الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضعيف، وصرح به الخطابي وغيره، انتهى.
قلت: فهو لا يقاوم ما روي في الصحيح، على أنه يحتمل أن ما في الصحيح ناسخ لهذا الضعيف.
وروى أبو داود عن ابن عمر: أنه كان لا يصلي خلف رجل يتكلم إلا يوم الجمعة.
وروى أيضًا في «مراسيله» : (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الإنسان إلى نائم أو متحدث).
وفي «الأوسط» للطبراني من حديث أبي هريرة مرفوعًا: (نهيت أن أصلي خلف النائم أو المتحدثين).
وروى أبو نعيم عن عبد الله قال: (لا يصلي وبين يديه قوم يمترون).
وعن سعيد بن جبير: (إذا كانوا يذكرون الله؛ فلا بأس)، وفي رواية:(كره سعيد أن يصلي وبين يديه متحدث).
وضرب عمر بن الخطاب رجلين؛ أحدهما مستقبل الآخر وهو يصلي.
قلت: وما رواه عن ابن عمر؛ فسنده منقطع، وما رواه في «مراسيله» ؛ فسنده ضعيف، وما رواه الطبراني؛ فسنده ضعيف واه
(1)
، وما رواه أبو نعيم؛ فسنده منقطع أيضًا، وقيل: إنه مرسل، وعلى كل؛ فهذه الأحاديث لا يحتج بها؛ لضعفها، وهي لا تقاوم ما روي في الصحيح وما روي عن سعيد بن جبير وغيره، فإن صح؛ فهم رجال ونحن رجال، كما قاله الإمام الأعظم، وما روي عن عمر بن الخطاب؛ فإن صح؛ فهو محمول على أنه رأى منه ما يوجب ذلك؛ لأنَّ الاستقبال منه للآخر لا يوجب الضرب؛ لأنَّه غاية ما فيه أنه مخل بالخشوع، فالصواب: أن كل ما يشغل البال ويخل بالخشوع؛ فهو مكروه كراهة تنزيه؛ فافهم.
السادس: فيه دليل على أن لمس المرأة غير ناقض للوضوء؛ لأنَّه عليه السلام لمس عائشة وهو في صلاته.
وزعم ابن حجر أنه استدل بقولها: (غمزني) على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء، وتعقب باحتمال الحائل أو بالخصوصية.
قال إمام الشَّارحين: هذا القائل أخذ هذا من الكرماني؛ فإنه قال: (فإن قلت: هل هو دليل على أن لمس النساء لا ينقض الوضوء؟ قلت: لا، لاحتمال أن يكون بينهما حائل من ثوب ونحوه، بل هو الظاهر من حال النائم).
ورده إمام الشَّارحين فقال: هذا الكلام غير موجه، فإن الأصل في الرجل واليد أن يكونا بغير حائل عرفًا، وقوله: (من ثوب
…
) إلى آخره فيه بُعْد، وقوله:(أو بالخصوصية) غير صحيح؛ لأنَّه عليه السلام في هذا المقام في مقام التشريع لا الخصوصية؛ إذ من المعلوم أن الله عصمه في جميع أفعاله وأقواله، وأيضًا مجرد دعوى الخصوصية بلا دليل باطل، فإذا كان الأمر كذلك قام لنا الدليل من الحديث أن لمس المرأة غير ناقض للوضوء، والعناد بعد ذلك مكابرة، انتهى.
قلت: وما زعمه الكرماني وتبعه ابن حجر مبني على تعصبهما؛ لأنَّه إنَّما قالا ذلك؛ ترويجًا لما ذهب إليه إمامهما، وقوله:(لاحتمال أن يكون بينهما حائل) ممنوع؛ لأنَّه لم يدل الدليل على وجود الحائل، فإنه عليه السلام لم يكن من عادته وضع شيء على يديه لا في الصلاة ولا في غيرها، وإن عائشة رضي الله عنها لم يكن على رجليها شيء من الثياب يدل عليه أنه حين غمزها قبضت رجليها عقيبه، ولهذا قالت:(فقبضت رجلي) فصرحت بالفاء التعقيبية؛ يعني: بلا مهلة، وهذا يدل على أنه غمزها؛ يعني: لمس بشرتها، فإنه لو كان حائل؛ لم تستيقظ في الحال، فاستيقاظها في الحال بلا مهلة دليل على ما قلنا.
وقوله: (بل هو الظاهر
…
) إلى آخره ممنوع أيضًا، فأي ظاهر هنا؟ وما هذا إلا أوهى من بيت العنكبوت، بل الظاهر من حالها: عدم الثوب؛ لأنَّ الحر حر الحجاز، وهي والنبيُّعليه السلام في حجرتها، فالقرينة دالة على أنه لم يكن عليها ثوب وإن كان حال النائم الذي في البلاد الباردة التغطية، أما من كان في البلاد الحارة كالحجاز؛ فإنه يشاهد فيها سلفًا وخلفًا قديمًا وحديثًا أن النائم لا يستتر بثوب أصلًا، بل ولا يلبس الشخص حال اليقظة والنوم إلا ثوبًا واحدًا كما هو العادة، فمن أين أتى الكرماني بهذا الكلام الذي لا يقوله من شم شيئًا من رائحة العلم، والعجب من ابن حجر كيف حذا حذوه؟! ولا عجب منه؛ فإنه مشهور بالتعصب والمكابرة والمحاولة التي لا يقبلها طبع سليم، وعلى كل حال؛ فلا عبرة بكلامهما.
وقوله: (أو بالخصوصية) ممنوع؛ فإن الخصوصية لا بد لها من دليل، ولم يوجد دليل على إثباتها، فدعواها باطلة غير مقبولة، وهذا تسليم منه بأنه لم يكن حائل، فلهذا قال (أو بالخصوصية)، وهيهات إثبات دليلها، بل هذا عام فيه عليه السلام وبجميع أمته ممن على الصواب، ولهذا قال إمامنا الشَّارح: فإذا كان الأمر كذلك؛ قام لنا الدليل من الحديث أن لمس المرأة غير ناقض للوضوء، والعناد بعد ذلك مكابرة.
قلت: ولنا أدلة أخرى من الكتاب والسنة على ذلك ستأتي في مواضعها، فظهر أن مذهبنا هو الصواب؛ فليحفظ.
السابع: فيه جواز الصلاة على الفراش، والباب معقود لذلك، واختلفوا في الصلاة على الفراش وشبهه، ومذهب الإمام الأعظم وأصحابه والشافعي: أنها تجوز على البساط والطنفسة والفراش إذا كان يجد حجم الأرض عند السجود، وروى ابن أبي شيبة عن أبي الدرداء، ولفظه:(ما أبالي لو صليت على ستِّ طنافس بعضها فوق بعض) قال: (وصلى ابن عباس على مسح وعلى طنفسة قد أطبقت البيت صلاة المغرب)، وكذلك فعله أبو وائل، وعمر بن الخطاب، وعطاء، وسعيد بن جبير، وقال الحسن: لا بأس بالصلاة على الطنفسة، وصلى قيس بن عباد على لبد دابته، وكذلك مرة الهمداني، وصلى عمر بن عبد العزيز على المسح، وكذلك جابر بن عبد الله، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم.
قلت: ففعل هؤلاء الصحابة وغيرهم من غير إنكار أحد دليلٌ على جواز الصلاة من غير كراهة.
وزعم أصحاب مالك أن الصلاة على الطنفسة وشبهها مكروهة، وقال مالك: البساط الصوف والشعر وشبهه إذا وضع المصلي جبهته ويديه على الأرض؛ فلا أرىبالقيام عليها بأسًا، فكأنه يريد أنه مكروه.
وذكر ابن أبي شيبة عن جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم عن الأسود وأصحابه أنَّهم كانوا يكرهون أن يصلوا على الطنافس والفراء والمسوح، وقال ابن ابي شيبة: حدثنا ابن علية عن يونس عن الحسن (أنه كان يصلي على طنفسة وقدماه
(1)
في الأصل: (واهي)، والمثبت هو الصواب.
وركبتاه عليها، ويداه وجبهته على الأرض).
وعن ابن سيرين وابن المسيب وقتادة: أن الصلاة على الطنفسة محدث، وكره الصلاة على غير الأرض عروة بن الزبير، وجابر بن زيد، وابن مسعود، ونهى أبو بكر عن الصلاة على البرادع.
قلت: وكل هذا خلاف ما روي عن النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله، وقد سبق في الصحيح من حديث ميمونة قالت: وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصلي على الخمرة.
وقال أبو نعيم: حدثنا زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس:(أن النبيَّ الأعظم صلى الله عليه وسلم صلى على بساط)، وحدثنا زمعة عن عمرو بن دينار، عن كريب، عن أبي معبد، عن ابن عباس قال:(قد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على بساط) انتهى.
قلت: فهذا دليل على جواز الصلاة على غير الأرض بدون كراهة، وهو شامل لما كان جميع أعضائه على الطنفسة ونحوها، فظهر أن الأفضل الصلاة على الأرض، أو على ما تنبته الأرض؛ كما فعله الشَّارع، وليس بعد النص إلا الرجوع إليه؛ فافهم.
[حديث: أن رسول الله كان يصلي وهي بينه وبين القبلة
على فراش أهله]
383 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ)؛ بضم الموحدة مصغرًا: هو أبو زكريا القرشي المخزومي المصري (قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ)؛ بالمثلثة هو ابن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري من تابع التابعين، ولهذا كان من أتباع الإمام الأعظم؛ لأنَّه رئيس التابعين رضي الله عنهما، (عَنْ عُقَيْلٍ)؛ بضم العين المهملة وفتح القاف مصغرًا: هو ابن خالد بن عَقيل؛ بفتح العين المهملة، الأيلي القرشي الأموي، (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدني تابعي صغير، ونسبه لجده الأعلى؛ لشهرته به (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عُرْوَةُ)؛ بضم العين المهملة هو ابن الزبير- بضم الزاي- ابن العوام: (أَنَّ عَائِشَةَ) هي الصديقة بنت الصديق الأكبر رضي الله عنهما (أَخْبَرَتْهُ) أي: أخبرت عروة فقالت له: (أَنَّ رَسُولَ الله ِصلَّى الله عليه وسلَّم كَانَ يُصَلِّي) أي: في حجرتها، زاد مسلم:(يصلي صلاته كلها من الليل)، وفي لفظ:(وسط السرير)، وفي لفظ:(وأنا حذاؤه وأنا حائض)، وربما قالت: أصابني ثوبه إذا سجد، وفي لفظ:
(على مرط، وعليه بعضه)(وَهْيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ)؛ أي: والحال أن عائشة بين النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم وبين موضع سجوده (عَلَى فِرَاشِ أَهْلِهِ) وفي لفظ: (وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة تكون لي الحاجة، فأكره أن أقوم فأستقبله فأنسل انسلالًا من قبل رجليه)، وعند أبي داود عنها:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة من الليل وهي معترضة بينه وبين القبلة، راقدة على الفراش الذي ترقد عليه، حتى إذا أراد أن يوتر؛ أيقظها، فأوترت)، وفي لفظ لمسلم:(حتى إذا أراد أن يسجد؛ ضرب رجلي، فقبضتها)، وفي لفظ:(فإذا أراد أن يوتر؛ قال: تنحي).
وقولها: (اعْتِرَاضَ الْجَنَازَةِ) كلام إضافي منصوب بنزع الخافض؛ أي: كاعتراض الجنازة، وهي في الحقيقة صفة لمصدر محذوف؛ تقديره: وهي معترضة بينه وبين القبلة اعتراضًا كاعتراض الجنازة، والمراد: أنها تكون نائمة بين يديه من جهة يمينه إلى جهة شماله كما تكون الجنازة بين يدي المصلي.
والجنازة: رويت بالفتح والكسر، واختار ثعلب في «فصيحه» : كسر الجيم، وحكاه في «نوادره» عن أبي زيد، وكذا عن الدينوري بالكسر لا غير، وحكى المطرزي عن الأصمعي: أن الجنازة بالكسر والفتح، وهما لغتان بمعنًى واحد، وكذا قاله كراع، وفرق ابن الأعرابي بينهما فقال: الجنازة بكسر الجيم: النعش، وبفتحها: الميت، وفي «الصحاح» : العامة تقول: الجَنازة بالفتح، والمعنى: الميت على السرير، وقال أبو علي المرزوقي: الجِنازة بالكسر: اسم المتوفى في الأصل، وقال الخليل: الجِنازة بالكسر: سرير الميت، وقال أبو جعفر: لا يقال للميت: جنازة حتى يكون على نعش، ولا يقال للنعش: جنازة حتى يكون عليها ميت، وقال في «المحكم» : جنز الشيء يجنزه جنزًا: ستره، وقال ابن دريد: إن اشتقاق الجنازة من ذلك، وحكاه عن قوم، وقال: ولا أدري ما صحته، وقيل: إنه نبطي، انتهى «عمدة القاري»
قلت: ومطابقة هذا الحديث للترجمة ظاهرة؛ حيث إنه عليه السلام كان يصلي على فراش أهله، والمراد به: زوجاته الطاهرات رضي الله عنهن، وهو شامل للفراش الذي ينامان عليه وعلى ما يبسط لا للنوم، لكن الظاهر الأول؛ لقوله:(وهي بينه وبين القبلة)، ففيه: دليل على جواز صلاة الرجل إلى المرأة، وأنها لا تقطع صلاته.
وفيه: دليل على أن المرأة لا تبطل صلاة من صلى إليها ولا من مرت بين يديه.
وفيه: دليل جواز الصلاة على الفراش، وكذا كل شيء يبسط إذا كان تستقر عليه الجبهة عند السجود، وفراش النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم وأهله وأصحابه كان مما
(1)
تستقر عليه الجبهة؛ لأنَّه كان رقيقًا، وكان حشوه من الليف كما ثبت في «الصحيح» بخلاف فرش زماننا؛ فإنها ثخينة، وحشوها من القطن، فهي لا تجوز الصلاة عليها؛ لعدم استقرار الجبهة عليها، والناس عنه غافلون؛ فليحفظ.
[حديث: أن النبي كان يصلي وعائشة معترضة بينه وبين القبلة]
384 -
وبالسند إلى المؤلف قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهُ بنُ يُوسُفَ) هو التنيسي المنزل، الدمشقي الأصل، وفي (يوسُف) تثليث السين مع الهمز وتركه، ومعناه بالعبرانية: جميل الوجه (قَالَ: حَدَّثَنا اللَّيثُ) هو ابن سعد المصري الفهمي، (عَن يَزِيدُ) هو ابن أبي حبيب المدني التابعي، (عَن عِراكٍ)؛ بكسر العين وتخفيف الراء المهملتين: هو ابن مالك المدني التابعي، (عَن عُروَةَ)؛ بضم العين المهملة: هو ابن الزُّبير- بضم الزاي- ابن العوَّام -بتشديد الواو- المدني التابعي، ففي إسناده ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض:(أَنَّ النبيَّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم كَانَ) أي: على الدوام والاستمرار (يُصَلِّي) أي: صلاته من الليل كما في الروايات السابقة (وَعَائِشَةُ) أي: زوجته، وهي الصديقة بنت الصديق الأكبر رضي الله عنهما (مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ)؛ أي: والحال أن عائشة معترضة بين النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم وبين موضع سجوده، والمراد: أنها تكون نائمة بين يديه من جهة يمينه إلى جهة شماله كما تكون الجنازة بين يدي المصلي (عَلَى الْفِرَاشِ)؛ بكسر الفاء
(1)
في الأصل: (ممن)، ولعل المثبت هو الصواب.