الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لئلا يتخيل أنَّها لما كانت شر البقاع وبها يركز الشَّيطان رايته -كما وَرَد في الحديث- يمنع ذلك من اتخاذ المساجد فيها، وتنافي العبادة كما نافتها الطرقات، ومواضع العذاب والحَمَّام؛ فبيَّن بحديث أبي هريرة أنَّها محل للصلاة؛ كالبيوت، فيجوز أن يبنى فيها المسجد) انتهى.
قلت: كل هذا تكلف، وغير مراد للبخاري؛ لأنَّه من أين علم أنَّ مراد البخاري بيان جواز بناء المسجد داخل السوق؟ فلو كان مراده هذا؛ لكان يقول: باب جواز بناء المسجد في السوق، وإنَّما مراده: جواز الصلاة في مسجد السوق، وليس يتخيل أحد منع الصلاة في السوق؛ لكونه محجورًا بل هو غير محجور، ألا ترى أنَّ المؤمن لا يمنع مؤمنًا من دخول المسجد، فكيف يكون محجورًا؟ ودار ابن عون كانت في السوق وليس في المسجد الذي بها حجر؛ لأنَّ غلق الباب إنَّما كان لأجل ألَّا يدخل عليهم كلب أو نحوه، فيفسد عليهم صلاتهم.
وتخصيص السوق بالتَّرجمة موافقة للأثر والحديث، لا لأنَّها شر البقاع وركوز الشَّيطان، فإنَّ حديث:«شر البقاع» ؛ ضعيف لا يحتج به كما قدمناه، والشَّيطان يركز في كل مكان خبيث، ألا ترى أنَّ الشخص إذا باع واشترى على قانون الشرع؛ يذكر عليه الملائكة وأنَّه عبادة، ولا تنافي فيما ذكره من الطرقات ونحوها؛ لأنَّها لم تكن معدة للصلاة، فقالوا بكراهة الصلاة فيها، أمَّا مسجد السوق؛ فلا كراهة فيه؛ لأنَّه مسجد أُعِد للصلاة فيه، فهذا قياس مع الفارق؛ فافهم، وما ذكرناه في وجه المطابقة هو الصَّواب؛ لأنَّه من فيض الوهاب.
زاد في الطنبور نغمة الكرماني، فزعم أنَّ غرض البخاري من هذا الأثر الرد على الحنفية حيث قالوا بامتناع اتخاذ المساجد في الدار المحجوبة عن الناس، انتهى.
وردَّه إمام الشَّارحين فقال: (جازف الكرماني في هذا؛ لأنَّ الحنفية لم يقولوا هكذا، بل المذهب فيه أنَّ من اتخذ مسجدًا في داره وأفرز طريقه؛ يجوز ذلك، ويصير مسجدًا، فإذا أغلق بابه وصلى فيه؛ يجوز مع الكراهة، وكذا الحكم في سائر المساجد) انتهى.
وشاركه في المجازفة العجلوني، فزعم أنَّه يمكن حمل كلام الكرماني على ما قاله، والمكروه تحريمًا ممتنع في الجملة، فلا مجازفة، انتهى.
قلت: هذا تعصب بارد من ذهن شارد؛ لأنَّه كيف يحمل كلامه على ما قاله، وقد قال الكرماني:(قالوا بامتناع)؛ وهو عدم الجواز، وبين هذا وبين الجواز مع الكراهة فرق ظاهر كما بين السَّماء والأرض، ولم يصرح إمام الشَّارحين بأنَّ الكراهة للتحريم، فمن أين جاء بها؟ وما هذا إلا جرأة على رئيس المجتهدين.
على أنَّ الكرماني قال: (في الدار المحجوبة عن الناس)، وإمام الشَّارحين قال:(فإذا أغلق بابه)، فبين الدار المحجوبة والمسجد المغلق بابه فرق ظاهر
(1)
، فلا يمكن حمل كلامه على شيء أصلًا، وليس هو بالإمام الأعظم ولا بأمثاله حتى يحمل كلامه على محمل حسن، بل يقال: هو خطأ ظاهر، وجرأة على صاحب المذهب المعظم، وإذا كان لم يعرف مذهب رأس المجتهدين؛ كيف يتعرض لمذهبه بالخطأ الظَّاهر؟
على أنَّ ما ذكره البخاري من الأثر إن لو فرض أنَّه كان مخالفًا للمذهب لا يعارضه، ولا يلتفت إليه؛ لأنَّه ليس من كلام النَّبي الأعظم عليه السلام، ولا من كلام الصَّحابةرضي الله عنه، ومع هذا؛ فكلام التَّابعين كذلك لا يعارِض؛ لأنَّهم رجال ونحن رجال، كما قاله الإمام الأعظم، فكيف إذا كان كلام أتباع التَّابعين فبالأولى؛ فافهم، والله أعلم.
[حديث: صلاة الجميع تزيد على صلاته في بيته]
477 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا مسدد) هو ابن مسرهد البصري (قال: حدثنا أبو معاوية) هو محمَّد بن حازم الضرير، (عن الأعمش) هو سليمان بن مهران الكوفي، (عن أبي صالح) هو ذكوان المدني، (عن أبي هريرة) هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، الصَّحابي الجليل رضي الله عنه، (عن النَّبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم أنَّه (قال: صلاة الجمِيع)؛ بتحتية بعد الميم المكسورة؛ أي: صلاة الجماعة كما في رواية، و (الجميع) في اللُّغة: ضد المتفرق، والجيش أيضًا والحي: المجتمع، ويؤكد به يقال: جاؤوا جميعًا؛ أي: كلهم، كذا قاله إمام الشَّارحين.
قال الكرماني: (صلاة الجميع؛ أي: في الجميع؛ يعني: صلاة الجماعة)، واعترضه الشَّارح بأنَّه تصرف غير مرضي، وكذلك اعترضه ابن حجر بأنَّه تكلف لا حاجة إليه، انتهى.
وزعم العجلوني بأنَّ ما ذكره الكرماني تصرف مرضي، ولا تكلف فيه، فإنَّ الإضافة على معنى (في) انتهى.
قلت: هو غير ظاهر؛ لأنَّ كلام الكرماني مبني على التكرار في معاني الألفاظ، كما هو ظاهر، وهو تصرف غير مرضي لأهل المعاني، ولا ريب أنَّه تكلف لا حاجة إليه عند أهل المعارف، وكون الإضافة على معنى (في) لا يدل على ما زعمه، فإنَّ تفسيره أيضًا صلاة الجماعة على معنى (في) لا كلام فيه، بل في التفسير المذكور؛ فافهم.
(تزيد)؛ بمثناة فوقية؛ أي: تفوق صلاة الجماعة (على صلاته)؛ أي: على صلاة الشخص المنفرد المدلول عليه بالجميع الذي بمعنى الجماعة، ونقل الكفيري عن «الكاشف» أنَّه قال:(هو مبتدأ، والمضاف محذوف؛ أي: ثواب صلاة الرجل في الجماعة، والضمير في «تزيد» راجع إليه) انتهى، (في بيته)؛ أي: منزله منفردًا، ومثله ما لو كان في أي مكان منفردًا، (وصلاته) : عطف على (صلاته)؛ أي: وتزيد على صلاته بانفراده (في سوقه)؛ أي: في مسجد سوقه على حذف مضاف، والقرينة الحالية والمقالية تعين أنَّ المراد بقوله:(وصلاته في سوقه)؛ أي: في مسجد سوقه؛ لأنَّ السوق: الطريق، ولا كلام لنا فيه: فتعين أن يكون المراد به مسجد السوق؛ فافهم، والدليل على كونه منفردًا قوله:(في بيته)؛ لأنَّه قرينة ظاهرة عليه؛ لأنَّ الغالب أنَّ الرجل يصلِّي في بيته منفردًا؛ فافهم، ويدل عليه ما عند ابن ماجه: «فضل الصلاة على صلاة أحدكم وحده
…
»؛ الحديث، (خمسًا وعشرين)؛ بالنصب على أنَّه مفعول لقوله:(تزيد)؛ نحو قولك: زدت عليه عشرة ونحوها (درجةً)؛ بالنصب على التمييز، وعند ابن ماجه:(جزءًا).
وفي لفظ: (بضعًا
(2)
وعشرين درجة)، وفي لفظ:(بضعة وعشرين جزءًا).
وعند السراج: (تعدل خمسة وعشرين صلاة من صلاة الفذ).
وفي لفظ: (خير من صلاة الفذ).
وفي لفظ: (صلاة مع الإمام أفضل من خمس وعشرين يصلِّيهما وحده).
وفي «سنن الكشي» : (صلاة الجميع تفضل على صلاة الفذ).
وعند البخاري من حديث نافع عن ابن عمر: (صلاة الرجل في جماعة تفضل على صلاة الرجل وحده بسبع وعشرين درجة).
وعند ابن حبان من حديث أُبي بن كعب: (أربعة وعشرين أو خمسة وعشرين درجة، وصلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وصلاته مع الثلاثة أزكى من صلاته مع الرجلين، وما كثر؛ فهو أحب إلى الله عز وجل.
وعند السراج من حديث أنس موقوفًا بسند صحيح: (تفضل صلاة الجميع على صلاة الرجل بضعًا وعشرين صلاة).
وفي كتاب ابن حزم: (صلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد سبعًا وعشرين درجة).
وعند ابن حبان: (تكتب صلاته بخمسين درجة).
وعند أبي داود: (بلغت خمسين صلاة).
وعند أحمد بسند جيد عن ابن مسعود: (صلاة الجمع تفضل على صلاة الرجل وحده خمسة وعشرين ضعفًا، كلها مثل صلاته).
وفي «تاريخ البخاري» من حديث الإفريقي عن قباث بن أشيم: (صلاة رجلين يؤم أحدهما صاحبه أزكى عند الله من أربعة تترى، وصلاة ثمانية يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة مئة تترى).
وعند ابن أبي شيبة عن عكرمة عن ابن عبَّاس: (فضل صلاة الجماعة على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، قال: فإن كانوا أكثر؛ فعلى عدد من في المسجد، فقال رجل: وإن كانوا عشرة آلاف؟ قال: نعم).
وفي «فضائل القدس» لأبي بكر الواسطي من حديث أبي الخطاب: (وصلاة في مسجد القبائل بست وعشرين، وصلاته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة، وصلاته على الساحل بألفي ألف صلاة، وصلاته بسواك بأربع مئة صلاة).
وعند ابن زنجويه من حديث ابن الخطاب: (صلاة الرجل في بيته بصلاة، وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة، وصلاته في المسجد الذي تجمع فيه بخمس مئة صلاة)، كذا في «عمدة القاري» مختصرًا.
قال العجلوني: (قال الكرماني: وقد عبر عن الانفراد بكونه في البيت أو السوق؛ إذ الغالب أنَّ صلاة الرجل فيها تكون
(1)
في الأصل: (فرقًا ظاهرًا)، ولا يصح.
(2)
في الأصل: (بعضًا)، وهو تحريف.
بالانفراد ويدل لأنَّ هذا هو المراد: ما رواه المصنف في «فضل الجماعة» عن أبي سعيد الخدري: أنَّه سمع النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة» ، وليس فيه -أي لحديث الباب- ذكر المسجد في السوق، ولم أر في بعض طرقه ذكره، ولا من تعرض له من الشراح، فلا تحصل به المطابقة للتَّرجمة إذا أريد فيها المسجد الشرعي إلا ببعض التكلفات يراد به اللغوي، ولعل ذلك هو الحامل لما نقله الكرماني في تفسيره في التَّرجمة: بمواضع إيقاع الصلاة، وهو المناسب دون ما في «الفتح» و «العمدة» ؛ فراجعه وتأمله) انتهى كلامهما.
قلت: كل منهما غير مصيب، وأراد بـ «الفتح» ما ذكره ابن حجر، و «العمدة» ما ذكره إمام الشَّارحين؛ لأنَّهما قالا:(ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قوله: «وصلاته في سوقه») انتهى؛ يعني: على حذف مضاف؛ أي: في مسجد سوقه؛ لأنَّ مسجد السوق لا توجد فيه الجماعة في غالب الأوقات، فصلاة الرجل الواحد فيه كصلاته في بيته منفردًا.
وإنَّما جعل البيت ومسجد السوق في حكم واحد؛ لعدم وجود الجماعة غالبًا فيهما، وبهذا تحصل المطابقة للتَّرجمة، وهذا هو مراد المؤلف؛ لأنَّه ترجم بـ (الصلاة في مسجد السوق)، وساق هذا الحديث، وأشار إلى أنَّ قوله:(وصلاته في سوقه)؛ أي: في مسجد سوقه؛ لأنَّ السوق طريق العامة، والصلاة فيه مكروهة، ولا كلام فيها هنا، وإنَّما المراد: مسجد السوق، كما لا يخفى.
وكيف غفل العجلوني والكرماني عن هذا حتى قالا ما لا تقبله الطباع؟ على أنَّ ما ذكراه من قوله: (وقد عبر عن الانفراد
…
) إلى آخره؛ ليس على ما ينبغي.
ولا حاجة إلى حديث أبي سعيد، فإنَّ في رواية البخاري من حديث نافع عن ابن عمر:(صلاة الرجل في جماعة تفضل على صلاة الرجل وحده بسبع وعشرين درجة).
وعند ابن ماجه: (فضل الصلاة على صلاة أحدكم وحده خمس وعشرون جزءًا)، وقوله:(وحده) : صادق على ما إذا كان في بيته أو مسجد سوقه، كما لا يخفى، فهذا يوضح ويبين أنَّ المراد به الإنفراد؛ فافهم.
وقوله: (وليس فيه
…
) إلى آخره؛ ممنوع، فإنَّ ذكر السوق قرينة دالة على أنَّ المراد بقوله:(وصلاته في سوقه)؛ أي: مسجد سوقه؛ لأنَّ السوق ليس بمحل للصلاة، وإنَّما هو طريق العامة، كما لا يخفى.
وقوله: (ولم أر في بعض طرقه..) إلى آخره؛ ممنوع؛ لأنَّه لا يلزم من عدم رؤيته له أن لا يكون موجودًا، على أنَّه لا يلزم التصريح بالمسجد؛ لأنَّه معلوم من المقام، والقرائن تدل عليه.
وقوله: (ولا تعرَّض له من الشراح..) إلى آخره: لا يخفى أنَّ عدم تعرضهم لذلك لكونه واضحًا غير خفي، وإنَّما يخفى على من يدعي الفهم وليس عنده منه شيء، وحصول المطابقة لحديث الباب لما ترجم ظاهرة، وأنَّ المراد بالمسجد: الشرعي، ولا تلكف فيه، وأنَّ المدعي للتكلف غير مصيب، بل في أنَّ المراد به: اللغوي تكلف لا يطاق، كما زعمه الكرماني؛ لأنَّ مواضع الصلاة لا إشارة إليها ههنا ولا تعرض، وهي غير مناسبة للمقام، كما لا يخفى، وقد ذكرنا ذلك فيما سبق بزيادة؛ فافهم، فما في «الفتح» و «العمدة» هو العمدة؛ فليحفظ.
(فإنَّ أحدكم) : خطاب خاص، والمراد به العام، هكذا بالفاء رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني:(بأنَّ أحدكم)؛ بالموحَّدة، ووجهها: أن تكون الباء للمصاحبة، فكأنَّه قال: تزيد على صلاته بخمس وعشرين درجة مع فضائل أُخَر؛ وهو رفع الدرجات، وصلاة الملائكة، ونحوها، ويجوز أن تكون للسببية، قاله إمام الشَّارحين، (إذا توضأ فأحسن)؛ أي: فأسبغ، كذا هو بدون مفعوله؛ والتقدير: فأحسن الوضوء، والإحسان إلى الوضوء: إسباغه برعاية السنن والآداب، كذا في «عمدة القاري» .
قلت: وهذا تعليل لما سبق، ويدل على حذف المفعول السياق من الكلام؛ لأنَّه يقتضي أنَّ هناك مفعولًا محذوفًا، وقال القسطلاني:(نعم؛ ألحق في «الفرع» لا في «أصله» : «وضوءه» بعد «فأحسن»، ويشبه أن يكون بغير خط كاتب الأصل).
وزعم العجلوني أنَّه يوجد في كثير من النُّسخ المعتمدة: (فأحسن الوضوء)؛ بالألف واللَّام.
قلت: لم نر في النُّسخ هكذا مطلقًا ولو غير معتمدة، فالله أعلم بصحتها مع أنَّ القسطلاني ذكر لفظ:(وضوءه) مع عدم الاعتماد عليه، وما هذا إلا تصحيف من النَّاسخين؛ فافهم.
(وأتى المسجد) أي: الجامع حال كونه (لا يريد) أي: بإتيانه (إلا الصلاة)، فالجملة حالية، والمضارع المنفي إذا وقع حالًا؛ يجوز فيه الواو وتركه، وهو عطف على قوله:(فتوضأ).
وزعم العجلوني أنَّه عطف على (فأحسن).
قلت: ما قلناه هو الصَّواب؛ لأنَّ المراد: الوضوء وإتيان المسجد وهو متوضئ وإحسان الوضوء؛ أي: إسباغه من المكملات؛ فافهم.
قال الكرماني: (ومثل الصلاة الاعتكاف مثلًا؛ إذ المراد من الحصر: أنَّه لا يريد إلا العبادة، واقتصر على الصلاة؛ لأنَّها الأغلب) انتهى.
قلت: هذا غير ظاهر؛ لأنَّ الثواب المذكور إنَّما وَرَد في الصلاة خاصة، ولهذا اقتصر عليها؛ لأنَّها قد اشتملت على قيام، وركوع، وسجود، وذكر، وتسبيح، وقراءة قرآن بالاستقلال، أمَّا الاعتكاف؛ فليس كذلك؛ لأنَّه مكث في المسجد فقط، وهو وإن كان عبادة إلا أنَّها قاصرة، والصلاة أعم، فالمراد من الحصر إنَّما هو حصر الصلاة لا العبادة مطلقًا؛ فليحفظ.
(لم يخط خَطوةً)؛ بفتح الخاء المعجمة وضمها، روايتان، وقال السفاقسي:(رويناه بفتح الخاء)، وقال القرطبي:(الرواية بِضَمِّ الخاء، فالمضمومة: ما بين القدمين، والمفتوحة: المرة الواحدة)، وهي منصوبة على المفعول المطلق لقوله:(يخط)، ويحتمل أنها مفعول به؛ لأنَّ المعنى: لم يفعل خطوة، قلت: وهو بعيد، والأول أظهر؛ فافهم، (إلا رفعه الله بها)؛ أي: بالخطوة الواحدة، وسقط لفظ: الجلالة للأصيلي (درجة) أي: واحدة (أو حطَّ)؛ بتشديد الطاء المهملة؛ أي: أسقط وأزال (عنه خطيئة)؛ أي: واحدة، ونصب (درجة) و (خطيئة) على التمييز، قاله القسطلاني.
واعترضه العجلوني فقال: (والظَّاهر أنَّ نصب «درجة» و «خطيئة» على المفعولية لفعليهما، لا نصب على التمييز كما قاله القسطلاني مع أنَّه سيأتي له في باب «فضل الجماعة» أنَّه أعربهما نائبين عن الفاعل؛ لأنَّ الرواية هناك: «إلا رُفِعت له بها درجة، وحُطَّ عنه بها خطيئة») انتهى.
قلت: ما قاله القسطلاني أولى وأنسب، وهو الظَّاهر، وما ذكره عن باب (فضل الجماعة) مبني على الرواية، فإنَّ الإعراب على حسب العوامل المقتضية له، فإذا كانت الرواية هكذا؛ فالإعراب هكذا، أمَّا ههنا؛ فالفعل مفعوله موجود وهو الضمير، و (رفع) لا يتعدى إلى مفعولين، كما لا يخفى، فتجويز النصب على المفعولية غير ظاهر، كما لا يخفى.
وهكذا رواية الكشميهني بـ (أو)، وللأصيلي:(وحط عنه بها خطيئة)؛ بالواو، وزيادة:(بها)، قال الشَّارح:(وهذا أشمل، وقد تكون «أو» بمعنى الواو، فلا تنافي)؛ فليحفظ، والله أعلم، اللهم أحسن عاقبتنا في