الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي «الطبقات» : (أهدى النجاشي إلى النبي الأعظم عليه السلام ثلاث عنزات، فأمسك واحدة لنفسه، وأعطى عليًّا واحدة، وأعطى عمر واحدة).
(يستنجي) أي: النبي الأعظم عليه السلام (بالماء) جملة مستأنفة كأن قائلًا يقول: ما كان يفعل بالماء؟ قال: يستنجي به، والحكمة في حمل العنزة: ليصلي إليها في الفضاء، أو ليتقي بها كيد المنافقين واليهود، فإنَّهم كانوا يرومون قتله واغتياله بكل حال، ومن أجل هذا اتخذ الأمراء المشي أمامهم بها، أو للاتقاء من السبع والمؤذيات من الحيوانات، أو لنبش الأرض الصلبة عند قضاء الحاجة خشية عود الرشاش عليه، أو لتعليق الأمتعة بها، أو للتوكأ عليها، كذا في «عمدة القاري» .
وما قاله ابن حجر من أنَّها كانت تحمل ليستتر بها عند قضاء الحاجة، فبعيد؛ لأنَّ ضابط السترة في هذا مما يستر الأسافل، والعنزة ليست كذلك، وكأنَّه فهم ذلك من تبويب المؤلف وهو فهم الأولاد الصغار لا الفحول الكبار، وما ذاك إلا لقصور الذهن والذكاء، وقلة البضاعة والغَناء؛ فافهم.
(تابعه) أي: تابع محمد بن جعفر (النَّضْرُ)؛ بفتح النُّون، وسكون الضَّاد المعجمة: ابن شُميل -بضم المعجمة- المازني البصري أبو الحسن، من تبع التابعين، الساكن بمرو، إمام العربية والحديث، وأول من أظهر السنة بمرو، المتوفى آخر سنة ثلاث أو أربع ومئتين عن نيف وثمانين سنة، (وشاذانُ)؛ بالرفع عطفًا على (النضر)؛ أي: تابع محمدَ بن جعفر شاذانُ، وهو بالشين المعجمة والذال المعجمة، آخره نون، لقب الأسود بن عامر الشامي ثم البغدادي أبو عبد الرحمن، المتوفى سنة ثمان ومئتين، (عن شعبة) فأما متابعة الأول؛ فموصولة عند النسائي، والثانية؛ فموصولة عند المؤلف في (الصلاة) بواسطة، فهي متابعة ناقصة، وفائدتها التقوية، وزعم الكرماني أنَّ الظاهر أنَّه تعليق؛ لأنَّ المؤلف كان ابن تسع سنين حين مات النضر، وزاد في رواية كريمة فقط قوله:(العنزة عصًا) بالتنوين (عليه زُجٌّ)؛ بضم الزاي المعجمة وبالجيم المشددة: السنان، وفي «العباب» : الزجُّ: نصل السهم والحديدة في أسفل الرمح، والجمع: زججة وزجاج، ولا يقال: أزجَّة، والعنزة: اختلف أهل اللغة هل هي قصيرة أو طويلة؟ صحح الأول القاضي عياض، والثاني النووي، وجزم القرطبي بأنَّها عصًا مثل نصف الرمح أو أكثر، وفيها زجٌّ، وقال ابن التين: إنَّها أطول من العصا وأقصر من الرمح وفيه زجٌّ، وتمامه في «عمدة القاري» ؛ فليحفظ.
(18)
[باب النهي عن الاستنجاء باليمين]
هذا (باب النهي) الوارد في الحديث (عن الاستنجاء باليمين)؛ أي: باليد اليمنى، وهل النهي للتنزيه أو للتحريم؟ تردد فيه ابن حجر وبيَّنه في «عمدة القاري» : بأنَّ النهي عند الجمهور للتنزيه، وعند أهل الظاهر أنَّه للتحريم، وهو قول بعض الحنابلة والشافعية، وتمامه فيه؛ فليحفظ.
[حديث: إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء]
153 -
وبه قال: (حدثنا) بالجمع وفي رواية: بالإفراد (مُعاذ) بضم الميم وبالذال المعجمة (ابن فَضَالة)؛ بفتح الفاء والضَّاد المعجمة، البصري الزهراني أبو زيد (قال: حدثنا هشام)؛ بكسر الهاء، ابن عبد الله (هو الدَّسْتوائي)؛ بفتح الدَّال وسكون السين المهملتين، والمثناة فوق، آخره همزة بدون نون، وقيل: بالقصر وبالنُّون؛ نسبة إلى دستوا قرية، وقيد به؛ لإخراج هشام بن حسان؛ لأنَّهما بصريان مشهوران من طبقة واحدة، فقيد به؛ لدفع الالتباس وغرض التعريف، وأتى بهذه العبارة اقتصارًا على ما ذكره شيخه، واحترازًا عن الزيادة على لفظه، وما قيل من أنَّه من كلام المؤلف؛ فبعيد؛ لأنَّه خلاف عادته؛ فافهم.
(عن يحيى بن أبي كثير)؛ بالمثلثة، أبو نصر الطائي، (عن عبد الله بن أبي قتادة) : أبو إبراهيم البلخي، المتوفى سنة خمس وتسعين، وقيل: سنة خمس ومئة، (عن أبيه) وفي رواية:(عن أبي قتادة) بدل (عن أبيه)، واسم أبي قتادة: الحارث، أو النعمان، أو عمرو بن رِبْعي -بكسر الرَّاء وسكون الموحدة-، السَّلَمي -بفتحتين- الخزرجي المدني، المشهور بفارس النبي الأعظم عليه السلام، شهد أحدًا وما بعدها، واختُلِف في شهوده بدرًا، والمشهور: أنه لم يشهدها، فهو صحابي قطعًا، فما زعمه الكرماني من أنَّه تابعي؛ خطأ لا محالة، المتوفى بالمدينة أو بالكوفة سنة أربع وخمسين عن سبعين سنة، (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا شرِب) بكسر الرَّاء (أحدُكم) : فاعله، ومفعوله محذوف؛ ليعم الماء وغيره، أو هو منزل منزلة اللازم؛ (فلا يتنفسْ)؛ بالجزم فيه، وفي الفعلين بعده على النهي وبالرفع فيهما على النفي بمعنى النهي، والتنفس:(تفعل)؛ وهو خروج النفس من الفم، وكل ذي رئة يتنفس، وذوات الماء لا رئات لها، والفاء في جواب الشرط، كما في «عمدة القاري» ، (في الإِناء)؛ بكسر الهمزة: الوعاء، جمعها: آنية، وجمع الآنية: الأواني؛ مثل: سقاء وأسقية وأساقي، وأصله غير مهموز، فأصله: إناي، قلبت الياء همزة؛ لوقوعها في الطرف بعد ألف ساكنة، وهو نهي ويحتمل النفي، وعلى كل فالنهي للأدب؛ لأنَّه إذا فعل ذلك لم يأمن أن يبرز من فيه الريق فيخالط الماء فيعافه الشارب، وربما يروح بنكهة التنفس إذا كانت فاسدة، والماء للطفه ورقة طبعه تسرع إليه الروائح، ثم إنه يعد من فعل الدواب إذا كرعت في الأواني جرعة ثم تنفست فيها ثم عادت فشربت، فإن شرب وتنفس في الإناء من غير أن يَبِيْنَه عن فيه؛ فهو مكروه، أمَّا لو شرب في نفس واحد ولم يتنفس فيه؛ فلا يكره؛ لأنَّه إنَّما نهي عن التنفس في الإناء وهذا ليس كذلك، وكرهه جماعة، وقالوا: إنه شرب الشيطان.
وإنما السنة: أن يشرب الماء في ثلاثة أنفاس، كلما شرب نفسًا من الإناء؛ نحَّاه عن فيه، ثم عاد مصًّا له غير عبٍّ إلى أن يأخذ ريَّه منه، والتنفس خارج الإناء أحسن في الأدب، وأبعد عن الشره، وأخف للمعدة، وإذا تنفس فيه؛ تكاثر الماء في حلقه وأثقل معدته، وربما شرق وأذى كبده، وهو فعل البهائم.
وقد قيل: إنَّ في القلب بابين يدخل النفس من أحدهما ويخرج من الآخر، فينفي ما على القلب من الهمَّ أو القذى، ولذلك لو احتبس النفس ساعة؛ هلك الآدمي، ويخشى من كثرة التنفس في الإناء أن يصحبه شيء مما في القلب فيقع في الماء ثم يشربه فيتأذى به، وقيل: علة الكراهة أن كل عبَّة شربة مستأنفة، فيستحب الذكر في أولها، والحمد في آخرها، فإذا وصل ولم يفصل بينهما؛ فقد أخلَّ بعدَّة سنن، ولم يبيِّن في الحديث عدد التنفس خارج الإناء، وقد بيَّنه في الحديث الآخر بالتثليث، ففي الترمذي محسَّنًا من حديث ابن عباس مرفوعًا:«لا تشربوا واحدًا كشرب البعير، ولكن اشربوا مثنى وثلاثًا، وسمُّوا إذا أنتم شربتم، واحمدوه إذا أنتم رفعتم» .
وقد اختلف العلماء في أيِّ هذه الأنفاس الثلاثة أطول على قولين؛ أحدهما: الأول، والثاني: أن الأول أقصر، والثاني أزيد منه، والثالث أزيد منها، فيجمع بين السنة والطب، وهو الصحيح؛ لأنَّه إذا شرب قليلًا قليلًا؛ وصل إلى جوفه من غير إزعاج، ولهذا جاء في الحديث:«مُصُّوا الماء مصًّا ولا تعبوه عبًّا، فإنَّه أهنأ وأمرأ وأبرأ» .
فإن قلت: قد صح عن أنس: أنه عليه السلام كان يتنفس في الإناء ثلاثًا.
قلت: المعنى: أنه يتنفس في مدة شربه عند إبانة القدح عن الفم لا التنفس في الإناء، لا سيما مع قوله:(هو أهنأ وأمرأ وأبرأ)، وفعله بيان للجواز، أو النهيُّ خاص بغيره؛ لأنَّ ما يتقذر من غيره يستطاب منه.
وهل الحكم مقصور على الماء أم غيره من الأشربة كذلك مثله؟
أجيب: بأن النهي المذكور غير مختصٍّ بشرب الماء، بل غيره من الأشربة، وكذا الطعام مثله، فكره النفخ فيه، والتنفس في معنى النفخ.
وفي «جامع الترمذي» مصحَّحًا عن أبي سعيد الخدري: أنَّه عليه السلام نهى عن النفخ في الشراب، فقال رجل: القذاة أراها في الإناء؟ فقال: «أهرقها» ، قال: فإني لا أروى من نفس واحد، قال:«فأبِنْ القدح إذًا عن فيك» ، ويدل على هذا العموم حذف المفعول في قوله:(وإذا شرب)؛ لأنَّ حذف المفعول ينبئ عن العموم، كما مر؛ فافهم.
(وإذا أتى الخلاء)؛ بالمد، المتوضأ، ويطلق على الفضاء أيضًا؛ أي: للبول كما دلت عليه الرواية الآتية في الباب بعده؛ (فلا) : الفاء في جواب الشرط (يمسَّ)؛ بفتح السين؛ لخفة الفتحة، وكسرها؛ لأنَّ الساكن إذا حرك؛ حرك بالكسر وفك الإدغام، وإنما لم يظهر الجزم فيها؛ لأجل الإدغام، وعند الفك يظهر الجزم، تقول: فلا يمسِس (ذكره
بيمينه)؛ لرفع قدر اليمين، ولأنَّه لو باشر النجاسة بها؛ يتذكر عند تناوله الطعام، وما باشرت يمينه من النجاسة فينفر طبعه من ذلك، والنهي للتنزيه عند الجمهور خلافًا لأهل الظاهر، ولبعض الحنابلة، ولبعض الشافعية، كما مر.
والحديث يقتضي النهي عن مس الذكر باليمين حالة البول فقط، فكيف الحكم في غير هذه الحالة؟
وأجيب: بأنَّه روى أبو داود بسند صحيح من حديث عائشة قالت: (كانت يد رسول الله عليه السلام اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذًى)، وأخرجه بقيَّة الجماعة أيضًا، وروي أيضًا من حديث حفصة زوج النَّبيِّ الأعظم عليه السلام قالت:(كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه، ويجعل شماله لما سوى ذلك)، فظاهر هذا: يدلُّ على عموم الحكم على أنَّه قد روي النَّهي عن مسِّه باليمين مطلقًا غير مقيَّد بحالة البول، فمن النَّاس من أخذ بهذا المطلق، ويدلُّ له حديث الباب الآتي بعده فيشمل الُقُبل والدبر، ومنهم من حمله على الخاص بعد أن نظر في الروايتين، هل هما حديثان أو حديث واحد؟ فإن كانا حديثًا واحدًا مخرجه واحد اختلفت فيه الرواة؛ فينبغي حمل المطلق على المقيَّد؛ لأنَّها تكون زيادة من عدلٍ في حديث واحد، فيقبل، وإن كانا حديثين؛ فالأمر في حكم الإطلاق والتقييد على ما ذكر؛ فافهم.
(ولا يتمسح)؛ أي: لا يستنجي من التفعُّل، أشار به إلى أنَّه لا يتكلَّف المسح (بيمينه)؛ لأنَّ باب التفعل للتكليف غالبًا والنهي فيه للتنزيه عند الجمهور، كما ذكرنا، واستشكل أنه متى استجمر بيساره؛ استلزم مس ذكره بيمينه، ومتى أمسه بيساره؛ استلزم استجماره بيمينه، وكلاهما قد شمله النهي، وأجاب في «البحر الرائق» : بأنَّ الصواب أن يأخذ الذكر بشماله فيمرُّه على جدار أو موضع نائٍ من الأرض، وإن تعذر يقعد ويمسك الحجر بين عقبيه فيمرُّ العضو عليه بشماله، فإن تعذَّر يأخذ الحجر بيمينه ولا يحركه ويمر العضو عليه بشماله.
قال الإمام نجم الدين: وفيما أشار إليه من إمساك الحجر بعقبه حرج وتكلف، بل يستنجي بجدار إن أمكن، وإلا؛ فيأخذ الحجر بيمينه ويستنجي بيساره، انتهى.
وفي «المجتبى» عن «النظم» : أنه يستنجي بثلاثة أمدار، فإن لم يجد؛ فبالأحجار، فإن لم يجد؛ فبثلاثة أكف من تراب لا بما سواها من الخرقة والقطن ونحوهما؛ لأنَّه ورد في الحديث أنه يورث الفقر، انتهى، واعترضه في «الحلية» بأنه مخالف لعامَّة كتب المذهب من أنَّ المكروه المتقوم لا مطلقًا، انتهى، وما أجاب به ابن حجر عن الإشكال؛ فليس بجيد؛ فافهم.
قال في «غاية البيان» : فإن استنجى باليمين؛ يجزئه ويكره.
قال في «البحر» : والتحقيق أنَّ الاستنجاء لا يكون إلا سنة فينبغي أنَّه إذا استنجى بالمنهي عنه ألَّا يكون مقيمًا للسُّنة أصلًا، فقولهم بالإجزاء مع الكراهة تسامح؛ لأنَّ مثل هذه العبارة تستعمل في الواجب وليس به هنا، انتهى.
واعترضه في «النهر» بأنَّ المسنون هو الإزالة، ونحو الحجر لم يقصد لذاته، بل لأنَّه مزيل، غاية الأمر أنَّ الإزالة بهذا الخاص منهي عنها، وذا لا ينفي كونه مزيلًا، ونظيره لو صلَّى السُّنة في أرض مغصوبة؛ كان آتيًا بها مع ارتكاب المنهي عنه، انتهى.
وأصل الجواب مصرح به في «الكافي» حيث قال: لأنَّ النهي في غيره فلا ينفي مشروعيته، كما لو توضأ بماء مغصوب، أو استنجى بحجر مغصوب.
قال شيخ شيخنا: والظاهر: أنه أراد بالمشروعية الصحة، لكن يقال عليه: إنَّ المقصود من السنة الثواب، وهو منافٍ للنهي، بخلاف الفرض، فإنَّه مع النهي يحصل به سقوط المطالبة، كمن توضأ بماء مغصوب؛ فإنَّه يسقط به الفرض وإن أثم، بخلاف ما إذا جدَّد به الوضوء؛ فالظاهر: أنَّه وإن صحَّ لم يكن له ثواب، انتهى.
قلت: وفيه نظر لما قدمنا أنَّ الاستنجاء المسنون: هو إزالة القذر والتنقية، وهو بالمنهي عنه قد أدَّى السنة فيثاب عليه بلا ريب، لكن عليه كراهة من جهة أنَّه قد فعل المنهي عنه، كما إذا توضأ بماء مغصوب؛ فإنَّه يكون آتيًا بالفرض مثابًا عليه من جهة أنَّه قد فعل المأمور به وهو الوضوء، وإن كان عليه كراهة من حيث إنَّه قد فعل المنهي عنه، فالنهي إنَّما هو في معنًى في غيره لا في ذاته، ولا فرق بين الفرض والسُّنة، لا يقال: إن المقصود من السنة: الثواب؛ وهو مناف للنهي؛ لأنَّا نقول: الجهة فيه منفكَّة، فإن فعل السنة؛ يثاب عليها في ذاتها مع قطع النظر عن كونه آتيًا بشيء منهي عنه، وعليه كراهة من حيث إنه أتى بشيء منهي عنه فكيف يقال: إنه لم يكن له ثواب، بل هو مثاب على فعل المأمور به وإن كان ملامًا على فعل المنهي عنه، وكذا تجديد الوضوء يثاب عليه من جهة أنَّه قد فعل قربة، ملامٌ من حيث إنه قد فعل المنهي عنه؛ وهو تجديد الوضوء بماء مغصوب وفضاء واسع، كذا في «منهل الطلاب» .
ويستثنى من النهي بالاستنجاء باليمين ما لو كان في يده اليسرى عذر يمنع الاستنجاء بها، جاز أن يستنجي بيمينه من غير كراهة، كما في «البحر» ، و «الجوهرة» ، و «شرح الهاملية» ، وكذا لو كانت يده اليسرى مشلولة ولم يجد ماءً جاريًا ولا صابًّا؛ ترك الماء، كما في «الدر المختار» ، فإن وجد ماءًا جاريًا؛ دخل فيه وغسل باليمين، أو أخذ منه باليمين وغسل، ثم غسلها في الجاري، أو أخذ ماءًا آخر غسل به إلى أن يطهر، ومثل الجاري الراكد الكثير، كذا في «الحلية» ، وقال في «الإمداد» : فإن وجد صابًّا كخادمٍ وزوجةٍ؛ لا يتركه، انتهى، قلت: وهو خلاف ما يقتضيه الاستثناء؛ فإنَّه يفيد عدم الكراهة باليمين حال العذر، وهو كذلك، فإن حصل عذر باليمين؛ سقط عنه الاستنجاء، كما صرح به في «حواشي الحموي» عن «المحيط» ، والمعتمد أن القادر بقدرة غيره لا يعد قادرًا عند الإمام الأعظم، وعليه الفتوى، خلافًا لصاحبيه.
ولو كانت يداه مشلولتين؛ سقط أصلًا، كما في «الدر»؛ أي: سقط عنه الاستنجاء بالماء والحجر جميعًا؛ كمريض، لما في «الفتاوى التاترخانية» : الرجل المريض إذا لم تكن له امرأة ولا أمة وله ابن أو أخ وهو لا يقدر على الوضوء؛ قال: يوضِّئه ابنه أو أخوه غير الاستنجاء، فإنه لا يمس فرجه، ويسقط عنه، والمرأة المريضة إذا لم يكن لها زوج وهي لا تقدر على الوضوء ولها بنت أو أخت؛ توضِّئها ويسقط عنها الاستنجاء، انتهى، ولا يخفى أن هذا التفصيل يجري فيمن شلت يداه؛ لأنَّه في حكم المريض، كما في «منهل الطلاب» .
(19)
[بابٌ: لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال]
هذا (بابٌ) بالتنوين: (لا يمسكُ) : روي بالرفع على أنَّ (لا) نافية، وبالجزم على أنها ناهية، وفي رواية:(لا يمس)(ذكره إذا بال)، واستشكل بأن حكم هذه الترجمة قد سبق في الحديث السابق، فما فائدة هذه الترجمة؟، وأجيب: بأنَّ فائدتها اختلاف الإسناد مع التنبيه على ما وقع في لفظ المتن من الخلاف، وبيان اختلاف الأحكام من أنَّه في الباب الأول بيان كراهة الاستنجاء باليمين، وهنا على بيان كراهة مس الذكر عند البول، لا يقال: إنَّ النهي المطلق محمول على المقيد؛ لأنَّا نقول: الحاصل من معنى الحديثين واحد، وكلاهما مقيد، فكلاهما في الحقيقة واحد، والمفهوم