الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال في «عمدة القاري» : (وقول بعضهم: «لعلَّه رواه بالمعنى» لا يصح أصلًا؛ لأنَّه قلب لكلام الله تعالى، والظاهر أنه سهو وغلط؛ فافهم).
(وهذا) أي: الذي ولغ الكلب فيه (ماء) وللأصيلي: (فهذا ماء)، فهو داخل تحت عموم قوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} ؛ لأنَّ {مَاءً} نكرة في سياق النفي، فتعم، ولا يخص إلا بدليل فسمى الثوري الأخذ بدلالة العموم فقهًا.
(وفي النفس منه شيء)؛ أي: دغدغة، وهو من تتمة كلام الثوري، وذلك لعدم ظهور دلالته أو لوجود معارض له؛ إما من القرآن أو غير ذلك، فلذا قال:(يتوضأ به) وفي رواية: (منه)؛ أي: الماء المذكور، (ويتيمم)؛ لأنَّ الماء الذي شكَّ فيه كالعدم؛ لاختلاف العلماء، والواو لمطلق الجمع، فلا يشترط الترتيب بل الشرط الجمع بينهما سواء قدَّم الوضوء أو أخَّره، كذا في «عمدة القاري» .
[حديث: عندنا من شعر النبي أصبناه من قبل أنس]
170 -
وبه قال: (حدثنا مالك بن إسماعيل)؛ أي: ابن غسان النهدي، المتوفى سنة تسع عشرة ومئتين (قال: حدثنا إسرائيل) : هو ابن يونس بن إسحاق السبيعي أبو يوسف الكوفي الهمداني، المتوفى سنة ستين ومئة، (عن عاصم) : هو ابن سليمان البصري، المتوفى سنة اثنتين وأربعين ومئة، وما في «شرح العجلوني» من أنه (ومئتين)؛ فخطأ؛ فافهم، (عن ابن سيرين) هو محمد المشهور: أنَّه (قال: قلت لعَبِيدة)؛ بفتح العين المهملة، وكسر الموحدة، آخره هاء، ابن عمرو، أو ابن قيس بن عمرو السَّلْماني؛ بفتح السين المهملة، وسكون اللام، المرادي الكوفي، أسلم في حياة النبي الأعظم عليه السلام بسنتين، ولم يلقه فهو أحد التابعين المخضرمين، المتوفى سنة اثنتين وسبعين أو ثلاث، ومقول قول ابن سيرين لعبيدة:(عندنا من شعَر)؛ بفتح العين وسكونها (النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ أي: عندنا شيء من شعره، ويحتمل أن (من) للتبعيض؛ والتقدير: بعض شعره عليه السلام، فيكون (بعض) مبتدأ، وقوله:(عندنا) خبره، ويجوز أن يكون المبتدأ محذوفًا؛ أي: عندنا شيء من شعره عليه السلام، أو عندنا من شعره شيء (أصبناه) أي: حصل لنا (من قِبَل)؛ بكسر القاف، وفتح الموحدة؛ أي: من جهة (أنس) أي: ابن مالك (أو) للتشكيك (من قِبَل)؛ بكسر وفتح؛ أي: من جهة (أهل أنس)؛ أي: ابن مالك، وذلك لأنَّ سيرين والد محمد كان مولًى لأنس بن مالك، وأنس ربيب أبي طلحة، والنبي الأعظم عليه السلام أعطى شيئًا من شعره لأبي طلحة، فبقي إلى أن آل لمولاه محمد، (فقال) أي: عبيدة: (لأن تكون عندي شعرة) أي: واحدة (منه) أي: من شعر النبي الأعظم عليه السلام (أحبُّ)؛ بالرفع خبر المصدر المؤول من (أن تكون) واللام للابتداء، و (تكون) ناقصة، فـ (شعرة) اسمها، والظرف قبلها خبرها، ويحتمل أن تكون تامة، فـ (شعرة) فاعلها، والظرف متعلق بها، أو حال من (شعرة) تقدم عليها؛ فافهم، (إليَّ من الدنيا وما فيها)؛ أي: من متاعها، وللإسماعيلي:(أحب إليَّ من كل صفراء وبيضاء)، وروي أن خالد بن الوليد رضي الله عنه جعل في قلنسوته من شعر النبي عليه السلام، فكان يدخل بها الحرب وينتصر ببركته، فسقطت عنه يوم اليمامة، فاشتد عليها شدة، وأنكر الصحابة عليه، فقال: لم أفعل ذلك لقيمة القلنسوة، لكني كرهت أن تقع في أيدي المشركين وفيها من شعره عليه السلام.
ووجه المطابقة أنَّه لما جاز اتِّخاذ شعر النبي الأعظم عليه السلام والتبرُّك به لطهارته؛ دلَّ على أنَّ مطلق الشعر طاهر، وإلَّا لما حفظوه، ولا تمنَّى عبيدة أن يكون عنده شعرة واحدة منه، وإذا كان طاهرًا؛ فالماء الذي يغسل به طاهر، وتُعقِّب بأنَّ شعره عليه السلام مكرَّم لا يقاس عليه غيره، وأجيب: بأنَّ الخصوصية لا تثبت إلا بدليل، والأصل عدمها؛ فافهم.
[حديث: أن رسول الله لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول
من أخذ من شعره]
171 -
وبه قال: (حدثنا محمد بن عبد الرحيم) المشهور بصاعقة، البغدادي (قال: أخبرنا) وفي رواية: (حدثنا)(سعيد بن سليمان) أبو عثمان الضبي البزار سعدويه، الواسطي، الحاج ستين حجة، المتوفى سنة خمس وعشرين ومئتين عن مئة سنة، وما في «القسطلاني» من أنه توفي سنة خمس وثمانين؛ فخطأ ظاهر (قال: حدثنا عَبَّاد)؛ بفتح المهملة، وتشديد الموحدة، ابن العوَّام؛ بتشديد الواو، أبو سهل الواسطي، المتوفى سنة خمس وثمانين ومئة ببغداد، (عن ابن عَوْن)؛ بفتح المهملة، وسكون الواو، آخره نون، واسمه عبد الله التابعي، وسيد القرَّاء في زمانه، (عن ابن سيرين) محمد المشهور، (عن أنس) وللأصيلي زيادة:(ابن مالك رضي الله عنه : (أن النبي) الأعظم، وفي رواية:(رسول الله) صلى الله عليه وسلم لمَّا حلق رأسه)؛ أي: في حجة الوداع، وإسناد الحلق إليه مجاز والقرينة عادية؛ نحو: بنى الأمير المدينة، والصحيح أنَّ الحالق للنبي الأعظم عليه السلام معمرُ بن عبد الله، وقيل: خِراش بن أمية؛ بكسر الخاء المعجمة، آخره شين معجمة أيضًا، وأمَّا في الحديبية؛ فالصحيح أنَّ الحالق له هو خِراش.
وقوله: (كان أبو طلحة) جواب (لمَّا)، واسمه زيد بن سهل بن الأسود النجاري زوج أم سليم والدة أنس، شهد المشاهد كلَّها مع النبيِّ الأعظم عليه السلام، المتوفى بالمدينة على الأصح سنة اثنتين وثلاثين، وصلَّى عليه ثالث الخلفاء عثمان ذي النُّورين، وقول القسطلاني: المتوفى سنة سبعين؛ خطأ ظاهر (أول من أخذ من شعره) عليه السلام، وأخرج أبو عوانة هذا الحديث في «صحيحه» بأظهر مما هنا، وهو: أنَّ رسول الله عليه السلام أمر الحلَّاق فحلق رأسه، ودفع إلى أبي طلحة الشقَّ الأيمن، ثمَّ حلق الشقَّ الآخر فأمره أن يقسمه بين الناس، ورواه مسلم بلفظ: لمَّا رمى الجمرة ونحر نسكه؛ ناول الحلَّاق شقَّه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة فأعطاه إياه، ثم ناوله الشقَّ الأيسر فحلقه، فأعطاه أبا طلحة، وقال:«اقسمه بين الناس» ، وله في رواية أخرى: أنَّه قسم الأيمن فيمن يليه، وفي لفظ:(فوزَّعه بين الناس الشعرة والشعرتين، وأعطى الأيسر أم سليم)، وفي لفظ:(أبا طلحة) ولا تناقض بين هذه الروايات؛ لإمكان الجمع: بأنه ناول أبا طلحة كلًّا من الشقَّين، فأمَّا الأيمن؛ فوزعه أبو طلحة بأمره بين الناس، وأمَّا الأيسر؛ فأعطاه لأم سليم زوجته بأمره عليه السلام أيضًا، زاد أحمد في رواية له:(لتجعله في طيبها)، فالضمير في (قسمه) وفي (اقسمه) عائد إلى الشق الأيمن، كذا في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ.
وفي الحديث: استحباب البداءة بالشق الأيمن من رأس الحالق، وهو قول الإمام الأعظموالجمهور، وما نقله العجلوني عن الإمام الأعظم من خلافه؛ فخطأ ظاهر؛ لأنَّ كتب المذهب طافحة بذلك؛ فافهم.
وفيه: طهارة شعر الآدمي وهو قول إمامنا الإمام الأعظم والجمهور، خلافًا للشافعي، والحديث حجة عليه؛ فافهم.
وفيه: التبرك بشعره عليه السلام وجواز اقتنائه والصلاة فيه، وحمله في عمامته؛ كما فعله خالد بن الوليد.
وفيه: المواساة بين الأصحاب في العطية والهدية، قال في «عمدة القاري» : والمواساة لا تستلزم المساواة.
وفيه: تنفيل من يتولَّى التفرقة على غيره.
هذا (بابٌ) بالتنوين: (إذا شرِب) بكسر الرَّاء ((الكلب في إناء أحدكم؛ فليغسله سبعًا) وهذه الترجمة لفظ حديث الباب، وهي مع لفظ (باب) ساقطة في رواية، وعليها شرح الشيخ الإمام بدر الدين العيني، ووجه سقوطها ظاهر؛ لأنَّ الباب الأول مشتمل على حكمين؛ أحدهما: في طهارة الشعر، والثاني: في سؤر الكلاب، فالذي قدَّمه
إنَّما هو لبيان الحكم الأول، وهنا أراد
[حديث: إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا]
172 -
وبه قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) أي: التِّنِّيسي (قال: أخبرنا مالك)؛ أي: ابن أنس الأصبحي، وفي رواية:(عن مالك)، (عن أبي الزِناد)؛ بكسر الزاي المعجمة، بعدها النُّون، واسمه عبد الله بن ذكوان القرشي المدني، (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز، (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه: أنَّه (قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وسقط لفظ: (قال) في رواية، (قال: إذا شرِب الكلب)؛ بكسر الرَّاء؛ أي: ولغ الكلب، وهذه الرواية كرواية «الموطأ» ، لكن المشهور عن أبي هريرة من رواية جمهور أصحابه عنه:«إذا ولغ» وهو المعروف في اللغة، وزعم الكرماني: ضمَّن (شرِب) معنى (ولغ)، فعُدِّي تعديته، واعترضه في «عمدة القاري» : بأنَّ الشارع عليه السلام أفصح الفصحاء، وروي عنه (شرب) و (ولغ) لتقاربهما في المعنى، فلا حاجة إلى هذا التكليف، لا يقال: الشرب أخص من الولوغ فلا يقوم مقامه؛ لأنَّا نقول: لا نسلم عدم
قيام الأخص مقام الأعم؛ لأنَّ الخاص له دلالة على العام اللازم؛ كلفظ: (الإنسان) له دلالة على مفهوم الحيوان بالتضمن؛ لأنَّه جزء مفهومه، وكذا له دلالة على مفهوم الماشي بالقوة بالالتزام لكونه خارجًا عن معنى الإنسان لازمًا له فعلى هذا يجوز أن يذكر الشرب ويراد به الولوغ، وادعى ابن عبد البر أن لفظه:(شرب) لم يروه إلا مالك، وأن غيره رواه بلفظ:(ولغ)، وليس كذلك؛ فقد رواه ابن خزيمة، وابن المنذر من طريقين بلفظ: (إذا شرب
(1)
)، وكذا أخرجه مسلم وغيره، وكذا مالك، وأخرجه أبو عبيد والدارقطني في «الموطأ» من طريق أبي [عليٍّ] الحنفي؛ كلهم بلفظ:(إذا ولغ)، والولوغ: هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع فيحركه، زاد ابن درستويه: شرب أو لم يشرب، وقيل: إن كان غير مائع؛ يقال: لعقه، وقال الإمام المطرزي في «المغرب» : فإن كان فارغًا؛ يقال: لحسه، ومفهوم الشرط يقتضي قصر الحكم على الولوغ، وإذا قلنا: الأمر بالغسل للتنجس؛ يتعدى الحكم إلى اللحس أيضًا، والغالب الولوغ، ولا يصح إلحاق يده وبقية أعضائه بفمه؛ لأنَّ الحكم بالتنجس لأجل اختلاط لعابه النجس في الماء والمائع والآنية، وبقية أعضائه لا لعاب فيها، فافترقا، وقاس الشافعي أعضاءه على فمه، وهو قياس مع الفارق، وخص مالك الغسل بالولوغ؛ لأنَّ الكلب عنده طاهر، فالأمر بالغسل عنده للتعبُّد لا للنجاسة، وهو بعيد جدًّا؛ لأنَّ الحديث يَحتَمل أن يكون الأمر للنجاسة، ويَحتَمل أن يكون للتعبد، ولكن رجح الأول بما رواه مسلم وغيره:«طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب» ، وروايته أيضًا:«إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم؛ فليريقه، ثم ليغسله سبع مرات» ، ولو كان سؤره طاهرًا؛ لما أمر عليه السلام بإراقته وغسله، فدلَّ على نجاسته، ولأنَّ الطهارة إمَّا للتعبد، أو الحدث، أو الخبث، وهي منتفية عن الإناء، فيتعين الخبث؛ فافهم.
وقصد المؤلف بيان مذاهب النَّاس، فبيَّن في هذا الباب مسألتين؛ أولاهما: الماء الذي يغسل به الشعر، والثانية: سؤر الكلاب، وهو الظاهر، ويدل عليه أنه قال في المسألة الثانية:(وسؤر الكلاب) واقتصر على هذه اللفظة، ولم يقل: وطهارة سؤر الكلاب.
(في) وفي رواية: (من)(إناء أحدكم؛ فليغسله سبعًا)؛ أي: سبع مرات، وفي رواية:(سبع مرات أولاهنَّ بالتراب)، وفي أخرى:(أولاهنَّ أو أخراهنَّ)، وفي أخرى:(سبع مرات وعفِّروه الثامنة)، والأمر في ذلك للاستحباب لا للوجوب، وهو مذهب الإمام الأعظم، وأصحابه، والجمهور، ويدلَّ عليه أنَّ أبا هريرة الذي روى السبع رُوِيَ عنه غَسْل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثًا فعلًا وقولًا مرفوعًا وموقوفًا من طريقين؛ الأول: أخرجه الدارقطني بإسناد صحيح من حديث عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن أبي هريرة قال:(إذا ولغ الكلب في الإناء؛ فأهرقه، ثم اغسله ثلاث مرات)، قال الشيخ تقي الدين:(هذا إسناد صحيح)، والطريق الثاني أخرجه ابن عديٍّ في «الكامل» عن الحسين بن علي الكرابيسي قال: حدثنا إسحاق الأزرق: حدثنا عبد الملك، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم؛ فليهرقه وليغسله ثلاث مرات» ، ثم أخرجه عن عمر بن شيبة، وعبد الملك أخرج له مسلم في «صحيحه» ، وقال أحمد والثوري: إنَّه من الحفاظ، ووثَّقه الثوري، وسماه الميزان، والكرابيسي وثَّقه أحمد وغيره، فثبت بذلك نسخ السبع؛ لأنَّ أبا هريرة هو راوي السبع، والراوي إذا عمل بخلاف روايته أو أفتى بخلافها؛ لا تبقى حجة
(2)
؛ لأنَّ الصحابي لا يحل له أن يسمع من النبي الأعظم عليه السلام شيئًا ويفتي أو يعمل بخلافه؛ لأنَّ ذلك يسقط عدالته ولا تقبل روايته، والواجب علينا تحسين الظنِّ بالصحابي لا سيما أبو هريرة مهما أمكن، فدلَّ ذلك على نسخ ما رواه من السبع، ويدلُّ عليه ما رواه الحافظ الطَّحاوي بإسناده عن ابن سيرين: أنَّه كان إذا حدَّث عن أبي هريرة؛ فقيل له: عن النبي عليه السلام؟ فقال: كلُّ حديث أبي هريرة عن النبي عليه السلام، على أن العذرة أشد في النجاسة من سؤر الكلب، ولم يعتد بالسبع، فيكون الولوغ من باب أولى، على أنَّ تغليظ الحكم في ولوغ الكلب إما للتعبد، أو محمول على من غلب على ظنه أنَّ نجاسة الولوغ لا تزول بأقل منها، وإمَّا أنَّه أمرهم بالثلاث، فلم ينتبهوا، فغلَّظ عليهم بذلك.
ويحتمل أنَّ الأمر بالسبع كان عند الأمر بقتل الكلاب، فلمَّا نهى عن قتلها؛ نسخ الأمر بالغسل سبعًا، واعترض بأنَّ الأمر بالقتل كان في أوائل الهجرة، والأمر بالغسل متأخِّر عنه؛ لأنَّه من رواية أبي هريرة، وعبد الله بن مغفل، وكان إسلامهما سنة سبع.
وأجيب: بأن الأمر بقتل الكلاب في أوائل الهجرة يحتاج إلى دليل قطعي، على أنَّه قد ثبت أن ذلك كان بعد الأمر بقتلها، ولئن سلَّمناه؛ فكان يمكن أن يكون أبو هريرة وعبد الله قد سمعا ذلك من صحابي أنَّه أخبرهما عن النبي عليه السلام لاعتمادهما على صدق المرويِّ عنه؛ لأنَّ الصحابة كلَّهم عدول.
وقيل: إنَّه وقع الإجماع على خلافه في العمل، واعترض: بأنه قد ثبت القول بذلك عن أحمد والحسن.
وأجيب: بأنَّ مخالفة الأقل لا تمنع مخالفة الإجماع، وهو مذهب الجمهور من الأصوليين، وما روي عن الشافعي أنَّه قال: حديث ابن مغفل لم أقف على صحته؛ ممنوع؛ لأنَّه لا يلزم من عدم ثبوته عنده ترك العمل به عند غيره، على أنه أجمع الحفاظ على صحته، ورواه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، فإنَّه زاد فيه:(وعفِّروه الثامنة بالتراب)، والزائد أولى من الناقص، فكان ينبغي للمخالف أن يقول: لا يطهر إلَّا بأن يُغسل ثمان مرات الثامنة بالتراب؛ ليأخذ بالحديثين جميعًا، فإن ترك حديث ابن مغفل؛ فقد لزمه ما لزم خصمه في ترك السبع، ومع هذا لم يأخذ بالتعفير الثابت في الصحيح مطلقًا، قيل: إنَّه منسوخ.
فإن اعترض بما قاله البيهقي أنَّ أبا هريرة أحفظ؛ فروايته أولى.
أجيب: بالمنع، بل رواية ابن مغفل أولى؛ لأنَّه أحد العشرة الذين بعثهم عمر بن الخطاب، وقال الحسن البصري: إنَّه من أصحاب الشجرة، وهو أفقه من أبي هريرة، والأخذ بروايته أحوط، ولهذا ذهب الحسن البصري إليه؛ فافهم.
وفي الحديث نجاسة الإناء، ولا فرق بين الكلب المأذون في اقتنائه وغيره، ولا بين الكلب البدوي والحضري؛ لعموم اللفظ.
وقال الكرماني: (في الحديث دليل على تحريم بيع الكلاب).
قلت: وهو مردود؛ لأنَّه منتفع به حراسة واصطيادًا، قال الله تعالى:{وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4]؛ فيصح بيعه عندنا، وما روي:(أنَّه نهى عليه السلام عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن)؛ فإنما هذا كان في زمن كان النبي الأعظم عليه السلام أمر فيه بقتل الكلاب وكان الانتفاع بها يومئذٍ محرمًا، ثم بعد ذلك قد رخص في الانتفاع بها، وروى الحافظ
(1)
في الأصل: (ولغ)، والمثبت من «العمدة» .
(2)
في الأصل: (حجته)، ولعل المثبت هو الصواب.