الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالصَّواب الذي لا معدل عنه: أن الحديث كان لبيان الجواز والتنبيه على هذه الفوائد، فهو جائز لنا وشرع مستمر للمسلمين إلى يوم الدين، انتهى.
وزعم بعض أصحاب مالك أنَّه عليه السلام لو تركها؛ لبكت وشغلت سره في صلاته أكثر من شغله بحملها.
قلت: وهذه الدعوى مردودة؛ لأنَّه عليه السلام قد وضعها، ثم ركع وسجد، كما رواه مسلم، وأبو داود، وغيرهما، ولم يذكر أحد من الرواة أنَّه حين وضعها بكت، والأصل العدم وبقاء ما كان على ما كان، فهذا يدل على أنَّ حمله عليه السلام إياها لبيان الجواز؛ فافهم.
وقال الباجي: (إن وجد من يكفيه أمرها؛ جاز في النافلة دون الفريضة، وإن لم يجد؛ جاز فيهما) انتهى.
قلت: وهذه أيضًا مردودة؛ لأنَّه لم يفرق في الحديث بين الفرض والنفل، بل هما على السواء، فقد كان عليه السلام يحملها في الفرض إمامًا وفي النفل، فإذا جاز في الفرض؛ فالنفل أولى، على أنَّه عليه السلام كان إذ ذاك له نسوة وبنات وجوارٍ، ولم يأمر أحدًا منهن بحملها، بل تولَّى ذلك بنفسه في صلاته؛ لبيان الشرع.
وقال الفاكهاني: كان السرُّ في حمله عليه السلام أمامة في الصلاة دفعًا لما كانت العرب تألفه من كراهة البنات وحملهن، وخالفهم في ذلك حتى في الصلاة للمبالغة في ردعهم.
قلت: فيه نظر؛ لأنَّه لا يلزم أن يكون ذلك في الصلاة، بل يكون خارجها، وأما السر في ذلك؛ فهو
(1)
بيان الجواز والتشريع؛ فليحفظ.
والثاني من الأحكام: فيه جواز إدخال الصغار في المساجد.
والثالث: جواز صحة صلاة من حمل آدميًّا، وكذا من حمل حيوانًا طاهرًا.
والرابع: فيه تواضعه عليه السلام، وشفقته على الصغار، وإكرامه لهم؛ جبرًا لهم ولوالديهم، أفاده الشَّارح.
وقال الشَّافعي: فيه دليل على ترجيح العمل بالأصل على الغالب، وردَّه الشيخ ابن دقيق العيد بأنَّ حكاية الأحوال لا عموم لها.
وفي الحديث: دليل على أنَّ لمس البنات غير مبطل للصلاة ولا للطهارة، وهو مذهب الجمهور.
وزعم الشَّافعية أنَّها مَحرَم، أو واقعة حال، أو مع حائل.
قلت: هذه دعاوى باطلة مردودة؛ لأنَّه لا دليل عليها، فقد كان عليه السلام يقبِّل عائشة ويمس غيرها من زوجاته ويصلي ولم يتوضأ؛ كما ثبت في «الصَّحيحين» وغيرهما، وقد تكرر منه عليه السلام هذا الفعل في الفريضة والنَّافلة في حال الإمامة والانفراد، واحتمال الحائل ممنوع؛ لأنَّ الأصل عدمه، ولو كان؛ لذكره الرواة، واحتمال المَحرَميَّة باطل؛ فإن الزوجة ليست بمَحرَم، وكونها واقعة حال باطلة؛ لأنَّ هذا الحكم سيق للتشريع بأن يبقى ليوم القيامة؛ فافهم.
وحاصله: أن هذه محاولة ذكرت ترويجًا لما ذهب إليه إمامهم، والله تعالى أعلم.
(107)
[باب إذا صلى إلى فراش فيه حائض]
هذا (بابٌ) -بالتنوين- يذكر فيه حكم ما (إذا صلى) أي: الرجل (إلى فِراش)؛ بكسر الفاء: ما يفرش -أي: يبسط- على الأرض (فيه حائض)؛ أي: امرأة حائض، هل تصحُّ صلاته أم لا؟ وهل تكره أم لا؟
وتقدير الحكم أولى من الجواز؛ لأنَّه أعم، كما لا يخفى، وزعم الكرماني: باب هذه المسألة -وهي ما يقوله الفقهاء-: إذا صلَّى كذا وكذا؛ كيف يكون حكمه؟ وردَّه الشَّارح بأنَّ هذا تعسُّف، ولو قال: معناه: إلى فراش فيه حائض كيف يكون حكمه؟ يكره أم لا؟ وحديث الباب يدل على عدم الكراهة، انتهى.
قلت: وقد فرغ المؤلِّف من بيان أحكام المار بين يدي المصلي، وهذا شروع في بيان فروع من أحكام الصلاة؛ فافهم.
[حديث: كان فراشي حيال مصلى النبي فربما وقع ثوبه عليَّ]
517 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عَمرو) بفتح العين المهملة (بن زُرارة)؛ بِضَمِّ الزاي، ثم بالرَّاء المكررة: هو أبو محمَّد النيسابوري (قال: أخبرنا هُشيم)؛ بِضَمِّ الهاء مصغرًا: هو ابن بُشير -بِضَمِّ الموحَّدة- الواسطي المتوفى ببغداد سنة ثلاث وثمانين ومئة، (عن الشيباني) هو أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان فيروز الكوفي، وما زعمه العجلوني من أنَّه سليمان بن إسحاق؛ خطأ ظاهر؛ فافهم، (عن عبد الله بن شداد بن الهادِ)؛ بتخفيف الدَّال المهملة، واسمه أسامة اللَّيثي الكوفي، (قال: أخبرتني خالتي مَيْمُونة) بفتح الميم الأولى، وضم الثانية، بينهما تحتية ساكنة (بنت الحارث)؛ بالمثلَّثة، إحدى زوجات النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، (قالت: كان فِراشي)؛ بكسر الفاء؛ أي: ما أفترشه حال إرادة النَّوم (حِيَال)؛ بكسر الحاء المهملة، وفتح التحتية؛ أي: بجنبه، كما في الحديث الذي بعد هذا، فهو ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر (كان)؛ أي: كائنًا في حذاء (مُصلَّى) بِضَمِّ الميم، وفتح اللَّام (النَّبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ أي: الموضع الذي كان يصلي فيه في بيته؛ وهو مسجده الذي عينته للصلاة فيه، (فربما وقع ثوبه) أي: أصاب ثوب النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم (عليَّ)؛ بتشديد التحتية المفتوحة؛ أي: حال صلاته، (وأنا على فراشي)؛ أي: نائمة، وفي رواية:(وأنا حائض)؛ أي: متلبسة بالحيض، فلم ينكر علي النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، ولم تضر صلاته، وإفادة كلمة (رُبَّ) : أن كثيرًا ما يقع هذا الفعل له عليه السلام؛ لأنَّ (رُبَّ) عند سيبويه وجماعة: حرف تكثير، وعند ابن درستويه وجماعة: أنها للتكثير دائمًا، كما في «المغني» ، بل نقل الحلبي عن جماعة: أنها لا تفيد التقليل إلا بقرينة، انتهى، وإذا زيدت كلمة (ما) بعدها؛ فالغالب أن تكفَّها عن العمل، وأن تهيئها للدخول على الجمل الفعلية، وأن يكون الفعل ماضيًا لفظًا ومعنًى، كما في الحديث؛ ومنه قول الشاعر:
ربما أوفيت في علم
…
ترفعن ثوبي شمالات
وتمامه في شرحنا على «الأزهرية» .
وفي الحديث: المطابقة لما ترجم له المؤلف، واعترض على المؤلف بوجهين؛ الأول: كيف دل على التَّرجمة التي هي كون المصلي منتهيًا إلى الفراش؛ لأنَّه قال: إذا صلى إلى الفراش، وكلمة (إلى) لانتهاء الغاية؟ والثاني: أن الحديث يدل على اعتراض المرأة بين المصلي وقبلته؛ فهذا يدل على جواز القعود لا على جواز المرور.
وأجاب شارحنا في «عمدة القاري» عن الأول: (بأنه لا يلزم أن يكون الانتهاء من جهة القبلة، وكما أنها منتهية إلى جنبه عليه السلام، فكذلك هو عليه السلام أيضًا منتهيًا إليها وإلى فراشها)، وعن الثاني:(بأن ترجمة الباب ليست معقودة للاعتراض؛ فإن المتعلق بالاعتراض قد تقدم، والذي قصده البخاري بيان صحة الصلاة ولو كانت الحائض بجنب المصلي ولو أصابتها ثيابه، لا كون الحائض بين المصلي وقبلته) انتهى.
قلت: فإن البخاري قد شرع هنا في بيان مسائل الصلاة صحة، وفسادًا، وكراهةً وعدمها، بعد أن تمَّم أحكام السترة، والمار بين يدي المصلي.
وفي الحديث أحكام؛ منها: استحباب صلاة الليل، ومنها: جواز الصلاة بحضرة النائم، وأنه لا كراهة فيه، ومنها: أن المصلي إذا أصاب ثوبه الحائض؛ لا تضر صلاته، ولا كراهة عليه؛ لأنَّه عليه السلام قد أصاب ثوبه ميمونة وهي حائض؛ فلم تضر صلاته، وفيه: استحباب وضع السجادة للصلاة عليها، وقد سبق هذا الحديث في باب:(إذا أصاب ثوب المصلي امرأته في السُّجود)، والله تعالى أعلم.
[حديث: كان النبي يصلي وأنا إلى جنبه نايمة]
518 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا أبو النُّعمان)؛ بِضَمِّ النُّون: هو محمَّد بن الفضل السدوسي -بمهملات- المعروف بعارم، (قال: حدثنا عبد الواحد بن زِيَاد)؛ بكسر الزاي، وتخفيف التحتية: هو البصري، (قال: حدثنا الشيباني)، زاد في رواية غير الأصيلي وابن عساكر:(سليمان) هو ابن فيروز التَّابعي الكوفي، (قال: حدثنا عبد الله بن شَدَّاد)؛ بفتح المعجمة، والمهملتين أولاهما مشددة: هو ابن الهاد؛ واسمه أسامة، اللَّيثي المدني، وهذا الإسناد بعينه سبق في باب (مباشرة الحائض)، (قال: سمعت) خالتي (مَيْمُونة)؛ بفتح الميم أولى، وضم الثَّانية، بينهما تحتية ساكنة: هي بنت الحارث، وجملة (تقول) من الفعل والفاعل: محلها نصب مفعول ثان لـ (سمعت)، أو حال:(كان النَّبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم، وأفادت لفظة (كان) : الاستمرار والدوام (يصلي) : جملة محلها نصب خبر (كان)؛ أي: في حجرته النافلة ليلًا، (وأنا إلى جنبه نائمةٌ)؛ بالرفع خبر (وأنا) المتعلق به (إلى جنبه)، والجملة حالية، وفي رواية باب (إذا أصاب ثوب المصلي امرأته في السُّجود) قالت:(وأنا حذاؤه)؛ أي: والحال أنا بإزائه ومحاذيه، وقد بينت رواية الباب هنا أن المراد: أنها نائمة بجنبه،
(1)
في الأصل: (هو)، وليس بصحيح.
(فإذا سجد) أي: النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم في صلاته؛ (أصابني ثوبه)، وفي رواية المستملي والكشميهني:(ثيابه)؛ بالجمع، وفي رواية أبي ذر:(أصابتني ثيابه)؛ بتاء التأنيث في (أصابتني)، وإنما كان يصيبها؛ لقربها منه عليه السلام، وجملة (وأنا حائض) : حالية، ثابتة في رواية أبي ذر، ساقطة عند غيره.
و (حائض)؛ بدون تاء، قال الكرماني:(فإن قلت: قالوا: إذا أريد الحدوث؛ يقال: حائضة، وإذا أريد الثبوت وأن من شأنها الحيض؛ يقال: حائض، ولا شك أن المراد ههنا: كونها في حالة الحيض؟ قلت: معناه: أن «الحائضة» مختصة بما إذا كانت فيه، و «الحائض» أعم منه) انتهى.
وردَّه الشَّارح، فقال: (لا فرق بين الحائض والحائضة، يقال: حاضت المرأة تحيض حيضًا ومحيضًا؛ فهي حائض وحائضة، وأنشد الفراء:
كحائضة يزني بها غير حائض
…
وفي اللُّغة: لم يفرق بينهما، غير أن الأصل فيه التأنيث، ولكن لخصوصية النساء به، وعدم الالتباس؛ ترك التَّاء) انتهى، فاعرفه.
وقوله: (زاد مُسدد)؛ بِضَمِّ الميم: هو ابن مسرهد البصري، (عن خالد) هو ابن عبد الله الطَّحان الواسطي (قال: حدثنا سليمان الشيباني) هو ابن إسحاق المدني: (وأنا حائض) مقدمة في بعض النُّسخ، مؤخرة على حديث أبي النعمان، وفي بعضها لفظ:(باب) قبل حديث أبي النعمان، ومطابقة الحديث للتَّرجمة ظاهرة كما قدمناه؛ فافهم.
وفي الحديث أحكام:
الأول: فيه جواز مخالطة الحائض، وقد كان بنو إسرائيل يخصون الحائض في النَّوم والأكل والشرب، ولا يخالطونها بشيء أصلًا، وقد نسخ هذا.
الثاني: فيه طهارة بدن الحائض وثيابها.
الثالث: فيه إذا أصاب ثوبُ المصلي المرأةَ الحائضةَ؛ لا تضر صلاته.
الرابع: فيه أن لمس المرأة غير ناقض للوضوء؛ لأنَّه عليه السلام قد أصاب ثوبه ميمونة، والغالب أن المصلي يرفع ثيابه إذا أصابت غيره فتصيب يده بدنها لا سيما وهي نائمة بجنبه.
الخامس: اخترعه بعض المتعصبين: أن الصلاة لا تبطل بمحاذاة المرأة.
قلت: وليس في الحديث ما يدل على هذا أصلًا غير أنَّه فيه: أنَّه عليه السلام صلى بجنب ميمونة وهي نائمة، وهو قائم، وقاعد، وساجد، فأين المحاذاة؟ وكأنَّ هذا القائل مراده الغمز في مذهب رأس المجتهدين وسيدهم أبي
(1)
حنيفة الإمام الأعظم: أن محاذاة المرأة تفسد الصلاة، وقد حفظ شيئًا هذا القائل وغاب عنه أشياء؛ فإن المحاذاة المفسدة عنده أن يكون الرجل والمرأة مشتركين في الصلاة أداءً وتحريمة، وغير ذلك من الشروط المقررة في كتب الفروع، والمرأة في هذا الحديث ليست كذلك، بل ليست بطاهرة أصلًا؛ فهذا كلام من لم يشم شيئًا من رائحة العلم، بل شم التعصب، والتعنت، والعناد، ألم يعلم أن الإمام الأعظم حين أخذ الحكم في هذه المسألة كان إمامهم منيًا في ظهر أبيه؛ فعليك بالأدب تنل
(2)
أعالي الرتب؛ فافهم، وتمامه فيما سبق.
(108)
[باب: هل يغمز الرجل امرأته عند السجود لكي يسجد]
هذا (بابٌ) بالتنوين (هل يَغمِز)؛ بفتح أوله، وكسر الميم من باب (ضرب)؛ أي: ينخس باليد (الرجل) وهو في الصلاة (امرأته) النائمة (عند) إرادة (السُّجود) في الصلاة (لكي يسجد) في مكان اضطجاعها؟ فإن فعل ذلك ما حكمه؟
قال إمام الشَّارحين: (يعني: إذا غمزها؛ فلا يترتب عليه من فساد الصلاة شيء، وبيَّن البخاري في هذا الباب صحة الصلاة ولو أصابها بعض جسده، وبيَّن في الباب السَّابق صحتها ولو أصابها بعض ثيابه) انتهى.
[حديث: بئسما عدلتمونا بالكلب والحمار
!]
519 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عَمرو بن عَلي)؛ بفتح العين فيهما: هو الباهلي الفلاس، (قال: حدثنا يحيى) هو ابن سعيد القطان البصري، (قال: حدثنا عُبيد الله)؛ بالتصغير: هو ابن عبد الله العمري المدني، (قال: حدثنا القاسم) هو ابن محمَّد بن أبي بكر الصديق الأكبر رضي الله عنهما، (عن عائشة) : هي عمته الصديقة أم المؤمنينزوج النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم (قالت)؛ أي: في جواب من قال: (يقطع الصلاة الحمار، والكلب، والمرأة)؛ أي: مرورها بين يدي المصلي، والذي قال ذلك: هو أبو هريرة، وأبو ذر، وأبو سعيد الخدري، وغيرهم بحضرة عائشة رضي الله عنها، فقالت لهم:(بئسما) وكلمة (بئس) من أفعال الذم، كما أن كلمة (نِعْم) من أفعال المدح، وشرطهما: أن يكون الفاعل المظهر فيهما معرَّفًا باللَّام، أو مضافًا إلى المعرف بها، أو مضمرًا مميزًا بنكرة منصوبة، وههنا يجوز الوجهان؛ الأول: أن يكون (ما) بمعنى: الذي، ويكون فاعلًا لـ (بئس)، والجملة -أعني قوله:(عدَلتمونا)؛ بتخفيف الدَّال؛ أي: شبَّهتمونا، كما في رواية باب (لا يقطع الصلاة شيء)، أو جعلتمونا أو تسويتكم إيانا- صلة الموصول، ويكون المخصوص بالذم محذوفًا؛ والتقدير: بئس الذي عدلتمونا (بالكلب والحمار) ذلك الفعل، والوجه الثاني: أن يكون فاعل (بئس) مضمرًا مميزًا، وتكون الجملة بعده صفة له، والمخصوص أيضًا محذوف؛ والتقدير: بئس شيئًا ما عدلتمونا بالحمار شيء، وفي الوجهين المخصوص بالذم مبتدأ، وخبره الجملة التي قبله؛ كذا قرره إمام الشَّارحين؛ والمعنى: لم شبهتمونا بهما مع شرف المرأة وخستهما؟!
ثم استدلت على ما أنكرته بقولها: (لقد رأيتُني)؛ بِضَمِّ الفوقية، واللَّام موطئة للقسم؛ والتقدير: والله لقد رأيتني، وكون الفاعل والمفعول ضميرين لشيء واحد من خصائص أفعال القلوب؛ والتقدير: رأيت نفسي، كذا أفاده الشَّارح.
وقال الكرماني: (إن كانت الرؤية بمعناها الأصلي؛ فلا يجوز حذف أحد مفعوليه، وإن كانت بمعنى: الإبصار؛ فلا يجوز اتحاد الضميرين).
وأجاب العلامة الفاضل الزمخشري في قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} : (جاز حذف أحدهما؛ لأنَّه مبتدأ في الأصل، فيحذف كالمبتدأ)، وهذا مخالف لما ذكره في «المفصل» ، و «الكشاف» :(لا يجوز الاقتصار على أحد مفعولي الحسبان).
وأجيب: بأنه قد روي عنه أيضًا: أنَّه إذا كان الفاعل والمفعول عبارة عن شيء واحد؛ جاز الحذف، وأمكن الجمع بينهما بأن القول بجواز الحذف فيما إذا اتحد الفاعل والمفعول معنًى، والقول بعدمه فيما إذا كان بينهما الاختلاف، والحديث من القسم الأول؛ والتقدير: رأيت نفسي معترضة مثلًا، أو أعطى للرؤية التي بمعنى الإبصار حكم الرؤية التي من أفعال القلوب، انتهى.
(ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) : جملة اسمية وقعت حالًا على الأصل؛ أعني بالواو؛ أي: صلاته من الليل (وأنا مضطجعة) : جملة حالية أيضًا؛ أي: نائمة (بينه وبين القبلة)؛ أي: معترضة بينهما أمامه وليس بينه وبينها سترة؛ لأنَّها حينئذٍ غير مشروعة؛ لأنَّ السترة شرعت لدفع المار، ولا مار في ذلك الوقت، والنائم ليس له قوة على المشي ونحوه، (فإذا أراد) أي: النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم (أن يسجد) أي: السُّجود في صلاته؛ (غمز رجليَّ)؛ بالتثنية، قال في «الصِّحاح» : غمزت الشيء بيدي؛ ومنه قوله:
وكنت إذا غمزت قناة قوم
…
كسرت كعوبها أو تستقيما
وغمزته بعيني؛ قال تعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين: 30]، والمراد ههنا: الغمز باليد، وفي رواية للبخاري:(فإذا سجد؛ غمزني)، وفي رواية أبي داود:(فإذا أراد أن يسجد؛ ضرب رجليَّ)، فبينت هذه الرواية أن المراد من الغمز: الضرب باليد، وهو الموافق لما قاله أهل اللُّغة، (فقبضتهما)؛ أي: أخرتهما عن مكان سجوده؛ ليسجد مكانهما،
(1)
في الأصل: (أبو)، وليس بصحيح.
(2)
في الأصل: (تنال)، ولا يصح.