقال: إنه منسوخ؛ لأنَّ كلًّا من عائشة وحذيفة أخبر بما شاهده، فدل على أن البول قائمًا وقاعدًا يجوز، ولكن كرهه العلماء قائمًا؛ لوجود أحاديث النهي وإن كان أكثرها غير ثابت، وأما حديث بريدة؛ فقال الترمذي:(إنه غير محفوظ)، لكن فيه نظر؛ لأنَّ البزار أخرجه بسند صحيح كما ذكرنا، وأما حديث عمر؛ فضعيف؛ لأنَّ ابن جريج رواه عن عبد الكريم بن أبي أمية، وهو ضعيف، وقال الترمذي: إنَّما رفعه عبد الكريم، وقد ضعفه أيِّوب، وتكلم فيه، وروى عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر قال: قال عمر: ما بلت قائمًا منذ أسلمت، وهذا أصح من حديث عبد الكريم، وأما حديث جابر؛ ففي روايته عدي بن الفضل، وهو ضعيف، وقول أبي القاسم عبد الله بن أحمد البلخي:(حديث حذيفة فاحش منكر لا نراه إلا من قبل بعض الزنادقة)؛ فمردود؛ لأنَّه كلام سوء لا يساوي سماعه وهو في غاية الصحة، كذا قرره في «عمدة القاري» .
قال في «شرح المشكاة» : (قيل: النهي للتنزيه، وقيل: للتحريم)، وذكر في «البناية شرح الهداية» عن الحافظ الطحاوي:(أنه لا بأس بالبول قائمًا) انتهى.
والحاصل: أن البول قائمًا مكروه عندنا، والتعبير بـ (لا بأس) يفيد أن تركه أولى، وهو مفاد كراهة التنزيه، وكذا يُكْرَهُ البول في محل التوضؤ، وكذا في محل الاغتسال؛ لقوله عليه السلام:«لا يبولنَّ أحدكم في مستحمه، ثم يغتسل فيه أو يتوضأ، فإن عامة الوسواس منه» ، قال ابن الملك: لأنَّ ذلك الموضع يصير نجسًا فيقع في قلبه وسوسة بأنه هل أصابه منه رشاش أم لا؟ حتى لو كان بحيث لا يعود منه رشاش أو كان فيه منفذ بحيث لا يثبت فيه شيء من البول؛ لم يكره البول فيه؛ لأنَّه لا يجره إلى الوسوسة حينئذ؛ لأمنه من عود الرشاش إليه في الأول، ولطهر أرضه في الثاني بأدنى ماء طهور يمر عليها، كذا في «شرح المشكاة» .
وكذا يكره أن يبول أو يتغوط في الماء ولو كان جاريًا والكراهة للتنزيه، وكذا يكره أن يبول أو يتغوط في الماء الراكد، والكراهة للتحريم، كذا في «البحر» ، وقيل: إنه في الراكد القليل يحرم؛ لأنَّه ينجسه وتنجيس الطاهر حرام، وفي الكثير يكره تحريمًا، والتغوط كالبول، بل هو أقبح، أفاده المحشي، وكذا يُكْرَهُ البول مضطجعًا أو متجردًا من ثوبه بلا عذر، وفي أسفل الأرض إلى أعلاها، كما في «الدر» ، وكذا يُكْرَهُ في الماء بالليل مطلقًا؛ خشية أن يؤذيه الجن؛ لما قيل: إن الماء بالليل مأواهم، انتهى.
وكذا يُكْرَهُ البول والتغوط بقرب بئر، أو نهر، أو حوض، أو مصلَّى عيد، أو قافلة، أو خيمة، أو بين الدواب، أو مصلَّى جنازة، والطريق، والظل، والجحر، وتحت شجرة مثمرة، أو مكان معد لنزهة الناس، كذا في «منهل الطلاب» ، وهذا إذا كان مباحًا، أما إذا كان مملوكًا؛ فيحرم فيه قضاء الحاجة بغير إذن مالكه، كما في «شرح المشكاة» .
وفي الحديث دليل على أن مدافعة البول ومصابرته مكروهة؛ لما فيه من الضرر، كما في «عمدة القاري» ، قلت: فإن داء الحصبة يحصل منه غالبًا، وربما يورث داء الاستسقاء؛ لأنَّه لحصره ينفذ البول إلى الجلد فيعفن ويحصل المرض، ويقاس على هذا التغوط، فإنه كذلك يضر البدن، فمدافعته مكروهة؛ لأنَّه يحصل منه وجع الرأس بسبب البخار الصاعد منه إلى الدماغ، ويورث وجع الظهر، وغير ذلك كما بينته في «منهل الطلاب» .
وفي الحديث أيضًا جواز البول بالقرب من الديار وجواز طلب البائل من صاحبه الماء للوضوء، وخدمة المفضول للفاضل، والله تعالى أعلم، اللهم فرج عنا وعن المسلمين يا أرحم الراحمين.
(61)
[باب البول عند صاحبه والتستر بالحائط]
هذا (باب البول)؛ أي: حكم بول الرجل (عند صاحبه)؛ أي: رفيقه (و) حكم (التستر)؛ أي: تستره (بالحائط)؛ أي: الجدار، فالألف واللام في (البول) بدل من المضاف إليه وهو كما قدرنا، والضمير في (صاحبه) يرجع إلى المضاف إليه المقدر؛ وهو الرجل البائل، كذا قاله في «عمدة القاري» ، وتبعه القسطلاني وقد حاول العجلوني العبارة كما هي عادته؛ أي قال: أي: جواز البول عند صاحب البائل المدلول عليه بالبول، ولا يخفى ما في هذا التعبير من الركاكة والمحاولة؛ فافهم.
[حديث حذيفة: رأيتني أنا والنبي نتماشى فأتى سباطة قوم
خلف حائط]
225 -
وبه قال: (حدثنا عثمان ابن أبي شيبة) نسبه لجده؛ لشهرته به، وإلا فاسم أبيه محمَّد بن إبراهيم، الكوفي، المتوفى سنة تسع وثلاثين ومئتين (قال: حدثنا جرير)؛ هو ابن عبد الحميد، (عن منصور)؛ هو ابن المعتمر، (عن أبي وائل)؛ هو شقيق الكوفي، (عن حذيفة)؛ هو ابن اليمان رضي الله عنه (قال) أي: حذيفة: (رأيتُني)؛ بضمِّ المثناة الفوقية للمتكلم؛ ومعناه: رأيت نفسي؛ بمعنى: أبصرتها، وبهذا التقدير يندفع سؤال من يقول: كيف جاز أن يكون الفاعل والمفعول عبارة عن شيء واحد؟ وهذا التركيب جائز في أفعال القلوب؛ لأنَّه من خصائصها، ولا يجوز في غيرها، كذا في «عمدة القاري» ، وهذا القائل تبعه القسطلاني وهو وهم، وقال العجلوني:(وقد تجعل منها وإن كان منشأ المعرفة القلبية الإبصار، وحينئذٍ لا يحتاج إلى تقدير نفسي)، قلت: وفيه نظر فإنه لا بد من تقدير نفسي حتى يصح التركيب والتقدير؛ لأنَّ منشأ هذه الأفعال القلبية الإبصار وهو مفقود هنا؛ فليحفظ (أنا والنبي) ولفظ (أنا) للتأكيد، ولصحة عطف (النبي) على الضمير المنصوب على المفعولية؛ والتقدير: رأيت نفسي ورأيت النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الكرماني:(بنصب «النبي»؛ لأنَّه عطف على المفعول لا على الفاعل، وعليه الرواية)، قال في «عمدة القاري» :(ويجوز رفع «النبي»؛ لصحة المعنى عليه، ولكن إن صحت رواية النصب؛ يقتصر عليها)، قلت: ونقل القسطلاني عن «فرع اليونينية» : أن النصب والرفع ثابت في الرواية، فالرفع عطف على ضمير الرفع في (رأيتني) لا على (أنا) كما توهمه القسطلاني؛ فليحفظ.
وقوله: صلى الله عليه وسلم : جملة خبرية لفظًا إنشائية معنًى، وجملة:(نتماشى)؛ بالنون أوله، والشين المعجمة المفتوحة في محل نصب على الحال من الفاعل والمفعول معًا؛ والتقدير: رأيت نفسي ورأيت النبي حال كونهما متماشيين، (فأَتى)؛ بفتح الهمزة؛ أي: النبي عليه السلام (سُباطة)؛ بضمِّ السين المهملة؛ أي: كناسة (قوم) من الأنصار، وبه علم أن هذه القضية كانت بالمدينة كما سبق (خلف حائط)؛ بالنصب على الحال من (سباطة)، والحائط: الجدار، من الحوط، فأصله واوي، وقدمنا أنه يجيء بمعنى البستان من النخل إذا كان محوطًا؛ فافهم.
(فقام)؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام (كما يقوم أحدكم)؛ إذا أراد أن يقضي حاجته، (فبال)؛ أي: شرع في البول،