الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد العزيز، وتمامه في «عمدة القاري» و «منهل الطلاب» .
(وتابعه)؛ بواو العطف الساقطة في رواية؛ أي: تابع الأوزاعيَّ على رواية هذا الحديث (مَعمَرٌ)؛ بفتح الميمين، ابن راشد، وهذه المتابعة ناقصة ذكرها على سبيل التعليق، و (معمرٌ)؛ بالرفع فاعل؛ لقوله:(تابعه)، والضمير المنصوب فيه للأوزاعي، (عن يحيى) : هو ابن أبي كثير، (عن أبي سلَمة)؛ بفتح اللام: ابن عبد الرحمن بن عوف، (عن عمرو)؛ بالواو، لكن بإسقاط (جعفر) في هذه المتابعة الثابت في الرواية السابقة، وهذا هو السبب في سياق المؤلف الإسناد ثانيًا؛ ليبيِّن أنه ليس في رواية معمر ذكر (جعفر) بين (أبي سلمة) و (عمرو)؛ فليحفظ، (قال) أي: عمرو (رأيت النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم يمسح على عِمامته) بكسر العين (وخفَّيه)؛ أي: ورأيته يمسح على خفيه عليه السلام، وسقط المتن كله في رواية، وفي أخرى سقط قوله:(وخفيه) فقط، وقال في «عمدة القاري» :(وهذه المتابعة مرسلة، وليس فيها ذكر العمامة؛ لما روى عنه عبد الرزاق، عن معمر، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن عمرو قال: رأيت النبي عليه السلام يمسح على خفيه، هكذا وقع في «مصنف» عبد الرزاق، ولم يذكر «العمامة»، وأبو سلمة لم يسمع من عمرو، وإنما سمع من أبيه جعفر، فلا حجة فيها).
قال الكرماني: (ووقع في كتاب «الطهارة» لابن منده من طريق معمر، وفيه ذكر «العمامة»)، قال ابن حجر:(سماع أبي سلمة من عمرو ممكن، فإنه مات بالمدينة سنة ستين، وأبو سلمة مدني، وقد سمع من خلق ماتوا قبل عمرو)، قال العجلوني:(يعني: فيحمل ما يرويه على السماع عند مسلم من عدم اشتراط اللقي بالفعل) انتهى.
وردَّ كلام ابن حجر في «عمدة القاري» حيث قال: (قلت: كونه مدنيًّا وسماعه من خلق ماتوا قبله؛ لا يستلزم سماعه من عمرو، وبالاحتمال لا يَثْبُتُ ذلك) انتهى.
قلت: وقول العجلوني: (يعني: فيحمل
…
) إلخ: لا حاجة لهذه العناية والحمل؛ لأنَّ الشرط عند المؤلف ومن وافقه: اشتراط اللقي بالفعل والسماع منه حقيقة، فكيف يصحُّ الحمل على ما شرطه مسلم؟ ولا ريب أن هذا قياس مع الفارق، والفرق ظاهر بين ما شرطه المؤلف وشرطه مسلم، والعجلوني مثله كمثل رجل ركب في سفينة في البحر، وأراد أن يتوضأ، فجاء إلى قارورة الماء، فرأى قربها قارورة خمر والإفرنج يشربون من الخمر، ثم يشربون من الماء، فقال بحمل الماء على الطهارة، وتوضَّأ منه، وصلى، فأين تصح هذه الصلاة مع تيقُّن نجاسة الماء؟! فافهم.
والحديث يفيد صحة المسح على العمامة بدلًا عن مسح الرأس، وهو متروك الظاهر؛ كما قدمنا، وأخذ بظاهره أحمد وقال: بالصحة، لكن بالشروط السابقة، ويشترط أيضًا ألا تكون عمامة محرَّمة، فلا يجوز المسح على عمامة مغصوبة، ولا يجوز للمرأة أن تمسح على عمامة إذا لبست عمامة رجل، والأظهر عنده: وجوب استيعابها والتوقيت كالخف، ويبطل المسح بالنزع والانكشاف إلا أن يكون يسيرًا؛ مثل أن يحك رأسه أو يرفعها لأجل الوضوء، وفي اشتراط لبسها على طهارة روايتان عنه، انتهى، وعندنا المسح على الخف المغصوب صحيح، كما في «الدر» وغيره، والله تعالى أعلم.
(49)
[باب: إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان]
(باب) قال في «عمدة القاري» : (إذا قطع عمَّا بعده لا يكون معربًا؛ لأنَّ الإعراب لا يكون إلا جزء المركَّب، وإذا أضيف إلى ما بعده بتأويل؛ يكون معربًا على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هذا باب)(إذا أدخل)؛ أي: الشخص المدخل المفهوم من الفعل (رجليه)؛ أي: في الخفين؛ أي: إدخال الرجل رجله في خفه، (وهما)؛ الواو للحال؛ أي: والحال أن رجليه (طاهرتان) عن الحدث والخبث، وجواب (إذا) محذوف؛ أي: جاز له المسح على الخفين، وقوله:(وهما طاهرتان) لفظ رواية أبي داود.
[حديث: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين]
206 -
وبه قال: (حدثنا أبو نُعيم)؛ بضم النُّون: الفضل بن دكين (قال: حدثنا زكريا)؛ ممدودًا ومقصورًا، هو ابن أبي زائدة الكوفي، (عن عامر) : هو ابن شرحبيل، الشعبي التابعي، (عن عُروة) بضم العين (بن المُغيرة)؛ بضم الميم، (عن أبيه) : هو المغيرة المذكور ابن شُعْبة الصحابي الجليل؛ بضم المعجمة وسكون المهملة (قال: كنت مع النبي) الأعظم صلى الله عليه وسلم في سَفر)؛ بفتح المهملة؛ أي: في غزوة تبوك؛ كما ورد مبيَّنًا في رواية أخرى، وكانت في رجب سنة تسع، (فأهويت)؛ أي: مددت يدي، أو أشرت إليه، أو أومأت، قال الجوهري:(يقال: أهوى إليه بيده ليأخذه)، وقال الأصمعي:(أهويت بالشيء: إذا أومأت به)، وقال التيمي: أهويت؛ أي: قصدت، وقيل: أهويت؛ أي: قصدت الهوي من القيام إلى القعود، وقيل: الإهواء: الإمالة، كذا في «عمدة القاري» ، وفيه حذف؛ تقديره: فتوضأ إلا رجليه، فأهويت
…
إلخ، ويحتمل تقديره قبل قوله: فمسح عليهما؛ فتأمل، (لأنزِع)؛ بكسر الزاي، من باب (ضرب يضرِب).
فإن قلت: فيه حرف الحلق، وما فيه حرف الحلق يكون من باب (فعَل يفعَل)؛ بالفتح فيهما.
قلت: ليس الأمر كذلك، وإنما [إذا] وجد
(1)
(فعَل يفعَل) -بالفتح فيهما-؛ فالشرط فيه أن يكون فيه حرف من حروف الحلق، وأمَّا إذا كانت كلمة فيها حرف حلق معلَّق؛ لا يلزم أن يكون من باب (فعَل يفعَل)؛ بالفتح فيهما، كذا في «عمدة القاري» .
(خفَّيه)؛ بالتثنية؛ أي: خُفَّي النبي الأعظم عليه السلام، ففيه: خدمة العالم، وللخادم أن يقصد إلى ما يعرف من حديثه دون أن يأمر بها، (فقال) عليه السلام له:(دعهما)؛ أي: دع الخفين؛ أي: اتركهما بدون نزع، فـ (دع) معناه: الترك؛ لأنَّه من الأفعال التي أماتوا ماضيها، (فإني أدخلتهما)؛ أي: الرجلين، وجاز تشتيت الضمير؛ لظهور المراد، ولو جعل ضمير (أدخلتهما) عائدًا إلى الخفين على أنه من باب القلب؛ لم يبق فيه تشتيت؛ فافهم، (طاهرتين)؛ أي: من الحدث، وهو منصوب على الحال، هكذا رواية الأكثرين، وفي رواية:(وهما طاهرتان)، وهي جملة اسمية حالية، وفي رواية أبي داود:(فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان)، وللحميدي في «مسنده» :(قلت: يا رسول الله؛ أيمسح أحدنا على خفيه؟ قال: نعم؛ إذا أدخلهما وهما طاهرتان).
ففيه: أنَّ من لبس خفيه على غير طهارة؛ أنه لا يمسح عليهما بلا خلاف، كما في «عمدة القاري» ، والمراد بالطهارة للرجلين: غسلهما، وإتمام الوضوء قبل الحدث، فلو غسل رجليه، ولبس الخفين، ثم أكمل بقية الوضوء، ثم أحدث؛ يجزئه المسح عليهما؛ لأنَّ الشرط: أن يصادف الحدث طهارة كاملة، وكذا لو تخفف المحدث، ثم خاض الماء، فابتلَّ قدماه، ثم تمَّم وضوءَه، ثم أحدث؛ جاز أن يمسح؛ لوجود الشرط، وهو كونهما ملبوسين على طهارة كاملة وقت الحدث، ومثله: ما لو غسل رجليه، ثم تخفَّف، ثم تمَّم الوضوء، أو غسل رجلًا، فخففَّها، ثم الأخرى كذلك، كما في «البحر» ، بخلاف ما لو توضأ، ثم أحدث قبل دخول الرِّجل إلى قدم الخف؛ فإنه لا يمسح، وهذا ظاهر من قوله في الحديث:(وهما طاهرتان)؛ لأنَّ المراد من قوله: (طاهرتان) كونهما مغسولتين سواء كان قبل إكمال الوضوء أو في أثنائه، وبغسلهما لا ريب أنه ارتفع الحدث عنهما، فصدق عليهما أنهما طاهرتان، وليس المراد: إدخالهما طاهرتان بطهر الوضوء؛ لأنَّه لا يفهم من الحديث ذلك؛ لأنَّه لو كان كذلك؛ لقال: فإني أدخلتهما بعد تمام الوضوء، فلمَّا قال:(فإني أدخلتهما طاهرتين)؛ عُلِم منه أنه لا يشترط أن يكون لبسهما على طهارة بعد تمام الوضوء، بل يجوز المسح سواء غسلهما قبل تمام الوضوء أو بعده؛ فليحفظ.
وقال الحافظ أبو جعفر الطحاوي: معنى قوله: «أدخلتهما طاهرتين» يجوز أن يقال: إذا غسلهما وإن لم تكمل الطهارة، كما يقال: صلى ركعتين قبل أن يتمَّ صلاته، وهذا هو المتبادر من اللفظ، ويحتمل أن يريد: طاهرتان من جنابة أو خبث، ولو قلت: دخلنا البلد ونحن ركبان؛ يشترط أن يكون كل واحد راكبًا عند دخوله، ولا يشترط اقترانهم في الدخول، فكون كل واحدة من الرجلين عند إدخالهما الخف طاهرة؛ إذ لم يدخلهما الخفين وهما معًا طاهرتان؛ لأنَّ إدخالهما معًا غير متصوَّر عادة، وإنما أراد إدخال كل واحدة الخف وهي طاهرة بعد الأخرى، وقد وُجِد، ومع هذا فإن المسألة مبنية على أن الترتيب شرط عند الشافعي، وليس بشرط عندنا، وهو المتبادر من لفظ الحديث؛ كما لا يخفى؛ فافهم.
(فمسح)؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام (عليهما)؛ أي: على الخفين، وفيه إضمار؛ تقديره: فأحدث، فمسح عليهما؛ لأنَّ وقت جواز المسح بعد الحدث والوضوء، ولا يجوز قبله؛ لأنَّه على طهارة.
وليس في هذا الحديث توقيت مدة المسح، وهو المرجح عند مالك من أقوال تقدم بيانها، والمشهور وهو مذهب الإمام الأعظم، وأصحابه، والجمهور: أنه للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها؛ لما رواه ابن خزيمة من حديث صفوان بن عسال
(2)
: (أمرنا
(1)
في الأصل: (وجب)، وهو تحريف.
(2)
في الأصل: (غسان)، وهو تحريف.
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثًا إذا سافرنا، ويومًا وليلة إذا أقمنا)، ولما في «مسلم» من حديث علي رضي الله عنه قال:(جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهنَّ للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم)، ورواه ابن حبان، وهذا حجة على مالك في عدم توقيته بمدَّة.
وابتداء المدة للمقيم والمسافر عقيب الحدث الذي يحصل بعد لبس الخفين على طهر عند عامَّة علمائنا، وهو الصحيح؛ لأنَّ الخف عهد مانعًا سراية الحدث، فيعتبر ابتداء المدة من وقت المنع؛ لأنَّ ما قبله ليس طهارة مسح، بل طهارة غسل، فلا تعتبر، وقال الإمام المرغيناني في «الهداية» :(المسح جائز من كل حدث موجب للوضوء إذا لبسهما على طهارة كاملة، ثم أحدث)، ثم قال:(وقوله: «إذا لبسهما على طهارة كاملة» : لا يفيد اشتراط الكمال وقت اللبس، بل وقت الحدث، وهو المذهب عندنا حتى لو غسل رجليه ولبس خفيه، ثم أكمل الطهارة، ثم أحدث؛ يجزئه المسح، وهذا لأنَّ الخف مانع حلول الحدث بالقدم، فيراعى كمال الطهارة وقت المنع وهو وقت الحدث حتى لو كانت ناقصة عند ذلك؛ كان الخف رافعًا).
قال ابن حجر بعد ذكر كلام «الهداية» : (والحديث حجة عليه؛ لأنَّه جعل الطهارة قبل لبس الخف شرطًا لجواز المسح، والمعلَّق بشرط لا يصحُّ إلا بوجود ذلك الشرط).
وردَّه في «عمدة القاري» : بأن الحديث المذكور ليس بحجة على صاحب «الهداية» ، أمَّا أولًا؛ فإن اشتراط اللبس على طهارة كاملة لا خلاف فيه، وإنما الخلاف في أنه هل يشترط الكمال عند اللبس أو عند الحدث؟ فعندنا: عند الحدث، وعند الشافعي: عند اللبس، وتظهر ثمرة الخلاف: فيما إذا غسل رجليه أولًا، ولبس خفيه، ثم أتمَّ الوضوء قبل أن يُحدِث؛ جاز له المسح عندنا خلافًا له، وكذا لو توضأ، فرتَّب، لكن غسل إحدى رجليه، ولبس الخف، ثم غسل الأخرى، ولبس الخف الآخر؛ يجوز له المسح عندنا، وهو قول الثوري، ومطرف من أصحاب مالك، والمزني صاحب الشافعي، وابن المنذر وغيرهم، خلافًا للشافعي، وذلك لصدق أنه أدخل كلًّا من رجليه الخفين، وهي طاهرة.
وقوله: (المعلق بشرط لا يصح إلا بوجود ذلك الشرط) سلَّمناه، ولكن لا نسلم أنه عليه السلام شرط كمال الطهارة وقت اللبس؛ لأنَّه لا يفهم ذلك من نصِّ الحديث، غاية ما في الحديث: أنه أخبر أنه لبسهما وقدماه كانتا طاهرتين، فأخذنا من هذا اشتراط الطهارة؛ لأجل جواز المسح سواء كانت حاصلة وقت اللبس أو وقت الحدث، وتقييده بوقت اللبس أمر زائد لا يُفْهَمُ من العبارة، فإذا تقرر هذا؛ لم يكن الحديث حجة على صاحب «الهداية» ، بل حجة له؛ حيث اشترط الطهارة لأجل جواز المسح، وحجة على الشافعي؛ حيث يأخذ منه ما ليس يدل على مدعاه، على أنه قدمنا عن الحافظ الطحاوي أن قوله:(أدخلتهما طاهرتين) : يحتمل أن يقال: إنَّه غسلهما وإن لم تكمل الطهارة، كما يقال: صلى ركعتين قبل أن يتم صلاته، ويحتمل أن يريد طاهرتان من جنابة أو خبث.
ولو قلت: دخلنا البلد ونحن ركبان؛ يشترط أن يكون كل واحد راكبًا عند دخول البلد، ولا يشترط اقترانهم في الدخول، وإدخالهما معًا غير متصوَّر عادة، وإنما المتبادر إدخال كل واحدة الخف وهي طاهرة بعد الأخرى، وقد وُجِد.
وقال ابن حجر أيضًا: (وحديث صفوان السابق أقوى حجة للشافعي).
قال في «عمدة القاري» : (إن كان مراده من قوله: «أقوى حجة» كون مدة المسح للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يومًا وليلة؛ فمسلَّم؛ لأنَّه قول الإمام الأعظم رئيس المجتهدين، ونحن نقول به، وإن كان مراده اشتراط الطهارة وقت اللبس؛ فغير مسلَّم؛ ذلك لأنَّه لا يفهم ذلك من نص الحديث على ما ذكرناه الآن).
ثم قال ابن حجر: (وحديث صفوان وإن كان صحيحًا لكنه ليس على شرط المؤلف، لكن حديث الباب موافق له في الدلالة على اشتراط الطهارة عند اللبس).
ورده في «عمدة القاري» ؛ حيث قال: (قلت: بعد أن صح حديث صفوان عند جماعة من المحدثين لا يلزم أن يكون على شرط المؤلف، وقوله: «موافق له في الدلالة
…
» إلخ: غير مسلَّم؛ لأنَّه لا يدل على كون الطهارة عند اللبس، نعم؛ هو موافق له في مطلق اشتراط الطهارة لا غير، فإن ادعى هذا القائل أنَّه يدل على كونها عند اللبس؛ فعليه البيان بأي نوع من أنواع الدلالة) انتهى.
وزاد في الطنبور نغمة العجلونيُّ على ابن حجر وقال: (والظاهر من الأحاديث: الطهارة الكاملة عند اللبس، ويكفي الظهور في ثبوت الحكم لا سيما رواية: «وهما طاهرتان»؛ لدلالة الجملة الاسمية على الاستمرار) انتهى.
قلت: وهو مردود؛ فأي دليل دلَّه على أن (الظاهر من الأحاديث: الطهارة الكاملة عند اللبس)، وما ذاك إلا دعوى بدون دليل، بل الظاهر المتبادر من الأحاديث: اشتراط الطهارة وقت الحدث، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في العلم.
وقوله: (ويكفي الظهور في ثبوت الحكم) : مردود؛ لأنَّه لم يَظْهَر شيء مما قاله حتى يَثْبُتَ الحكم، وهذا الظهور أوهى من بيت العنكبوت.
وقوله: (لا سيما رواية: «وهما طاهرتان»)؛ يعني: أنه قد ترقَّى في الدليل، ولم يدر أنَّه قد تكلَّم بكلام لا يقبله الطبع السليم، ولا يقوله إلا صاحب الطبع والفهم السقيم، وغاية ما يدل قوله:(وهما طاهرتان) إخبارٌ منه أنه لبسهما على طهارة فقط، وكونه عند اللبس أمر زائد على المفهوم المتبادر من الأحاديث، كما لا يخفى.
وقوله: (لدلالة الجملة الاسمية على الاستمرار)؛ معناه: الاستمرار على الطهارة، فليس فيه دلالة على ما قاله الشافعية، بل الأحاديث التي في هذا الباب ظاهرها والمتبادر منها ما يدل على ما قاله الأئمة الحنفية، ومن تتبع ما قلناه؛ ظهر له الحق اليقين، وخسر هنالك المبطلون؛ فافهم.
وفي الحديث: إمكان الفهم عن الإشارة، وردُّ الجواب بالعلم على ما يفهم من الإشارة؛ لأنَّ المغيرة أهوى لينزع الخفين، ففهم منه عليه السلام ما أراد، [فأجاب] بأن يجزئه المسح، وتمامه في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ.
(50)
[باب: من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق]
هذا (باب: مَن لم يتوضأ مِن) أكل (لحم الشاة) قيَّد به؛ ليندرج ماهو مثلها وما دونها في حكمها، ولعله يشير إلى استثناء لحوم الإبل؛ لأنَّ من خصَّه من العموم كأحمد؛ علَّله بشدَّة زخومته؛ فتأملن (و) من أكل (السويق)؛ بالسين، والصَّاد فيه لغة؛ لمكان المضارعة، والجمع: أسوقة، وسمي بذلك؛ لانسياقه في الحلق، والقطعة من السويق: سويقة، قال أبو حاتم: إذا أرادوا أن يعملوا الفريصة وهي ضرب من السويق؛ ضربوا من الأرض ما يريدون حين يستنزل، ثم يسهمونه، وتسهيمه: أن يسخن على المقلى حتى ييبس، وإن شاؤوا جعلوا معه على المقلى الفرديج، وهو أطيب لطعمه، وعاب رجل السويق بحضرة أعرابي، فقال: لا تعبه، فإنه عدة للمسافر، وطعام العجلان، وغداء المبكر، وبلغة المريض، وهو يسرُّ فؤاد الحزين، ويبرِّد من نفس المحرور، وجيد في التسمين، ومنعوت في الطيب، وفقاره يحلق البلغم، وملتوته يصفِّي الدم، وإن شئت؛ كان شرابًا، وإن شئت؛ كان طعامًا، وإن شئت؛ كان ثريدًا، وإن شئت؛ كان خبيصًا، وأثريت السويق: صببت عليه ماء ثم لتيته، وفي «مجمع الغرائب» :(ثرى يثري ثرية، إذا بل التراب، وإنما بلَّ السويق؛ لما كان لحقه من اليبس والقدم، وهو شيء من الشعير أو القمح يدق، فيكون شبيه الدقيق، إذا احتيج إلى أكله؛ خلط بماء، أو لبن، أو رب، أو نحوه، وقال قوم هو: الكعك).
قال السفاقسي: (قال بعضهم: كان ملتوتًا بسمن)، وقال الداودي:(هو دقيق الشعير والسلت المقلو)، ويرد قول من قال:(إن السويق هو الكعك) قول الشاعر:
يا حَبَّذا الكَعْكُ بلحمٍ مَثْرُودْ
…
وخُشْكَنَان مع سويق مقنود
كذا في «عمدة القاري» ، وقال ابن التين:(ليس في حديثي الباب ذكر السويق)، وأجاب ابن حجر: بأنه دخل من باب أولى؛ لأنَّه إذا لم يتوضأ من اللحم مع دسومته؛ فمع السويق أولى، أو لعلَّه أشار بذلك إلى حديث الباب بعده.
وردَّه في «عمدة القاري» ؛ حيث قال: (قلت: إن سلمنا ما قاله؛ فتخصيص السويق بالذكر لماذا؟! وقوله: «ولعلَّه
…
» إلخ؛ أبعد في الجواب من