الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم قال في «عمدة القاري» : (وفيه ما يدل على أن العدد والتكرار في إفاضة الماء ليس بشرط، والشرط وصول الماء إلى جميع البدن) انتهى.
قلت: فإذا حصل التعميم والوصول بمرة؛ فلا يزاد عليها؛ لأنَّ الأمر لا يقتضي التكرار، على أن الإسراف في الماء مكروه، كما قدمنا، فينبغي أن يراعي حالًا وسطًا من غير إسراف ولا تقتير، ويكره ضرب الماء بجسده؛ لأنَّه خلاف السنة، وهي: الإفاضة، فما يفعله بعض المتعصبين في الحمامين حيث يصب على رأسه عشرة أجران ماء، ثم يذهب إلى المغطس وينغمس عشر مرار أو أكثر مكروه قطعًا؛ لأنَّ فيه إتلاف مال الغير وهو حرام، وفيه إيذاء الناس بانتظارهم فراغه، وفيه جلب الغيبة له، وغير ذلك مما لم يأذن به الشرع، وهذا كله بدع خارجة عن فعل الشارع، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة بالنار؛ فافهم.
(قال أبو عبد الله:) أي: المؤلف: (قال) وفي رواية: (وقال)، وبإسقاط:(قال: أبو عبد الله)، وزيادة واو (يزيد بن هارون) مما هو موصول في «مستخرج أبي نُعيم، وأبي عوانة» ، (وبَهْز)؛ بفتح الموحدة، وسكون الهاء، آخره زاي، هو: ابن أسد أبو الأسود بن سعد البصري، المتوفى بمرو في بضع وتسعين ومئة، وطريقه موصول عند الإسماعيلي، (والجُدِّي)؛ بضمِّ الجيم، وتشديد الدال المهملة، نسبة إلى جُدَّة التي في ساحل البحر من ناحية مكة، وهو: عبد الملك بن إبراهيم، ونسب إليها؛ لأنَّ أصله منها، لكنه سكن البصرة، مات سنة خمس ومئتين، وأما طريقه؛ فقال إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» :(فلم أقف عليه) انتهى، وهؤلاء الثلاثة روَوا (عن شعبة)؛ هو: ابن الحجاج، هذا الحديث، فقوله:(عن شعبة) متعلق بهؤلاء الثلاثة، وهذه متابعة ناقصة ذكرها المؤلف تعليقًا، ولفظ الحديث:(قدر صاع)؛ بدل (نحو من صاع)؛ تقديره: فدعت بإناء قدر صاع، ويجوز الوجهان المذكوران في (نحو من صاع) ههنا أيضًا، كذا قاله إمام الشارحين.
قلت: فالجر يجوز أن يكون صفة لـ (إناء) كما مر، ويجوز أن يكون بيانًا لـ (إناء)، والنصب ظاهر، والأولى الصفة لا البيان، كما لا يخفى.
وزعم ابن حجر وتبعه العجلوني أن المراد من الروايتين أن الاغتسال وقع على الصاع من الماء تقريبًا لا تحديدًا، واعترضه صاحب «عمدة القاري» فقال: (هذا القائل ذكر في الباب السابق في حديث مُجَاهِد عن عائشة: أنه حزر الإناء ثمانية أرطال، إن الحزر لا يعارض التحديد، ونقض كلامه هذا بقوله: والمراد من الروايتين
…
إلى آخره) انتهى.
قلت: فالتناقض في كلامه ظاهر، وما اعترض ابن حجر به وقع فيه، وقدمنا أن المراد بالحزر التقدير، وأن مُجَاهِد لم يشك في الثمانية كما رواه النسائي والحافظ الطحاوي، وعليه أهل اللغة؛ فليحفظ.
[حديث: كان يكفي من هو أوفى منك]
252 -
وبه قال: (حدثنا عبد الله بن محمَّد)؛ هو الجعفي المسندي المتقدم (قال: حدثنا يحيى بن آدم)؛ هو الكوفي المتوفى سنة ثلاث وثلاثين ومئتين، قال الغساني: وقد سقط ذكر (يحيى) في بعض النسخ، وهو خطأ؛ إذ لا يتصل الإسناد إلا به، كذا في «عمدة القاري» (قال: حدثنا زُهَير)؛ بضمِّ الزاي بالتصغير، هو ابن معاوية الكوفي الجزري، وفي رواية:(أخبرنا زهير)، (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله الكوفي السَّبيعي؛ بفتح السين المهملة (قال: حدثنا أبو جعفر)؛ هو محمَّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالباقر، دفن بالبقيع في القبة المشهورة بالعباس:(أنه كان عند جابر بن عبد الله) الصحابي المشهور (هو) أي: محمَّد بن علي (وأبوه)؛ أي: علي بن الحسين زين العابدين (وعنده) أي: جابر (قوم) قال في «عمدة القاري» : (هكذا في أكثر النسخ، وفي بعضها: (وعنده قومه)، وكذا وقع في «العمدة» ) انتهى.
ومثله في «ابن حجر» قال: (وجعل شرَّاحها الضمير يعود على جابر، وفيه ما فيه، وليست هذه الرواية في «مسلم» أصلًا، وذلك وارد على قول صاحب «العمدة» : إنه لا يخرج إلا المتفق عليه) انتهى.
قلت: وقوله: (وفيه ما فيه) ممنوع، فإن قوم جابر هم الأنصار، كما لا يخفى، فعود الضمير إليه صحيح.
وقوله: (وليست هذه
…
) إلخ هذا لا يقدح فيما روي هنا من هذه الرواية، فإن من حفظ حجة على من لم يحفظ، ومراده بهذا الرد على المؤلف، وهو غير وارد، بل رده مردود عليه، كما لا يخفى.
وقوله: (وذلك وارد
…
) إلخ ممنوع فإن مراد صاحب «العمدة» بقوله: (إنه لا يخرِّج
…
) إلخ أنه ويزيد المختلف فيه، لا أنه يخرج المختلف به فقط، بل يذكر المتفق عليه، والمختلف به؛ فافهم، فهذا لا يرد عليه، كما لا يخفى.
(فسألوه عن الغُسل)؛ بضمِّ الغين المعجمة؛ أي: عن مقدار ماء الغسل والسائل هو: أبو جعفر كما في «مسند إسحاق بان راهويه» ، (فقال) أي: جابر رضي الله عنه: (يكفيك صاع)؛ أي: ملء صاع من الماء.
قال في «عمدة القاري» : (فإن قلت: القوم هم السائلون، فلم أفرد الكاف حيث قال: يكفيك صاع، والظاهر يقتضي أن يقال: يكفي كل واحد منكم صاع؟
قلت: السائل كان شخصًا واحدًا من القوم، وأضيف السؤال إليهم؛ لأنَّه منهم، كما يقال: النبوة في قريش وإن كان النبيُّ عليه السلام واحدًا منهم، أو يراد بالخطاب العموم، كما في قوله تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذِ المُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ} [السجدة: 12]، وكقوله عليه السلام:«بشر المشائين في ظلم الليل إلى المساجد بالنور التام» ؛ أي: يكفي لكل من يصح الخطاب له صاع) انتهى.
(فقال رجل)؛ المراد به: الحسن بن محمَّد بن علي بن أبي طالب الذي يعرف أبوه بابن الحنفية، مات سنة مئة أو نحوها، واسم الحنفية: خولة بنت جعفر، وفي رواية الإسماعيلي:(فقال رجل منهم)؛ أي: من القوم: (ما يكفيني) أي: لا يكفيني ملء صاع من الماء، (فقال جابر) أي: ابن عبد الله: (كان) أي: الصاع، والمراد: الماء الذي فيه (يكفي من هو أوفى منك) أي: أكثر منك (شعَرًا)؛ بفتح العين المهملة، وارتفاعه بالجبرية، و (شَعَرًا) منصوب على التمييز، وأراد به رسول الله صلى الله عليه وسلم (وخير منك) روي بالرفع والنصب، أما الرفع؛ فبكونه عطفًا على (أوفى)، وأما النصب؛ فبكونه عطفًا على الموصول؛ أعني قوله:(من)، فإنه منصوب؛ لأنَّه مفعول (يكفي)، وفي رواية الأَصيلي: (أوخيرًا
(1)
)؛ بالنصب، كذا في «عمدة القاري» ، وقال الزركشي: بنصب (خير) عطفًا على (شعر)؛ لأنَّ (أوفى) بمعنى أكثر، ورده في «المصابيح» : بأنه إنَّما يتأتى إذا أريد بخير واحد الخيور، لا ما يقصد به التفضيل، والتفضيل فيه مراد لاقترانه بـ (مَن)، فالصواب عطفه على (مَن)، ثم أشكله بأن العطف يقتضي المغايرة مع أن المراد واحد، وأجاب: بأنه كعطف الصفات والموصوف واحد، قال: وجعل (مَن) الثانية مؤكدة للأولى حتى لا يكون (خير) للتفضيل بعده ظاهر، انتهى.
وزعم العجلوني فقال: (دعواه أن المراد واحد فيه نظر؛ لأنَّ الأول أكثر من جهة الشعر، والثاني من جهة الخيرية، وكأنه جعل الخيرية باعتبار الشعر).
قلت: وهذا مردود، فإنه عليه السلام خير من جميع الوجوه والاعتبارات، ومهما وصفته بالخيرية؛ فهو أعظم وأبلغ، والإشكال غير وارد، فالصواب عطفه على (مَن)، كما قدمناه عن «عمدة القاري» ، فلله دره ما أفطنه، وأغزر علمه، وأوفر فهمه! رضي الله تعالى عنه.
(ثم أمَّنا) أي: صلى بنا جابر إمامًا (في ثوب)؛ أي: واحد ليس عليه غيره، والضمير المرفوع الذي فيه يرجع إلى جابر، وهو من مقول أبي جعفر، وقال الكرماني: قوله: (ثم أمَّنا)، إما مقول جابر؛ فهو معطوف على قوله:(كان يكفي)، فالإمام رسول الله عليه السلام، وإما مقول أبي جعفر؛ فهو عطف على (فقال جابر)، والإمام جابر رضي الله عنه.
وزعم ابن حجر أن فاعل (أمنا) جابر، كما سيأتي ذلك موضحًا في كتاب (الصَّلاة)، ولا التفات إلى من جعله من مقول جابر، والفاعل رسول الله عليه السلام.
واعترضه إمام الشارحين فقال: (قلت: أراد بهذا الرد على الكرماني فيما ذكرنا عنه، وجزم بقوله: (إن الإمام جابر)، واحتج عليه بما روي مما جاء في كتاب (الصَّلاة)، وهو ما رُوِيَ عن محمَّد بن المنكدر، قال: رأيت جابرًا
(1)
في الأصل: (وخيرًا)، والمثبت موافق لما في «الصحيح» .
يصلى في ثوب، فإن كان استدل بهذا الحديث في رده على الكرماني؛ فلا وجه له، وهو ظاهر لا يخفى) انتهى كلام صاحب «عمدة القاري» .
قلت: وظاهره أنَّ مراده الرد على الكرماني مستدلًّا بهذا الحديث، وليس له وجه كما ذكره؛ لاحتمال أنَّ جابرًا كان يصلي خلف رسول الله عليه السلام، فإنَّه ليس فيه ما يدل على أنَّ جابرًا هو الإمام؛ فليحفظ.
قال في «عمدة القاري» : (وفي الحديث بيان ما كان السلف عليه من الاحتجاج بفعل النبيِّ صلى الله عليه وسلم والانقياد إلى ذلك، وفيه: جواز الرد على من تمادى بغير علم؛ إذ القصد من ذلك إيضاح الحق، والإرشاد إلى من لا يعلم، وفيه: كراهية الإسراف في استعمال الماء، وفيه: استحباب قدر الصاع في الاغتسال، وفيه: جواز الصَّلاة في الثوب الواحد) انتهى.
قلت: والسنة في الغسل ملء الصاع، وفي الوضوء ملء المُدِّ، كذا قدره مجتهد المذهب الإمام محمَّد بن الحسن في «ظاهر الرواية» عن الإمام الأعظم رضي الله عنهما، وهو تقدير أدنى الكفاية عادة، وليس بلازم حتى إنَّ من أسبغ بدون ذلك أجزأه، وإن لم يكفه؛ زاد عليه؛ لأنَّ طباع الناس وأحوالهم تختلف، كذا في «البدائع» .
وقال في «الخلاصة» : (والتقدير في الوضوء بالمد إذا كان لا يحتاج إلى الاستنجاء، فإن احتاج إليه؛ لا يكفيه، بل يستنجي برطل أو يتوضأ بالمد، فإن كان لابس الخفين؛ يتوضأ برطل.
فالحاصل: أنَّ الرطل للاستنجاء، والرطل للقدمين، والرطل لسائر الأعضاء) انتهى.
واعلم: أنَّ الوضوء على أربعة أوجه: إما ألَّا يستنجي ويمسح على الخفين، أو يستنجي ويمسح على الخفين، أو لا يستنجي ويغسل الرجلين، أو يستنجي ويغسل الرجلين، أمَّا الأول؛ فيكفيه رطل، وأمَّا الثاني؛ فاثنان: واحد للاستنجاء، وآخر للوضوء، وأمَّا الثالث؛ فكذلك: واحد للرجلين، وواحد للبقية، وأمَّا الرابع؛ فثلاثة أرطال: واحد للاستنجاء، وواحد للرجلين، وواحد للبقية، وأدنى مايكفي من الماء في الغسل في الغالب صاع، وفي الوضوء ربعه، وهو: المد، وللاستنجاء ثمنه؛ وهو: الرطل، وإن أراد أن يمسح على خفيه؛ كفاه في الوضوء رطل، كذا في «منهل الطلاب» ، والله أعلم.
وقال ابن عبد البر في «شرح موطأ مالك» : (غسل الأعضاء في الوضوء وسائر الجسم إنَّما يكون بمباشرة الماء لذلك، وأمَّا ما أمر الله بغسله؛ فلا يجزئ فيه المسح، فمن قدر على أن يتوضأ بمد أو أقل ويغتسل بصاع أو دونه بعد أن يسبغ ويعم؛ فذاك حسن عند جمهور العلماء بالعراق والحجاز، ولا يخالف في ذلك إلا ضال مبتدع) انتهى.
وفي يوم الثاني جماد الثاني سنة سبع وسبعين شرعوا في عدد الأنفس بدار رستم أفندي والله تعالى المهدي.
[حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد]
253 -
وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا أبو نُعيم)؛ بضمِّ النون؛ هو: الفضل بن دُكين؛ بضمِّ الدال المهملة (قال: حدثنا ابن عُيينة)؛ بضمِّ العين المهملة؛ هو: سفيان (عن عَمرو)؛ بفتح العين المهملة؛ هو: ابن دينار، (عن جابر بن زيد) : هو أبو: الشَعْثاء- بفتح الشين المعجمة، وسكون العين المهملة، بعدها مثلثة، وبالمد- الأزدي البصري المتوفَّى سنة ثلاث ومئة، (عن ابن عباس) عبد الله رضي الله عنهما (أنَّ النبيَّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم ومَيمُونة)؛ بفتح الميم الأولى، وضم الثانية؛ بنت الحارث زوجة النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم، وخالة ابن عباس (كانا يغتسلان)؛ أي: من الجنابة (من) ولأبي الوقت (في) وهي بمعنى (من)(إناء واحد)؛ أي: في وقت واحد، كما يظهر من السياق، وتعبيره بـ (كان) يدل على أنَّ عادتهما ذلك على الدوام والاستمرار.
قال إمام الشارحين في «عمدة القاري» : ومطابقة هذا الحديث للترجمة غير ظاهرة، ووجه الكرماني في ذلك بثلاثة أوجه بالتعسف؛ الأول: أن يراد بالإناء الفرق المذكور، الثاني: الإناء كان معهودًا عندهم أنَّه هو: الذي يسع الصاع والأكثر، فنزل تعريفه اعتمادًا على العرف والعادة، الثالث: أنَّه من باب الاختصار في الحديث، وفي تمامه ما يدل عليه كما في حديث عائشة رضي الله عنها، ووجَّهه بعضهم بأن مناسبة الترجمة تستفاد من مقدمة أخرى، وهو أنَّ أوانيهم كانت صغارًا، فيدخل هذا الحديث تحت قوله:«ونحوه» ؛ أي: نحو الصاع، أو يحمل المطلق فيه على المقيَّد في حديث عائشة وهو الفرق؛ لكون كل منهما زوجة له، واغتسلت معه، فتكون حصة كل منهما أزيد من صاع، فتدخل تحت الترجمة تقريبًا، قال: قلت: قول هذا القائل أكثر تعسفًا وأبعد وجهًا من كلام الكرماني؛ لأنَّ المراد من هذا الحديث: جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد، وهذا هو مورد الحديث، وليس المراد: منه بيان مقدار الإناء، والباب في بيان المقدار، فمن أين يلتئم وجه التطابق بينه وبين الباب؟
وقوله: (لكون كل منهما زوجة)؛ كلام من لم يمس شيئًا من الأصول، وكون كل واحدة منهما امرأة له، كيف يكون وجهًا لحمل المطلق على المقيد؟ مع أنَّ الأصل أن يجري المطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده، والحمل له مواضع، كما عرفت في موضعها) انتهى كلام «عمدة القاري» .
وأراد بقوله: (بعضهم) : ابن حجر العسقلاني، فإنَّه ذكر هذا الكلام في «شرحه» ، ولا يخفى ما فيه من الركاكة، والتعسف، والبعد، وزعم العجلوني فقال:(إذا كان كلام كل منهما متعسفًا وأحدهما أكثر تعسفًا؛ فينبغي له أن يبدي ولو وجهًا سالمًا عن ذلك).
قلت: ولا يخفى عليك أنَّ الحديث إذا كان غير مطابق للترجمة، فكيف إبداء الوجه السالم من التعسف؟ وما هذا إلا كلام من ليس له ذكاء وفطنة، وهو نظير المثل المشهور بين الناس يقولون: احلبه، فيجيبه: إنه ثور، فيعيد عليه قوله: احلبه، وهكذا، فلو كان للحديث وجه صحيح؛ لكان ذكره إمام الشارحين، وأقول وبالله التوفيق: الظاهر: أنَّ المؤلف وضع هذا الحديث؛ لنكتة أخرى وهي: الاختلاف في السند، وفيه خلاف: فبعضهم لم يفرق بينهما، وبعضهم فرق، وإليه ذهب المؤلف،؛ فذكر الحديث، ثم أعقبه بالمتابعة للإشارة إلى هذا الاختلاف، وعدم مطابقته للترجمة لا يضر؛ لأنَّ المؤلف ذكر الترجمة وذكر حديثين مطابقتُهما للترجمة ظاهرة، ومناسبة الحديث لهما في أنَّه له تعلق بأحكام الغسل، والله أعلم.
(قال أبو عبد الله) أي: المؤلف: (كان ابن عيينة) أي: سفيان (يقول أخيرًا)؛ بالتحتية بعد الخاء المعجمة؛ أي: في آخر عمره: (عن ابن عباس عن ميمونة) وهذا تعليق من المؤلف، ولم يقل:(وقال ابن عيينة)، بل قال: وكان
…
؛ ليدل على أنه في آخر عمره كان مستقرًّا على هذه الرواية، فعلى هذا التقدير: التحديث من مسانيد ميمونة، وعلى الأول: من مسانيد ابن عباس (والصحيح)؛ أي: من الروايتين (ما روى) أي: الذي رواه (أبو نعيم) المذكور، وهو: أنَّه من مسانيد ابن عباس، وهذا من كلام البخاري، وهو المصحح له، وصححه الدارقطني أيضًا، ورجح الإسماعيلي أيضًا ما صححه البخاري باعتبار أنَّ هذا الأمر لا يطلع عليه من النبيِّ عليه السلام إلا ميمونة، فدل على أنَّه أخذ عن ميمونة خالته، وأخرجه مسلم، وابن أبي شيبة، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه؛ كلهم في (الطهارة) عن ابن عباس عن ميمونة رضي الله عنهما، واللفظ:(كنت أغتسل أنا والنبيُّ صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة)، كذا في «عمدة القاري» ، ثم قال:(والمستفاد من الحديث جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد) انتهى.
(4)
[باب من أفاض على رأسه ثلاثًا]
هذا (باب) بيان (من أفاض) أي: أسال الماء (على رأسه) في الغسل من الجنابة (ثلاثًا)؛ أي: ثلاث مرَّات.
[حديث: أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثًا]
254 -
وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا أبو نُعيم)؛ بضمِّ النون؛ هو الفضل بن دُكين؛ بالدال المهملة المضمومة (قال: حدثنا زُهير)؛ بضمِّ الزاي؛ هو ابن معاوية الجعفي، (عن أبي إسحاق) : هو عمرو بن عبد الله السَّبيعي- بفتح السين المهملة- الكوفي (قال: حدثني) بالإفراد (سُليمان)؛ بضمِّ السين المهملة