الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عند أهل اللغة، وزعم ابن قرقول أنه يكون باليد الواحدة أيضًا) انتهى.
وقال ابن الملقن: (ذكر أهل اللغة أن الحثي باليدين جميعًا) انتهى.
وزعم ابن حجر أن الحثية هي الأخذ باليد الواحدة، انتهى.
قلت: وهو مخالف لما ذكره أهل اللغة.
وقال العجلوني: (هو محمول على ما قاله ابن قرقول، ويحتمل أن اليد للجنس).
قلت: وهو ممنوع، فإن الحمل على ما قاله ابن قرقول غير صحيح؛ لأنَّه قول شاذ لا يعتمد عليه بعد تصريح أهل اللغة أنه باليدين جميعًا.
وقوله: (ويحتمل
…
) إلخ هذا الاحتمال غير صحيح أيضًا؛ لأنَّ (أل) في (اليد) للعهد للقرينة الدالة عليه، وهي قوله:(الأخذ باليد)، فإرادة الجنس في كلام هذا القائل ممنوعة، وتمامه في «إيضاح المرام فيما وقع في الفتح من الأوهام» ؛ فليحفظ.
وزعم ابن حجر أنه وقع في رواية القابسي عن أبي زيد: (يحنى)؛ بنون في آخره بدل الثاء، ورده صاحب «عمدة القاري» ، فقال:(قلت: أمعنت النظر في كتب اللغة فما وجدت له وجهًا في هذا) انتهى.
وقال السفاقسي: (لم أجده في اللغة).
قلت: والظاهر: أنها تحريف من ابن حجر في النقل، ولم يلتفت إلى معناها، بل دأبه النقل من غير تعريض للمعنى؛ فافهم.
(فناداه ربه) سبحانه وتعالى: (يا أيُّوب) يحتمل أن يكون كلَّمه كما كلَّم موسى عليه السلام، وهو أولى بظاهر اللفظ، ويحتمل أن يرسل إليه ملَكًا، فسمي نداء بذلك، كذا قاله في «عمدة القاري» ؛ فافهم؛ (ألم أكن أَغنيتُك)؛ بفتح الهمزة، وبتاء المتكلم (عما ترى)؛ أي: من جراد الذهب؛ لأنَّ الله تعالى قد بسط عليه الدنيا وكانت له الثنية من أرض الشام كلها سهلها وجبلها، وكان له فيها من أصناف المال كله من الإبل، والبقر، والغنم، والخيل، والحمير ما لا يكون لأفضل منه في العدة والكثرة، وكان له خمس مئة فدان يتبعها خمس مئة عبد، لكل عبد امرأة وولد ومال، ويحمل آلة كل فدان أتان، لكل أتان ولد من اثنين وثلاثة، وأعطاه الله أهلًا وولدًا من رجال ونساء، وكان برًّا تقيًّا رحيمًا بالمساكين يطعمهم، ويكفل الأرامل والأيتام، ويكرم الضيف، ويبلغ ابن السبيل، وتمامه في «البغوي» ، (قال) أي: أيُّوب عليه السلام: (بلى؛ وعزتك)؛ أي: بل أغنيتني، قال الكرماني:(ولو قال في مثل هذه المواضع بدل «بلى» «نعم»؛ لا يجوز، بل يكون كفرًا)، قال إمام الشارحين: لأن (بلى) مختصة بإيجاب النفي، و (نعم) مقررة لما سبقها، والمراد في قوله تعالى:{ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172]؛ أي: أنت ربنا، قال المفسرون: لو قالوا: نعم؛ لكفروا، والفقهاء لم يفرقوا بينهما في الأقارير؛ لأنَّ مبناها على العرف، ولا فرق بينهما في العرف، انتهى كلام «عمدة القاري» ، قال في «القاموس» :(بلى) جواب استفهام معقود بالجحد يوجب ما يقال لك، و (نَعَم)؛ بفتحتين، وقد تكسر العين كلمة كـ (بلى) إلا أنه في جواب الواجب) انتهى، (ولكن لا غِنًى)؛ بكسر الغين المعجمة، مقصور منون مرفوع؛ بمعنى:(ليس)، والقصر بدون تنوين مبني بناء على أن (لا) لنفي الجنس، وزعم ابن حجر أنه بالقصر بلا تنوين على أن (لا) بمعنى:(ليس).
ورده صاحب «عمدة القاري» فقال: (قلت: هذا القائل لم يرد الفرق بين (لا) التي بمعنى: (ليس) وبين (لا) التي لنفي الجنس، فإذا كانت بمعنى (ليس)؛ فهو منون مرفوع، وإن كانت بمعنى:(لا) لنفي الجنس؛ يكون مبنيًّا على ما ينصب به ولا تنوين، ويجوز الوجهان هنا ولا فرق بينهما في المعنى؛ لأنَّ النكرة في سياق النفي تفيد العموم.
وقال صاحب «الكشاف» : في أول البقرة قرئ: (لا ريبٌ)[البقرة: 2]؛ بالرفع والفرق بينها وبين القراءة المشهورة أنَّ المشهورة توجب الاستغراق، وهذه تجوزه) انتهى كلامه رضي الله عنه.
وقد حاول العجلوني عبارة ابن حجر ورممها على زعمه فقال: وعبارة ابن حجر هكذا (لا غنى)؛ بالقصر بلا تنوين، ورويناه بالتنوين أيضًا على أن (لا) بمعنى (ليس)؛ انتهى، فزعم العجلوني أن يكون قوله: على أن (لا) بمعنى (ليس) بناء على أنهما روايتان ومعناهما واحد، لكن العاملة عمل (إن) تفيد الاستغراق نصًّا بخلاف مخبرها؛ فإنها تفيده ظهورًا، انتهى.
قلت: وهذا لا ينفعه؛ لأنَّه غير صحيح؛ لأنَّ قوله: (بناء على أنهما روايتان
…
) إلخ متوجه عليه الاعتراض المذكور؛ لأنَّه كما لا يخفى إذا كانت الرواية بدون تنوين؛ فتكون (لا) لنفي الجنس، وإن كانت الرواية بالتنوين؛ فتكون (لا) بمعنى (ليس)، ولم يفرق بينهما ابن حجر، بل جعل (لا) على الروايتين بمعنى:(ليس)، وهو غير صحيح، كما لا يخفى.
وقوله: (ومعناهما واحد) غير صحيح من حيث الإعراب، وإن كان صحيحًا من حيث المعنى، والكلام الآن في الإعراب، ومفاد كلامه أن ابن حجر بنى كلامه على المعنى لا على الإعراب وهو غير صحيح، فإن هذا حل إعراب لا حل معنى، على أنه فيه خلط المعنى بالإعراب.
وقوله: (لكن
…
) إلخ هذا وجه إفادة الجنس تارة ينفي استغراقًا، وتارة ظهورًا، وهو حل معنى الجنس ولا كلام فيه، وعلى كلٍّ؛ فقد أكثر العجلوني من المحاولة والمكابرة بالمحسوس، وكأن ابن حجر معصوم لا يطرأ عليه نقص ولا خطأ، فيتصدر إلى بيان ما أخلط وأخبط، وقال ولا يدري ما يقول، وهذا من شدة التعصب والتعنت؛ فافهم، ولا تكن من المتعصبين المتعنتين المطرودين؛ فافهم.
(بي) بالموحدة، وفي بعض النسخ باللام (عن بركتك)؛ أي: عن خيرك الكثير، فإن البركة كثرة الخير، كذا قاله في «عمدة القاري» ، ثم قال: فإن قلت: خبر «لا» ما هو؟ هل هو لفظ «بي» أو «عن بركتك» ؟ قلت: يجوز كلاهما، والمعنى صحيح على التقديرين، قال ابن بطال:(في حديث موسى وأيُّوب دليل على إباحة التعري في الخلوة للغسل وغيره بحيث يأمن أعين الناس؛ لأنَّهما من الذين أمرنا الله أن نقتدي بهداهم، ألا ترى أن الله عاتب أيُّوب على جمع الجراد، ولم يعاتبه على اغتساله عريانًا، ولو كلف الله عباده الاستتار في الخلوة؛ لكان في ذلك حرج على العباد إلا أنه من الأدب) انتهى.
قلت: ففيه: المطابقة للترجمة من حيث اغتساله عريانًا، لكن ليس فيه ذكر أنه كان وحده، كما ذكر في حديث موسى، لكنه أليق به للأدب، وفيه: دليل على أن ستر العورة مباح لا واجب، ولو كان واجبًا؛ لما فعله موسى وأيُّوب، ويدل لذلك معاتبة الله لأيُّوب في جمع الجراد، وعدم معاتبته في الاغتسال عريانًا، فلو كان واجبًا؛ لعاتبه، كما لا يخفى، وهو عام يشمل الخلوة، والصحراء، والبساتين عند الأنهار والبحور، كما لا يخفى.
وفيه: دليل على جواز الحرص على المال الحلال، وفيه: فضل الغني؛ لأنَّه سماه بركة، ومحال أن يكون أيُّوب عليه السلام أخذ هذا المال حبًّا للدنيا، وإنما أخذه، كما أخبر هو عن نفسه؛ لأنَّه بركة من ربه تعالى؛ لأنَّه قريب العهد بتكوين الله عز وجل، أو أنه نعمة جديدة خارقة للعادة، فينبغي تلقيها بالقبول، ففي ذلك شكر لها وتعظيم لشأنها، وفي الإعراض عنها كفر بها، وفيه: جواز الحلف بصفة من صفات الله تعالى، وفيه: فضل الكفاف على الفقر؛ لأنَّ أيُّوب عليه السلام لم يكن ذلك مفاخرة ولا مكاثرة، وإنما أخذه؛ ليستعين به فيما لا بد له منه، ولم يكن الرب عز وجل يعطيه ما ينقص به حظه، والله أعلم.
وهل الغني الشاكر أفضل أم الفقير الصابر أفضل؟ فيه خلاف والجمهور: على أن الأول أفضل؛ لأنَّه مؤدٍّ حقَّين لله تعالى؛ حق المال إلى الفقراء بالتصدق، وحق النعمة وهو الشكر لله عز وجل، وسيأتي بيانه.
(ورواه) أي: روى هذا الحديث المذكور (إبراهيم)؛ هو ابن طَهْمان -بفتح الطاء المهملة، وسكون الهاء-، الخرساني أبو سَعِيْد، مات بمكة سنة ثلاث وستين ومئة، (عن موسى بن عُقْبَة)؛ بضمِّ العين المهملة، وسكون القاف، وفتح الموحدة، التابعي، (عن صَفْوان)؛ بفتح الصاد المهملة، وسكون الفاء (بن سُلَيم)؛ بضمِّ السين المهملة، وفتح اللام، التابعي المدني أبو عبد الله، يقال: إنه لم يضع جنبه على الأرض أربعين سنة، وكان لا يقبل جوائز السطان، وقال أحمد:(يستنزل بذكره القطر)، مات بالمدينة عام اثنين وثلاثين ومئة، (عن عطاء) بالمد (بن يَسَار)؛ بفتح التحتية، وتخفيف السين المهملة، ضد اليمين، (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه، (عن النبيِّ) الأعظم صلى الله عليه وسلم أنه زاد في رواية:(قال) : (بينا)؛ بالألف بدون الميم (أيُّوب) عليه السلام اسم أعجمي مبتدأ (يغتسل)؛ أي: من الجنابة، جملة محلها الرفع خبر (عُرْيانًا)؛ بضمِّ العين المهملة، وسكون الراء، منصوب على الحال؛ أي: متجردًا عن ثيابه، ومن المئزر كما هو ظاهر اللفظ، وظاهره أنه لم يكن في خلوة؛ لما أن ستر العورة ليس بواجب في عندهم يومئذٍ؛ لأنَّه لو كان واجبًا؛ لما فعله، ولكان عاتبه ربه على تركه
…
إلى آخر الحديث السابق.
قال في «عمدة القاري» : وقوله: (بينا أيُّوب
…
) إلخ بدل من الضمير المنصوب في قوله: (ورواه إبراهيم)، وهذه الرواية موصولة أخرجها النسائي عن أحمد بن حفص، عن إبراهيم، وأخرجه الإسماعيلي أيضًا، ولما ذكره الحميدي قال عطاء تعليقًا عن أبي هريرة، ثم قال:(لم يزد؛ يعني: البخاري على هذا اللفظ من رواية عطاء، وقد أخرجه ولم يذكر اسم شيخه وأرسله، وقال الكرماني: (وإنما أخر الإسناد عن المتن لعل له طريقًا أخرى غير هذا الطريق تركها، وذكره تعليقًا لغرض من الأغراض التي للتعليق)، وقوله:(ورواه إبراهيم) إشعار بهذا الطريق الآخر، وهذا أيضًا تعليق؛ لأنَّ البخاري لم يدرك عصر إبراهيم، لكنه نوع آخر منها، فلا يكون فيه تأخير الإسناد، وكذا لو قلنا:(وعن أبي هريرة) من تتمة كلامهما؛ فلا يكون تأخيرًا أيضًا؛ لأنَّه يكون مذكورًا للتقوية والتأكيد، ثم إن المحدثين كثيرًا منهم يذكر الحديث أولًا، ثم يأتي بالإسناد، لكن
(21)
[باب التستر في الغسل عند الناس]
هذا (باب) حكم (التَّستُّر) بفتح الفوقية الأولى، وضم الثانية مع التشديد (في الغُسل) بضمِّ الغين المعجمة؛ أي: من الجنابة وغيرها (عن) وفي رواية: (عند)، وفي أخرى:(من)(الناس) قال العجلوني: (وهذا الباب يقابل الباب السابق) انتهى.
قلت: الباب السابق ذكر فيه بيان الغسل عريانًا وحده مطلقًا، كما أشار إليه حديث موسى، وحديث أيُّوب، وهذا الباب ذكر فيه بيان الغسل بالسترة في حضرة الناس، وحكم التستر في الغسل من الناس؛ لأنَّ ما ذكره في الباب الأول حكم شريعة موسى وغيره من عدم وجوب ستر العورة عن الناس، ويذكر هنا أن سترها واجب، إذا علمت هذا؛ ظهر لك وجه المناسبة بين البابين، وظهر لك فساد ما قاله العجلوني؛ فافهم.
[حديث: ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل]
280 -
وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن مَسَلَمَة)؛ بفتح الميم واللام، بينهما سين مهملة ساكنة، زاد ابن عساكر:(ابن قعنب)، (عن مالك)؛ هو ابن أنس الأصبحي، (عن أبي النَّضْر)؛ بفتح النون، وسكون الضاد المعجمة، واسمه سالم بن أبي أمية (مولى عمر)؛ بدون الواو (بن عبيد الله)؛ بالتصغير، التابعي:(أن أبا مُرَّة)؛ بضمِّ الميم، وتشديد الراء (مولى أم هانئ)؛ بالنون وبهمزة في آخره، منونًا، زاد في رواية:(بنت أبي طالب)، وكنيت باسم ابنها، واسمها: فاختة، وقيل: عاتكة بالمهملة والفوقية، وقيل: فاطمة، وقيل: هند، وقيل: جمانة، وقيل: رملة، والأول هو المشهور، وهي أخت علي بن أبي طالب رضي الله عنه، خطبها النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم فقالت: والله إني لأحبك في الجاهلية، فكيف في الإسلام؟ ولكني امرأة مصبية، فسكت رسول الله عليه السلام، أسلمت عام الفتح، وتقدم في باب (من قعد حيث ينتهي به المجلس) أن أبا مرة مولى عَقيل بن أبي طالب، وأجاب في «عمدة القاري» :(بأنه هو مولى أم هانئ، ولكن لشدة ملازمته وكثرة مصاحبته لعَقيل؛ نسب إليه، وقيل: كان مولى لهما) انتهى.
وزعم العجلوني بأن مولى أحد الفريقين قد يصير مولًى للآخر.
قلت: وهذا غير صحيح؛ لأنَّه إذا كان مولًى لأحدهما، كيف يكون مولًى للآخر؟ وما هذا إلا تناقض وخروج عن الدائرة؛ فافهم.
(أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب)؛ هو ابن عبد المطلب بن هاشم الهاشمية ابنة عم النبيِّ الأعظم صلى الله عليه وسلم (تقول)؛ بالفوقية، جملة محلها النصب على الحال:(ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح)؛ أي: فتح مكة، وكان في رمضان سنة ثمان، (فوجدته) عليه السلام؛ بتاء المتكلم (يغتسل) جملة محلها النصب على أنها مفعول ثان لـ (وجدت)، واغتساله عليه السلام إنَّما كان عن جنابة كما هو الظاهر، وزعم العجلوني أنه لدخول مكة) انتهى.
قلت: هو يحتاج إلى دليل، وقرائن الأحوال تدل على أنه للجنابة؛ فافهم.
(وفاطمة)؛ أي: ابنته عليه السلام ورضي عنها (تَسْتُره)؛ بفتح الفوقية الأولى، وسكون المهملة، وضم الفوقية الثانية؛ أي: عن الناس، (فقال) أي: النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل: (من هذه؟) قال في «عمدة القاري» : (يدل على أن الستر كان كثيفًا وعرف أيضًا أنها امرأة؛ لكون ذلك الموضع لا يدخل عليه فيه الرجال) انتهى، وهذا يقتضي أنه كان بعد نزول آية الحجاب.
(قلت) وفي رواية: (فقلت)؛ بتاء المتكلم: (أنا أم هانئ) ولما اتبعت أنا بأم هانئ؛ زال الالتباس، فلا يقال: كيف قالت: (أنا)، وقد جاء النهي عنه؛ لأنا نقول: إنه محمول على ما إذا لم يذكر بعده ما يزيل الالتباس.
قال في «عمدة القاري» : وفي الحديث: دليل على وجوب الاستتار في الغسل عن أعين الناس، فكما لا يجوز لأحد أن يبدي عورته لأحد من غير ضرورة، فكذلك لا يجوز له أن ينظر إلى فرج أحد، وهذا قول الإمام الأعظم، ومالك، والثوري، والشافعي، واختلفوا إذا نزع مئزره، ودخل الحوض، وبدت عورته عند دخوله، فقال الإمام الأعظم، والثوري:(لا تسقط شهادته بذلك ويعذر به؛ لأنَّه لا يمكن التحرُّز عنه)، وقال مالك والشافعي:(تسقط شهادته).
وأجمع العلماء على أن للرجل أن يرى عورة أهله وترى عورته، وفيه ما قال النووي: فيه: دليل على جواز اغتسال الإنسان بحضرة امرأة من محارمه إذا كان يحول بينه وبينها ساتر من ثوب أو غيره) انتهى.
قلت: وفيه: المطابقة للترجمة، كما لا يخفى، والمراد بسقوط الإزار المذكور أنه إذا سقط من غير تعمُّد واستتر فورًا؛ لا إثم عليه، ولا ترد به شهادته، وهو مذهب الإمام الأعظم، وأصحابه، والشافعي، والثوري، وقد نقل ابن بطال عن الشافعي:(أنه إذا بدت عورته عند دخول الحوض؛ ترد شهادته)، فاعترضه العجلوني بأن مذهب الشافعي:(أنه إذا سقط من غير تعمد واستتر فورًا؛ لا إثم عليه، ولا ترد شهادته)، والعجب من عدم اعتراضه كالكرماني عليه؛ فاعرفه.
قلت: لا عجب في عدم الاعتراض، فإنه ليس جميع المؤلفين مثلك في التعصب والتعنت، وما قاله ابن بطال وإن كان مطلقًا إلا أن المراد به التقييد المذكور؛ لأنَّه لو استتر فورًا وكان سقط إزاره من غير تعمد؛ لا يسع أحدًا أن يقول بتأثُّمه ورد شهادته، فالكرماني لا ريب أنه أعلم وأحرى للأحكام من هذا القائل؛ فاعرفه فافهم، والله أعلم.
[حديث: سترت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل من الجنابة]
281 -
وبه قال: (حدثنا عبدان)؛ هو لقب عبد الله العتكي (قال: أخبرنا عبد الله)؛ هو ابن المبارك (قال: حدثنا)، وفي رواية:(أخبرنا)(سفيان)؛ هو الثوري، وقال الكرماني:(هو ابن عيينة)، وقدمنا في أول أبواب (الغسل) ما يرجح الأول، لا يقال: الالتباس في أحدهما يقدح في الحديث؛ لأنا نقول: لا قدح؛ لأنَّ كلًّا منهما على شرط المؤلف؛ فافهم، (عن الأعمش) هو سليمان بن مهران، (عن سالم بن أبي الجَعْد) بفتح الجيم، وسكون العين المهملة، (عن كُريب) بضمِّ الكاف؛ مصغرًا، مولى ابن عباس، (عن ابن عباس)؛ هو عبد الله رضي الله عنهما، (عن) خالته (مَيمُونة)؛ بفتح الميم الأولى، وضم الثانية، أم المؤمنين بنت الحارث رضي الله عنها (قالت: سترت النبيَّ) الأعظم، وفي رواية:(رسول الله) صلى الله عليه وسلم؛ أي: بثوب (وهو يغتسل من الجنابة) جملة اسمية محلها النصب على الحال، وزعم العجلوني أن هذا الحديث مر في باب (من أفرغ بيمينه على شماله) بلفظ:(وسترته)، فالضمير فيه عائد إلى النبيِّ عليه السلام بدليل ما هنا من التصريح بقولها:(سترت النبيَّ عليه السلام، وبه يظهر ما قلناه هناك من المناقشة مع الشراح؛ حيث جعلوه عائدًا على الإناء الذي دل عليه (غسلًا) المتقدم، والعجب منهم حيث غفلوا عما هنا أو أهملوه) انتهى.
قلت: حفظت شيئًا وغابت عنك أشياء، فإن الشراح لم يغفلوا ولم يهملوه؛ لأنَّ لفظ الحديث هناك:(قالت ميمونة: وضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسلًا وسترته)، زاد في باب (نفض اليدين بثوب)، والقاعدة: أن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور، فيتعين أن يكون الضمير عائدًا على الإناء الذي فيه الماء؛ لأنَّ قولها:(غُسلًا)؛ بضمِّ الغين المعجمة؛ الماء الذي يغتسل به؛ يعني: