الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكل صلاة؛ لأنَّها لعلها كانت من المستحاضات التي يجب عليها الغسل لكل صلاة، أو لعلها كانت تفعله تطوُّعًا؛ لأنَّه ليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة، وتمامه فيما قدمناه، ومطابقة هذا الحديث للترجمة من حيث إن معنى قوله:(باب إذا رأت المستحاضة الطهر) باب في حكم المستحاضة إذا رأت الطهر كما ذكرناه، والحديث دل على حكمها من وجوب الصَّلاة عليها المصرح فيه بأمر المستحاضة بالصَّلاة، كذا قاله إمام الشارحين.
(29)
[باب الصلاة على النفساء وسنتها]
هذا (باب) بيان حكم (الصَّلاة على) المرأة (النُّفساء) بضمِّ النون، (و) بيان (سنتها) أي: سنة الصَّلاة، ولا مناسبة لذكر هذا الباب هنا، وحقه أن يذكره في (الجنائز)، وقد يقال: إن النفاس حكمه حكم الحيض، فلما ذكر الحيض وأحكامه، والاستحاضة وأحكامها؛ ناسب أن يذكر حكم النفاس، والصَّلاة على النفساء حكم من أحكامه من حيث الصَّلاة عليها، فالصَّلاة مع الاستحاضة؛ كالصَّلاة على الميتة النفساء، ومن هذا يعلم أن مراد البخاري في هذا الباب: بيان أن ابن آدم ينجس بالموت؛ لأنَّه قرن حكم الصَّلاة على النفساء مع حكم الصَّلاة مع الاستحاضة، فإنَّ دم الاستحاضة نجس في حكم غيرها من الطاهرات؛ كذلك الموت إذا حل في ابن آدم؛ ينجس في حق غيره من الأحياء من حيث حمله والصَّلاة فيه.
وقال ابن بطال: (يحتمل أن يكون البخاري قصد بهذه الترجمة أن النفساء وإن كانت لا تصلي أن لها حكم غيرها من النساء في طهارة العين؛ لصلاة النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم عليها) قال: (وفيه رد على من قال: إن ابن آدم ينجس بالموت؛ لأنَّ النفساء جمعت الموت وحمل النجاسة بالدم اللازم لها فيما لم يضرها ذلك، كان الميت الذي لا يسيل منه نجاسة أولى)، واعترضه ابن المنير بأن هذا كله أجنبي عن مقصود البخاري، وإنما قصد أنها وإن ورد أنها من الشهداء؛ فهي ممن يصلى عليها كغير الشهداء، انتهى.
وقال ابن رُشَيد: (أراد البخاري أن يستدل بلازم من لوازم الصَّلاة؛ لأنَّ الصَّلاة اقتضت أن المستقبل فيها ينبغي أن يكون محكومًا بطهارته، فلما صلى عليها-أي: إليها-؛ لزم ذلك من القول بطهارة عينها) انتهى.
قلت: وهذا مخلص كلام ابن بطال، واعترضهم إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» حيث قال: قلت: كل هذا لا يجزئ والحق أحق أن يتبع، والصواب من القول في هذا أن هذا الباب لا دخل له في كتاب (الحيض)، ومورده في كتاب (الجنائز)، ومع ذلك ليس له مناسبة أصلًا بالباب الذي قبله، ورعاية المناسبة بين الأبواب مطلوبة، وقول ابن بطال:«إن حكم النفساء مثل حكم غيرها من النساء في طهارة العين؛ لصلاة النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم عليها» ؛ مسلَّمٌ، ولكنه لا يلائم حديث الباب، فإن حديث الباب في أن النبيَّ الأعظم صلى الله عليه وسلم صلى على النفساء وقام وسطها، وليس لهذا دخل في كتاب (الحيض)، وقول ابن رشيد أبعد من الكل؛ لأنَّه ارتكب أمورًا غير موجهة؛ الأول: أنه شرط أن يكون المستقبل في الصَّلاة طاهرًا، وهذا فرض، أو واجب، أو سنة، أو مستحب، والثاني: أنه ارتكب مجازًا من غير داع
(1)
إلى ذلك، والثالث: ادَّعى الملازمة وهي غير صحيحة على ما لا يخفى انتهى.
قلت: وقول ابن بطال: (يحتمل
…
) إلخ: ممنوع، فإن البخاري لم يقصد بهذه الترجمة ما ذكره، بل مقصده ومرامه ما ذكرناه.
وقوله: (وفيه رد
…
) إلخ: ممنوع أيضًا، فإن الذي يُعلم من كلام البخاري بهذه الترجمة إثباتُ ما قاله الجمهور من أن ابن آدم ينجس بالموت؛ لأنَّه أدخل هذا الباب في كتاب (الحيض)، ووجهه أن صلاة المستحاضة كالصَّلاة على النفساء كما قدمناه آنفًا.
وقوله: (لأن النفساء
…
) إلخ: كلام غير موجه، فإن الحي يصلي وهو حامل للنجاسة في بطنه، فهذا يشمل الطاهر، والحائض، والمستحاضة، والنفساء؛ فلا خصوصية فيه للنفساء.
وقول ابن المنير: (وإنما قصد البخاري
…
) إلخ: غير صحيح، فإن حكم الشهداء لا دخل له هنا، وليس هو بمقصد للبخاري، وإنما مقصده ذكر حكم النفساء، وهو من أحكام الحيض، وعليه: فهو وجه إدخاله هنا، وقول ابن رشيد أخذه من ابن بطال، وهو غير صحيح كما علمت.
وقول إمام الشارحين: (والصواب من القول
…
) إلخ: صحيح، وكان ينبغي أن يذكر وجه المناسبة ولو نوعًا، وقد ذكرناها آنفًا؛ فليحفظ، والله أعلم.
[حديث: أن امرأةً ماتت في بطن فصلى عليها النبي فقام وسطها]
332 -
وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا أحمد ابن أبي سُريج) بضمِّ السين المهملة، آخره جيم: هو أبو جعفر الرازي، واسم أبي سريج: الصبَّاح -بتشديد الموحدة- نسبه المؤلف لجده؛ لشهرته به؛ لأنَّ أباه اسمه عمر (قال: حدثنا) وفي رواية: (أخبرنا)(شَبابة) بفتح الشين المعجمة، وتخفيف الموحدتين: هو ابن سَوَّار -بفتح السين المهملة، وتشديد الواو، آخره راء- الفَزاري -بفتح الفاء، وتخفيف الزاي- المدائني، وأصله من خراسان، مات سنة أربع ومئتين (قال: حدثنا) وفي رواية: (أخبرنا)(شعبة) هو ابن الحجاج، (عن حُسيْن) بضمِّ الحاء المهملة، وسكون التحتية (المعلِّم)؛ بكسر اللام، المكتب، (عن ابن بُرَيْدة) بضمِّ الموحدة، وفتح الراء، وسكون التحتية، وبالدال المهملة: هو عبد الله بن بريدة بن الحُصَيْب -بضمِّ الحاء، وفتح الصاد المهملتين، وسكون التحتية، آخره موحدة- الأسلمي المروزي، التابعي المشهور، قال الغساني:(قد صحف بعضهم فقال: هو خصيب؛ بالخاء المعجمة المفتوحة)، كذا قاله إمام الشارحين، (عن سَمُرة) بفتح السين المهملة، وضم الميم، وهي لغة بني تميم، أو بسكون الميم تخفيفًا؛ نحو: عضْد في عضد، وهي لغة الحجازيين، قاله النسائي (ابن جُندَب) بضمِّ الجيم، وفتح الدال المهملة وضمها: ابن هلال الفَزاري -بفتح الفاء، وتخفيف الزاي- استخلفه زياد على الكوفة ستة أشهر، مات سنة تسع وخمسين:(أن امرأة) هي أم كعب، سماها مسلم في روايته من طريق عبد الوارث عن حسين المعلم، وذكر أبو نعيم في «الصحابة» : أنها أنصارية، كذا في «عمدة القاري» (ماتت في بطن) وكلمة (في) ههنا للتعليل، كما في قوله عليه السلام:«إن امرأة دخلت النار في هرة حبستها» ، وكما في قوله تعالى:{فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: 32]؛ والمعنى: ماتت لأجل مرض بطن؛ نحو الاستسقاء وغيره، لكن قال ابن الأثير: الأظهر هنا أنها ماتت في نفاس؛ لأنَّ البخاري ترجم عليه)، وقال التيمي: قيل: وهم البخاري في هذه الترجمة حيث ظن أن المراد: ماتت في الولادة، فوضع الباب على (باب الصَّلاة على النفساء)، ومعنى (ماتت في بطن) : ماتت مبطونة، وروي ذلك مبينًا من غير هذا الوجه، واعترضه الكرماني فقال: ليس وهمًا؛ لأنَّه جاء صريحًا في باب (الصَّلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها) في كتاب (الجنائز)، وفي باب (أين يقوم من المرأة عن المرأة)، عن سمرة بن جندب قال:(صليت وراء النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها، فقام عليها وسطها)،
(1)
في الأصل: (داعي)، ولعله تحريف.
فالترجمة صحيحة، والموهم واهم، انتهى.
وزعم ابن حجر (أن قوله: «ماتت في بطن»؛ أي: بسبب بطن؛ يعني: الحمل)، ثم قال ما قاله التيمي، وأجاب عنه بما أجاب به الكرماني، ونسب الجواب لنفسه.
قلت: وهذا دأبه في جميع كتبه يذكر السؤال والجواب لغيره، وينسبه لنفسه، وكل ما ذكروه غير ظاهر، بل الظاهر ما قاله إمام الشارحين؛ حيث قال:(قلت: لقائل أن يقول: لم لا يجوز أن يكون من سمرة حديثان؛ أحدهما: في التي ماتت في بطن، والآخر: في التي ماتت في نفاسها، ويكون الموهم في استعمال معنى الحديث الثاني الذي قاله التصريح بالنفاس في معنى الحديث الأول الذي فيه التصريح بالبطن) انتهى كلامه رحمه الباري.
(فصلى عليها النبيُّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، (فقام) أي: النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم (وسطها) يعني: قام محاذيًا لوسطها، قال في «عمدة القاري» :(وقد ذكرنا الفرق بين الوسْط بالسكون، والوسَط بالتحريك)، وجاء ههنا كلامه، وضبطه ابن التين: بفتح السين المهملة، وضبطه غيره: بالسكون، وفي رواية الكشميهني:(فقام عند وسطها)، فمن اختار الفتح؛ يقول: إنَّه اسم، ومن اختار السكون؛ يقول: إنَّه ظرف، ولا يقال بالسكون إلا في متفرق الأجزاء؛ كالناس والدواب، وبالفتح فيما كان متصل الأجزاء كالدَّار، انتهى.
ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، وفيه دليل على أن الإمام يقوم من المرأة بحذاء وسطها، واختلف العلماء في ذلك؛ فروى الإمام الحسن عن الإمام الأعظم: أنَّه يقوم من الرجل والمرأة بحذاء صدرهما، وهو أحسن مواقف الإمام، كذا في «مبسوط» شيخ الإسلام، وهو اختيار الحافظ الطحاوي وهو المختار، وبه قال أحمد ابن حنبل، وسفيان الثوري، وهو قول الطبري من الشافعية، واختاره الغزالي، والصيدلاني، وروي عن الإمام الأعظم: أنَّه يقوم بحذاء وسط المرأة وهو قول إبراهيم النخعي، وروي عن الإمام الأعظم أيضًا: أنَّه يقوم بحذاء وسط الرجل، وعند رأس المرأة، وهو قول مالك، وابن أبي ليلى، وهو قول المحاملي من الشافعية، وروي عن أحمد: أنه يقوم من المرأة بحذاء وسطها، ومن الرجل بحذاء صدره، وسيأتي مزيد كلام لذلك في (الجنائز) إن شاء الله تعالى.
(30) [باب
…
]
هذا (بابٌ)؛ بالتنوين، قال في «عمدة القاري» : أي: هذا باب، إن قرئ بالتنوين، وإلَّا؛ فبالسكون؛ لأنَّ الإعراب لا يكون إلا بعد العقد والتركيب، ولمَّا كان حكم الحديث الذي هو في هذا الباب خلاف حكم الحديث الذي قبله؛ فصل بينهما بقوله:(باب)، ولكنَّه ما ترجم له، وهذا في رواية الأصيلي، ورواية غيره لم يذكر لفظ (باب)، بل أدخل حديث ميمونة الآتي في الباب الذي قبله، ولمَّا كان لفظ (باب) كالفصل عمَّا قبله؛ فلا يحتاج إلى ذكر ترجمة؛ لأنَّه ذكره مجردًا، ووجه مناسبة ذكر حديث ميمونة في هذا الباب التَّنبيه، والإشارة إلى أنَّ ثوب الحائض والنفساء طاهرة؛ لأنَّ ثوب النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم كان يصيبه ثوب ميمونة إذا سجد وهي حائض ولا يضره ذلك؛ فلم يمتنع منه عليه السلام.
[حديث ميمونة: أنها كانت تكون حائضًا لا تصلي وهي مفترشة]
333 -
وبالسَّند إليه قال: (حدثنا الحَسين) بفتح الحاء المهملة (بن مُدرك)؛ بضمِّ الميم، من الإدراك أبو علي السدوسي الحافظ الطحان البصري (قال: حدثنا يحيى بن حمَّاد) هو الشيباني ختن أبي عوانة المتوفى سنة خمس عشرة ومئتين (قال: أخبرنا أبو عَوانة) بفتح العين المهملة، هو الوضاح اليشكري (من كتابه) قيَّد بذلك؛ إشارة إلى تقوية ما روي عنه، قال أحمد ابن حنبل:(إذا حدث أبو عوانة من كتابه؛ فهو أثبت، وإذا حدث من غير كتابه؛ ربَّما وهم)، وقال أبو زرعة:(أبو عوانة ثقة إذا حدث من الكتاب)، وقال ابن مهدي:(كتاب أبي عوانة أثبت من هشيم)، (قال: حدثنا) وفي رواية: (أخبرنا)(سليمان الشيباني) هو ابن أبي سليمان فيروز أبو إسحاق الشيباني، (عن عبد الله بن شدَّاد) بالشين المعجمة، ودالين، هو ابن الهاد (قال: سمعت خالتي مَيْمُونة) بفتح الميم الأولى، وضمِّ الثانية، بينهما تحتية ساكنة، هي بنت الحارث (زوج النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم فهي خالة عبد الله بن شدَّاد؛ لأنَّ أمَّه سلمى بنت أبي عميس أخت ميمونة لأمِّها:(أنها) أي: ميمونة (كانت تكون) فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون أحد لفظي الكون زائدًا، كما في قوله:
وجيران لنا كرام.........
فلفظ: (كانوا) زائدًا، و (كرام)؛ بالجر صفة لـ:(جيران).
الثاني: أن يكون في (كانت) ضمير القصة، وهو اسمها وخبرها.
والثالث: أن يكون لفظ (يكون) بمعنى: يصير في محل نصب على أنها اسم (كانت)، ويكون الضمير في (كانت) راجعًا إلى ميمونة، وهو اسمها.
وقوله: (حائضًا) في محل النصب خبر (يكون) التي بمعنى: تصير، وقوله:(لا تصلي) جملة مؤكِّدة لقوله: (حائضًا)، كذا أعربه إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» ، وأعرب الكرماني (لا تصلي) صفة لـ (حائضًا) في وجه، وفي وجه إعرابه حالًا، وأعرب (لا تصلي) خبرًا لـ (كانت)، قال إمام الشارحين:(وهو خلاف التحقيق، والتحقيق ما ذكرناه)(وهي مفترشة) جملة اسمية وقعت حالًا، يقال: افترش الشيء: انبسط، وافترش ذراعيه: بسطهما على الأرض (بحِذاء)؛ بكسر الحاء المهملة، وبالمد بمعنى: وراءه (مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: موضع سجوده من بيته، وليس المراد منه: المسجد المعروف المعهود، قاله إمام الشارحين، وكذا غيره من الشراح، وتعقبهم صاحب «المصابيح» بأنَّ المنقول عن سيبويه أنَّه إذا أريد موضع السجود؛ قيل: مسجَد؛ بالفتح فقط (وهو يصلي) جملة حالية (على خُمْرته)؛ بضمِّ الخاء المعجمة، وسكون الميم، وهي سجادة صغيرة تعمل من سعف النخل تنسج بالخيوط سميت بذلك؛ لسترها الوجه والكفين من حر الأرض وبردها، وإذا كانت كبيرة؛ سميت حصيرًا، (إذا سجد؛ أصابني بعض ثوبه) جملة من الفعل والفاعل والمفعول محلها النصب على الحال، وقد عُلِمَ أنَّ الجملة الفعلية الماضية المثبتة إذا وقعت حالًا؛ تكون بلا واو؛ فافهم.
وزعم القسطلاني أنَّ هذا حكاية لفظها، وإلا فالأصل أن تقول: أصابها الثوب.
قلت: وفيه نظر لا يخفى، ولم يذكر ترجمة لهذا الحديث؛ لأنَّه ذكر قوله:(باب) كذا مجردًا؛ لأنَّه بمعنى: فعل؛ لا يحتاج إلى ذكر شيء، وأمَّا على الرواية التي يذكر فيها لفظ (باب)؛ فوجهه ما ذكرناه الآن، كذا قاله