الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا يفيد الأمر بالتقاط اللقطة.
قال في «فتاوي الولوالجي» : اختُلف في رفعها؛ فقال بعضهم: رفعُها أفضل من تركها، وقال بعضهم: يحِلُّ رفعُها وتركها أفضل، وفي «شرح الحافظ الطحاوي» : إذا وجد لقطة؛ فالأفضل له أن يرفعها إذا كان يأمن على نفسه، وإذا لم يأمن على نفسه؛ لا يرفعها، ولو رفعها ووضعها في مكانه وهلكت؛ فلا ضمان عليه في ظاهر الرواية عن الإمام الأعظم.
وقال بعض مشايخنا: هذا إذا لم يبرح من ذلك المكان، فإن ذهب عن مكانه، ثم أعادها ووضعها فيه فهلكت؛ فإنَّه يضمن، وقال بعضهم: يضمن مطلقًا، وهو خلاف ظاهر الرواية، وفي «شرح الأقطع» : يستحب أخذ اللقطة ولا يجب، وفي «الخلاصة» : إن خاف ضياعها؛ يفترض الرفع، وإن لم يخف؛ يباح رفعُها، أجمع العلماء عليه، والأفضل الرفع في ظاهر المذهب عن الإمام الأعظم، انتهى.
وعند مالك: قيل: يكره أخذها، وقيل: هو الأفضل، وعند الشافعي: قيل: يستحب الأخذ، وقيل: يجب، وقيل: إن خاف عليها؛ وجب، وإن أمن؛ استُحب، وعن أحمد: يُندب تركها.
(ثم عَرِّفها) للناس بذكر بعض صفاتها في المحافل (سَنَةً) منصوبٌ بنزع الخافض؛ أي: مدة سنة، وفي حديث أُبيٍّ ثلاث سنين، وفي بعض طرقه بالشك في سنة أو ثلاث، ويُحمل إمَّا بطرح الشك والزيادة، أو هي قصتان؛ الأولى للأعراب، والثانية لأُبيٍّ، وهذا يختلف بقِلَّة الشيء الملقوط وكَثرته، قال أصحابنا: يعرِّفها إلى أن يغلب على ظنِّه أنَّ ربَّها لا يطلبُها، وهو الصحيح؛ لأنَّ ذلك يختلف بقِلة المال وكَثرته، وروى الإمام محمد عن الإمام الأعظم: أنَّه إن كانت أقل من عشرة دراهم؛ عرَّفها أيامًا، وإن كانت عشرة فصاعدًا؛ عرَّفها حولًا؛ أي: سنةً، وهو قول مالك والشافعي، وروى الإمام الحسن عن الإمام الأعظم: أنَّها إن كانت مئتي درهم فصاعدًا؛ عرَّفها حولًا، وفيما فوق العشرة إلى مئتين شهرًا، وفي العشرة جمعة، وفي ثلاثة دراهم ثلاثة أيام، وفي درهم يومًا.
وإن كانت ثمرة ونحوها؛ يتصدَّق بها مكانها، وإن كان محتاجًا؛ أكلها مكانها، وفي «الهداية» : إذا كانت اللقطة شيئًا يعلم أنَّ صاحبَها لا يطلبُها؛ كالنواة وقشور الرُّمَّان؛ يكون إلقاؤُه مباحًا، فيجوز الانتفاع به من غير تعريف، لكنَّه باق على ملك مالكه؛ لأنَّ التمليك من المجهول لا يصحُّ، وفي «الواقعات» : المختار في قشور الرُّمَّان والنواة أنَّه يملكها، وفي الصيد: لا يملكه.
وإن جمع سنبلًا بعد الحصاد؛ فهو له لإجماع الناس على ذلك، وإن سلخ شاة ميتة؛ فهو له ولصاحبها أن يأخذه منه، وكذا الحكم في صوفها.
فإن وصف اللقطة وبيَّنها مالكها؛ قال أئمتنا: حلَّ للملتقط أن يدفعها إليه من غير أن يُجبر عليه في القضاء، وقال مالك والشافعي: يُجبر على دفعها؛ لما في «مسلم» : «فإن جاء صاحبها فعرَّف عِفاصها وعددها؛ فأَعْطِها إيَّاه» .
قلنا: هذا مدَّعٍ وعليه البيِّنة؛ لقوله عليه السلام: «البيَّنة على المدَّعي» ، والعلامة لا تدُلُّ على المِلك ولا على اليد؛ لأنَّ الإنسان قد يقف على مال غيره ويخفى عليه مال نفسه، فلا عبرة بهذا، والحديث محمول على الجواز لا الوجوب؛ توفيقًا بين الأخبار؛ لأنَّ الأمر قد يراد به الإباحة، وبه نقول.
(ثم استمتِعْ بها)؛ بكسر التاء الثانية وتسكين العين؛ أي: إن كان فقيرًا، وإن كان غنيًّا؛ يتصدَّق بها على فقير أجنبي أو قريب منه، هذا قول إمامنا الإمام الأعظم، وبه قال سعيد بن المسيِّب والثوري، ورُوي ذلك عن عليٍّ وابن عباس؛ لقوله عليه السلام:«فليتصدَّق به» ، ومحلُّ الصدقة الفقراء، وقال مالك: يستحب أن يتصدق بها، وأباح الشافعي للغني الواجد؛ لحديث أُبَيِّ بن كعب وبظاهر حديث الباب، قلنا: بأنَّ هذا وأمثاله حكايةُ حال، فيجوز أنَّه عليه السلام عَرَفَ فقرَه إمَّا لديون عليه، أو قِلَّة مالِه، أو يكون إذنًا منه عليه السلام بالانتفاع، وهو جائز من الإمام على سبيل القرض، أو أنَّه عَرَفَ أنَّه كان في مال كافر حربيٍّ، (فإن جاء ربها)؛ أي: مالكُها، ولا يُطلق الرَّبُّ على غير الله إلَّا مضافًا مقيَّدًا؛ (فأَدِّها) جواب الشرط؛ أي: أعْطِها (إليه) وهذا حُجَّةٌ على الكرابيسي من الشافعيَّة؛ حيث قال: لا يلزمُه ردُّها بعد التعريف ولا ردُّ بدلها، وهو قول داود ومالك في الشاة.
والحديث دليل ظاهر على أنَّ صاحب اللُّقَطة إذا جاء؛ فهو أحقُّ بها من مُلتقطها إذا أَثبت أنَّه صاحبُها، فإنْ وجدها قد أكلها الملتقط بعد التعريف وأراد أن يُضَمِّنَه قيمتَها؛ كان له ذلك، وإن كان قد تصدَّق بها؛ فصاحبُها مُخَيَّرٌ بين التضمين وبين أن يتركَ على أجرها، رُوي ذلك عن عمر، وعليٍّ، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وقول إمامنا الأعظم، وطاووس، وعِكرمة، وسفيان الثوري، والحسن ابن حيٍّ؛ فليحفظ.
(قال) : يا رسول الله؛ (فضالَّةُ الإبل؟) مبتدأٌ مضاف خبرُه محذوف؛ أي: ما حكمُها؟ أكذلك أم لا؟ فهو من إضافة الصفة للموصوف، والضالَّةُ لا يقع إلَّا على الحيوان، يقال: ضلَّ الإنسان والبعير، وأمَّا الأمتعة ما سوى الحيوان؛ فيقال له: لُقَطَة، (فغضب) عليه السلام (حتى احمرَّت وجنتاه) تثنية وَُِجْنَة؛ وهي ما ارتفع من الخَدِّ؛ بفتح الواو، وكسرها، وضمها، وأُجنة؛ بضمِّ الهمزة، (أو قال: احمرَّ وجهُه) شكٌّ من الراوي، وإنَّما غضب؛ لسوء فهم السائل؛ حيث قاسَ الشيءَ على غيرِ نظيره؛ لأنَّ اللُّقَطة شيءٌ سقط من صاحبه، وأمَّا الإبل؛ فمخالِفةٌ للُّقَطَة اسمًا وصفةً، (فقال) عليه السلام:(ومالَكَ ولها؟) وفي رواية: بإسقاط الواو، وفي أخرى:(فمالَكَ ولها؟) بـ (الفاء) عِوضًا عن (الواو)؛ أي: ما تصنع بها؛ أي: لِمَ تأخذُها ولم تتناولها؟ وإنَّها مستقلة بأسباب تعيُّشها، ففيه نهيٌ عن أخذها (معها سِقاؤها)؛ بكسر السين المهملة؛ مبتدأ، وخبرُه مقدَّم؛ أي: أجوافها؛ فإنَّها تشرب فتكتفي بها أيامًا، والمراد: اللبن والماء (وحِذاؤُها)؛ بكسر الحاء المهملة والمدِّ؛ أي: خِفُّها التي تمشي عليه؛ (ترد الماء) جملة بيانيَّة لا محلَّ لها من الإعراب، أو محلُّها الرفع خبرٌ لمبتدأ محذوف؛ أي: هي ترد الماء، (وترعى الشجر؛ فذرها)؛ أي: دعها، فـ (الفاء) جواب شرط محذوف؛ أي: إذا كان الأمر كذلك؛ فدعها (حتى يلقاها ربُّها) : مالكُها، استدلَّ به مالك، والشافعي، وأحمد على أنَّه لا يجوز التقاط الإبل إذا استغنت بقوتها عن حفظها، وقال الإمام الأعظم: يجوزُ التقاط البهيمة مطلقًا من أيِّ جنسٍ كان؛ لأنَّها مالٌ يُتَوَهَّم ضياعُه، والحديث محمول على أنَّه كان في ديارهم؛ لأنَّه كان لا يُخاف عليها من شيء، ونحن نقول في مثله: يتركها، وهذا لأنَّ بعض البلاد الدوابُّ يسيِّبها أهلها في البراري حتى يحتاجوا إليها، فيمسكوها وقت الحاجة، ولا فائدة في التقاطها حينئذٍ، ويدُلُّ على ما قلناه: ما رواه مالك في «الموطأ» عن ابن شهاب قال: كان ضوالُّ الإبل في زمن عمر إبلًا مؤبلةً تَناتَج
(1)
لا يمسها أحد، حتى إذا كان عثمان؛ أمر بمعرفتها، ثم تباع، فإذا جاء صاحبها؛ أُعطي ثمنَها؛ فليحفظ.
(قال) : يا رسول الله؛ (فضالَّة الغنم) : اسم مؤنث موضوع للجنس يقع على الذكور والإناث وعليهما جميعًا، مبتدأ مضاف، وخبره محذوف؛ أي: ما حكمُها؟ أهي مثل ضالَّة الإبل أم لا؟ (قال) عليه السلام: ليست كضالَّة الإبل؛ بل هي (لك) إن أخذتَها، ففيه حذف، (أو لأخيك) من اللاقطين إن لم تأخذْها، أو المراد من الأخ: صاحبُها؛ أي: أو هي لأخيك الذي هو صاحبها إن ظهر، (أو للذئب)؛ بالهمز، وقد تخفَّف بقلبها مثناة، والأنثى: ذئبة؛ أي: فيأكلها إن لم تأخذْها، فيكون محلُّ (لكَ) رفعٌ؛ لأنَّه خبرُ مبتدأ محذوف، وكذا (لأخيك) و (للذئب)، وفيه إشارة إلى الإذن بأخذها، فاستدل به المازريُّ لعدم الغرامة؛ لأنَّ قوله:(هي لك) ظاهرُه التمليك، والمالك لا يغرم، وأجيب للإمام الأعظم والإمام الشافعي: بأنَّ اللام للاختصاص؛ أي: إنَّك تختص بها، ويجوز لك أكلُها وأخذُها، وليس فيه تعرُّض للغرم ولا لعدمه؛ بل بدليل آخر؛ وهو قوله: فإنْ جاء ربُّها يومًا؛ فأدِّها إليه؛ فليحفظ، وفي الحديث إبطال قول مدَّعي علم الغيب.
[حديث: سئل النبي عن أشياء كرهها]
92 -
وبه قال: (حدثنا) بالجمع، وفي رواية: بالإفراد (محمد بن العلاء) أبو كُريب الكوفي (قال: حدثنا أبو أسامة) حمَّاد بن أسامة الكوفي، (عن بُرَيد)؛ بضم الموحدة وفتح الراء، (عن أبي بُرْدة)؛ بضم الموحدة وسكون الراء، عامر بن أبي موسى الأشعري، (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (قال: سُئل)؛ بضم السين المهملة وكسر الهمزة، (النبيُّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم عن أشياءَ) ممنوعٌ مِنَ الصرف؛ لأنَّه أشبه (فعلاء)، (كَرِهَها
(2)
)؛ لأنَّه رُبَّما كان فيها شيء سبب
(3)
لتحريمه على المسلمين، فيلحقهم به المشقَّة، أو رُبَّما كان في الجواب ما يكره السائل؛ كقوله تعالى:{لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101].
(1)
في الأصل (تنتاج)، ولعل المثبت هو الصواب.
(2)
في الأصل: (كرها)، وليس بصحيح.
(3)
في الأصل: (سببًا)، وليس بصحيح.
(فلما أُكثر)؛ بضم الهمزة على صيغة المجهول؛ أي: فلما أكثر الناس السؤال (عليه) عليه السلام؛ (غضب) جواب (لما) وسبب غضبه تعنُّتهم في السؤال وتكلُّفهم فيما لا حاجة إليه، ولهذا قال عليه السلام: «إن أعظم المسلمين جرمًا
(1)
من سأل عن شيء، فحرم من أجل مسألته»، أخرجه المؤلف، (ثم قال) عليه السلام (للناس: سلوني) وسقط (للناس) في رواية، (عما شئتم)؛ بالألف: وللأصيلي: بحذفها؛ لأنَّه يجب حذف ألف (ما) الاستفهامية إذا جُرَّت وإبقاء الفتحة؛ دليلًا عليها؛ للفرق بين الاستفهام والخبر، وهذا كان منه عليه السلام بوحي من ربه تعالى، (قال رجل) هو عبد الله بن حذافة الرسول إلى كسرى:(من أبي) يا رسول الله؟ (قال) عليه السلام: (أبوك حُذَافَة)؛ بضم الحاء
(2)
، والذال المعجمة وفاء مفتوحتين، القرشي السهمي، المتوفى في خلافة عثمان رضي الله عنه، وإنما سأله؛ لأنَّه كان ينسب إلى غير أبيه، وإنما عرف عليه السلام أنَّه ابنه إما بالوحي، أو بحكم الفراسة، أو بالقياس، أو الاستحقاق، والظاهر الأول، (فقام) رجل (آخر) هو سعد بن سالم، (فقال: من أبي يا رسول الله؟ فقال) وفي رواية: (قال عليه السلام : (أبوك سالم مولى شيبة) بن ربيعة، وهو صحابيٌّ، وإنَّما سأله؛ لأنَّه قيل في نسبه لغير أبيه، وجوابه عليه السلام بوحي من ربه تعالى، (فلما رأى) أي: أبصر (عمر) بن الخطاب (ما [في] وجهه) عليه السلام من أثر الغضب، و (ما) موصولة، والجملة محلها النصب مفعول (رأى)؛ (قال: يا رسول الله؛ إنا نتوب إلى الله عز وجل من الأسئلة المكروهة مما لا يرضاه رسول الله عليه السلام، وفيه: فَهْم عمر رضي الله عنه وفضل علمه، وفيه: كراهة السؤال للتعنُّت، وفيه: معجزة النبيِّ الأعظم عليه السلام.
(29)
[باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث]
هذا (باب من بَرَك)؛ بفتحتين وتخفيف الراء (على ركبتيه عند الإمام أو المحدث) وإسناد البرك للإنسان مجاز؛ لأنَّ (برك) حقيقة في البعير.
[حديث: أن رسول الله خرج فقام عبد الله بن حذافة]
93 -
وبه قال: (حدثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا) وللأصيلي: (حدثنا)(شعيب) بن أبي حمزة؛ بالمهملة والزاي، (عن الزهري) محمد بن مسلم ابن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك) رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج) من حجرته، فسئل، فأكثروا عليه، فغضب فقال:(سلوني)، (فقام عبد الله بن حذافة) السهمي المهاجري (فقال) : يا رسول الله؛ (من أبي) حتى ألحق به؟ (فقال) عليه السلام، وفي رواية:(قال: من أبي؟ فقال) : (أبوك حذافة) وفي مسلم: أنه كان يدعى لغير أبيه، ولما سمعت أمه سؤاله؛ قالت: ما سمعت بابن أعقَّ منك، أأمنت أن تكون أمك قارفت ما يقارف نساء الجاهليَّة فتفضحها على أعين الناس؟ فقال: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقت به، انتهى، قلت: وجوابه عليه السلام له بوحي من ربه تعالى، (ثم أكثر أن يقول) عليه السلام:(سلوني)؛ لأنَّه أوحي إليه به؛ إذ لا يعلم كل ما يسئل عنه من المغيَّبات إلَّا بإعلام الله تعالى له، (فبَرَك)؛ بفتحتين وتخفيف الراء (عمر) رضي الله عنه (على ركبتيه) يقال: برك البعير إذا استناخ، واستعمل في الإنسان؛ مجازًا، (فقال) عمر:(رضينا بالله ربًّا)؛ أي: رضينا بما عندنا من كتاب الله، (وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا)؛ أي: رضينا بما عندنا من سنة نبيِّنا واكتفينا بها عن السؤال أبلغ كفاية، وإنما قال ذلك عمر؛ أدبًا وإكرامًا للنبيِّ الأعظم عليه السلام وشفقة للمسلمين؛ لئلَّا يؤذوا النبيَّالأعظم، فيدخلوا تحت قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} [الأحزاب: 57]، وانتصاب (ربًّا) و (دينًا) و (نبيًّا) على التمييز، ويجوز على المفعولية؛ لأنَّ (رضي) إذا عُدِّي بالباء؛ يتعدَّى لمفعول واحد، والمراد بالدين: التوحيد، (فسكت) النبيُّ الأعظم عليه السلام حين سمع مقالة عمر، وفي رواية:(فسكن غضبه)، وإنما قال:(بالإسلام) ولم يقل: بالإيمان؛ لأنَّ الإسلام والإيمان واحد لا تغاير بينهما؛ كما قدمناه.
(30)
[باب من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه]
هذا (باب من أعاد الحديث) في أمور الدين (ثلاثًا؛ ليُفهَم)؛ بضم التحتية وفتح الهاء (عنه) وفي رواية: حذف (عنه) وكسر الهاء، وفي أخرى: كذلك مع فتحها، (فقال: ألا)؛ بالتخفيف: حرف تنبيه، وفي رواية:(فقال النبيُّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم: ألا) (وقولُ) مرفوع هنا على الحكاية (الزُّور)؛ بضم الزاي: الكذب؛ أي: الشهادة بالكذب؛ فلذا أنَّث الضمير بقوله: (فما زال يكررها)؛ أي: فما دام يكررها في مجلسه لا مدة عمره، وهذا طرف من حديث وصله بتمامه في (الشهادات)، (وقال ابن عمر) عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما:(قال النبيُّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم: هل بلغت؟ ثلاثًا)؛ أي: قال: (هل بلغت؟) ثلاث مرَّات، وهذا التعليق وصله في (خطبة الوداع).
[حديث: كان إذا سلم سلم ثلاثًا وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا]
94 -
وبه قال: (حدثنا عَبْدة)؛ بفتح المهملة وسكون الموحدة، ابن عبد الله الخزاعي البصري أبو سهل الكوفي الأصل، المتوفى سنة ثمان وخمسين ومئتين (قال: حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث التيمي العنبري البِصري أبو سهل، المتوفى سنة سبع ومئتين، (قال: حدثنا عبد الله بن المُثَنَّى)؛ بضم الميم، وفتح المثلثة، وتشديد النون المفتوحة، ابن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري القاضي بالبصرة (قال: حدثنا ثُمامة)؛ بضم المثلثة وتخفيف الميمين، زاد في رواية:(ابن عبد الله)؛ أي: ابن أنس بن مالك الأنصاري البصري، (عن) جده (أنس)؛ أي: ابن مالك رضي الله عنه، (عن النبيِّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا سلَّم)؛ بتشديد اللام، على الناس، وهذا يشعر بالاستمرار؛ لأنَّ (كان) تدل على الثبوت والدوام واسمها مستتر فيه، والجملة بعدها خبرها (سلم ثلاثًا)؛ أي: ثلاث مرات، ومعناه: أنه إذا أتى على قوم؛ سلَّم عليهم للاستئذان، وإذا دخل؛ سلَّم للتحية، وإذا قام؛ سلَّم للوداع، وكلها مسنونة، هكذا يجب أن يفهم، كما أوضحه إمامنا الشيخ بدر الدين العيني، (وإذا تكلم) عليه السلام (بكلمة)؛ أي: بكلام من إطلاق البعض على الكل؛ (أعادها ثلاثًا)؛ أي: ثلاث مرَّات، وإعادته إما لأنَّ [في] الحاضرين من يقصر فهمه عن وعيه، فيكرره ليفهم، وإما أن يكون القول فيه بعض إشكال، فيتظاهر بالبيان، وتمامه في «عمدة القاري» .
[حديث: كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تفهم عنه]
95 -
وبه قال: (حدثنا عبدة بن عبد الله) زاد في رواية (الصفَّار)، وسقط (ابن عبد الله) في رواية؛ أي: السابق (قال: حدثنا عبد الله بن المثنى) هو الأنصاري (قال: حدثنا ثمامة بن عبد الله) بن أنس، وفي رواية: ثمامة ابن أنس، فنسبه لجدِّه، (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه، (عن النبيِّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا تكلم بكلمة)؛ أي: كلام، وعبر بـ (كان)؛ لدلالتها على الثبوت والدوام بخلاف (صار)؛ فإنها تدل على الانتقال، (أعادها)؛ أي: الكلمة المفسَّرة بالكلام (ثلاثًا)؛ أي: ثلاث مرات (حتى تُفهَم منه)؛ أي: حتى تُعقل منه، كما في رواية الترمذي، وهو على صيغة المجهول، و (حتى) هنا مرادفة لكي التعليلية، (و) كان عليه السلام (إذا أتى على قوم فسلم عليهم) هذا ليس جواب (إذا) وإنما هو عطف على قوله:(أتى) من تتمة الشرط، والجواب هو قوله:(سلم عليهم ثلاثًا)؛ أي: ثلاث مرات: الأولى: للاستئذان، والثانية: للتحية، والثالثة
(3)
: للوداع، وهذا الحديث سقط في رواية، ولا يخفى الاستغناء عنه بالثاني،؛ فافهم.
[حديث: تخلَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر سافرناه]
96 -
وبه قال: (حدثنا مسدَّد) بن مسرهد (قال: حدثنا أبو عَوانة)؛ بفتح العين المهملة، الوضَّاح اليشكري، (عن أبي بشر)؛ بكسر الموحدة وسكون المعجمة، جعفر بن إياس، (عن يوسف بن ماهَِك)؛ بكسر الهاء وفتحها ممنوع من الصرف؛ للعلمية والعجمة، وللأصيلي: بالصرف؛ لأجل الصفة، (عن عبد الله بن عمرو)؛ أي: ابن العاص رضي الله عنه (قال: تخلَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: تأخر خلفنا (في سفر سافرناه) وفي السابقة: (في سفرة سافرناها) كما في رواية هنا، وهو من مكة إلى المدينة، كما في «مسلم» ، (فأدركَنا)؛ بفتح الكاف؛ أي: النبيُّ الأعظم عليه السلام (وقد أرهقْنا)؛ بإسكان القاف (الصلاةَ) بالنصب على المفعولية؛ أي: ضاق وقتها، وفي رواية:(أرهقتنا) بزيادة مثناة للتأنيث وفتح القاف، و (الصلاةُ) : بالرفع على الفاعلية (صلاةَُ العصر) بالنصب أو الرفع على البدلية من (الصلاة)(ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا)؛
(1)
في الأصل: (حرمانًا)، والمثبت موافق لما في «الصحيح» .
(2)
في الأصل: (الهمزة)، وليس بصحيح.
(3)
في الأصل: (والثالث)، وليس بصحيح.