الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع
في محاسبة ناظر الوقف
يقسم الفقهاء اليد إلى قسمين: يد أمانة، ويد ضمان.
ويد الأمانة: حيازة الشّيء أو المال، نيابةً لا تملّكًا، كيد المودع، والمستعير، والشّريك، والمضارب، وناظر الوقف، والوصيّ.
ويد الضمان: حيازة المال للتّملّك أو لمصلحة الحائز، كيد المشتري، والقابض على السوم، والغاصب، والمقترض.
وحكم يد الأمانة، أنّ واضع اليد أمانةً، لا يضمن ما هو تحت يده، إلاّ بالتّعدّي أو التّقصير، كالمودَع.
وحكم يد الضّمان، أنّ واضع اليد على المال، يضمنه في كلّ حال.
[م-1604] والسؤال: إذا كانت يد الناظر يد أمانة، فهل يقبل قوله بلا بينة ولا يمين في دفع المال إلى المستحقين، وفي الإنفاق على الوقف من عمارة وأجرة عمالة، ونحوها؟
في ذلك خلاف بين العلماء تفصيله على النحو التالي:
القول الأول: مذهب الحنفية:
لو ادعى المتولي الدفع، وكان معروفًا بالأمانة فقد اتفق الحنفية على أنه لا يكلف البينة على الدفع؛ لأنه أمين، واختلفوا في توجيه اليمين إلى ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يقبل قوله بلا يمين مطلقًا؛ لأن كل أمين ادعى إيصال الأمانة إلى
مستحقيها قبل قوله، كالمودع إذا ادعى الرد، والوكيل والناظر إذا ادعى الصرف إلى الموقوف عليهم.
جاء في الدر المختار: «لو ادعى المتولي الدفع قبل قوله بلا يمين»
(1)
.
وجاء في تنقيح الفتاوى الحامدية: «سئل من قاضي الشام سنة 1153 في صرف الناظر للمستحقين قبل عزله وبعده، وكذا لأرباب الوظائف هل يقبل قوله في ذلك بيمينه أو لا؟
الجواب: الذي صرحوا به أنه يقبل قوله فيما يدعيه من الصرف على المستحقين بلا بينة؛ لأن هذا من جملة عمله في الوقف وأفتى به التمرتاشي - رحمه الله تعالى - وقال: واختلفوا في تحليفه واعتمد شيخنا في الفوائد أنه لا يحلف. اهـ .... وفي حاشية الحموي على الأشباه
…
والظاهر من كلام صاحب القنية أن عدم التحليف إنما هو في غير ما إذا اتهمه القاضي، ولا يدعى عليه شيء معين وفيما ليس هناك منكر معين ....
وفيها أيضا من باب الأمانات: الناظر إذا ادعى الصرف قال بعض الفضلاء ـ يعني الخير الرملي ـ ينبغي أن يقيد ذلك، بأن لا يكون الناظر معروفًا بالخيانة كأكثر نظار زماننا. اهـ ..
وأفتى المولى أبو السعود بأنه إذا كان مفسدًا مبذرًا لا يقبل قوله بصرفه مال الوقف بيمينه. اهـ»
(2)
.
وفيها أيضًا نقلًا عن القنية: «إن كان معروفًا بالأمانة لا يحتاج إلى اليمين،
(1)
. حاشية ابن عابدين (4/ 448).
(2)
. تنقيح الفتاوى الحامدية (1/ 201).
وأفتى الشيخ إسماعيل بأنه يقبل قوله من غير يمين، ويكتفى منه بالإجمال، ولا يجبر على التفسير شيئًا فشيئًا. اهـ
وفي الحاوي الزاهدي من كتاب أدب القاضي: أن الوصي بالنفقة على اليتيم أو القيم على الوقف ومال الصبي والوقف في يده أو نحو ذلك من الأمناء بمثل ما يكون في ذلك الباب قبل قوله بلا يمين إذا كان ثقة؛ لأن في اليمين تنفير الناس عن الوصاية، فإن اتهم، قيل: يستحلف بالله ما كنت خنت في شيء مما أخذت به إلخ»
(1)
.
والثاني: يقبل قوله مع يمينه.
جاء في وقف الناصحي نقلًا من البحر الرائق: «إذا أجر الواقف، أو قيمه، أو وصيه، أو أمينه، ثم قال: قبضت الغلة، فضاعت، أو فرقته على الموقوف عليهم وأنكروا، فالقول له مع يمينه»
(2)
.
(3)
.
وجاء في تنقيح الفتاوى الحامدية: «(سئل) في ناظر وقف أهلي ثقة، قبض
(1)
. تنقيح الفتاوى الحامدية (1/ 201).
(2)
. البحر الرائق (5/ 263)، وانظر غمز عيون البصائر (3/ 154).
(3)
. الإسعاف (ص: 255)، وانظر غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر (2/ 329)، مجمع الضمانات (ص: 331)، لسان الحكام (ص: 302)، تنقيح الفتاوى الحامدية (1/ 201).
أجرة داري الوقف، وصرف بعضها في عمارتهما وترميمهما الضروريين اللازمين مصرف المثل في مدة تحتمله، والظاهر لا يكذبه في ذلك فهل يقبل قوله بيمينه في ذلك؟
(الجواب): نعم في فتاوى الكازروني عن الحانوتي القول قوله مع يمينه، كما في الإسعاف
…
»
(1)
.
الثالث: أنه إذا ادعى دفع ما يشبه الأجرة، كالدفع إلى المؤذن والبواب، والخادم وغيرهم من أرباب الوظائف ممن يستحق أجره مقابل عمله لم يقبل قوله بالدفع إلا ببينة، بخلاف الدفع إلى الموقوف عليهم، فيقبل قوله، وبهذا قال أبو السعود من الحنفية، جوابًا على سؤال، وصورته:
«هل إذا ادعى المتولي دفع غلة الوقف إلى من يستحقها شرعًا يقبل قوله في ذلك أم لا؟
الجواب: إن ادعى الدفع إلى من عينه الواقف في الوقف، كأولاده، وأولاد أولاده يقبل قوله، وإن ادعى الدفع إلى الإمام بالجامع والبواب ونحوهما لا يقبل قوله، كما لو استأجر شخصًا للبناء في الجامع بأجرة معلومة، ثم ادعى تسليم الأجرة له، فإنه لا يقبل قوله. انتهى. قال بعض الفضلاء، وهو تفصيل حسن خصوصا في زماننا»
(2)
.
وقد اعترض عليه الرملي من الحنفية:
قال ابن عابدين نقلاً من حاشية الخير الرملي: «والجواب عما قاله أبو السعود: أنها ليس لها حكم الأجرة من كل
(1)
. تنقيح الفتاوى الحامدية (1/ 201).
(2)
. غمز عيون البصائر (3/ 155)، وانظر حاشية ابن عابدين (4/ 448 - 449).