الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الثالث:
القياس على الهدي، فكما أن الرجل إذا أوجب الهدي على نفسه بكلام، أو ساقه، أو قلده، أو أشعره لم يكن له بيعه، ولا هبته، ولا أن يرجع فيه بحجة أنه لمساكين الحرم، ولم يقبضوه، فكذلك الوقف إذا أوجبه على نفسه فقد خرج من ملكه، سواء خرج من يده، أو لم يخرج، والله أعلم
(1)
.
الدليل الرابع:
إذا أوجبنا القبض فإنما نوجبه للأصل (العين الموقوفة) والأصل غير مملوك للموقوف عليه، قبضه أو لم يقبضه، وإذا كان لا يملكه بالوقف فلا معنى لاشتراط قبضه إياه.
°
الراجح:
أن إخراج الوقف من يد الواقف ليس بشرط، وقد ذكر ابن القيم أن ذلك ما اتفق عليه الصحابة، قال رحمه الله: «وهو اتفاق من الصحابة; فإن عمر رضي الله عنه كان يلي صدقته وكذلك الخلفاء الراشدون، وغيرهم من الصحابة، والنبي عليه السلام لما أشار على عمر بوقف أرضه لم يقل له: لا يصح ذلك حتى تخرجها عن يدك، ولا تلي نظرها، وأي غرض للشارع في ذلك؟ وأي مصلحة للواقف، أو للموقوف عليه؟ بل المصلحة خلاف ذلك; لأنه أخبر بماله وأقوم بعمارته، ومصالحه، وحفظه من الغريب، الذي ليست خبرته، وشفقته كخبرة صاحبه، وشفقته ويكفي في صحة الوقف إخراجه عن ملكه وثبوت نظره، ويده عليه، كثبوت نظر الأجنبي ويده ولاسيما إن كان متبرعًا فأي مصلحة في أن يقال له: لا يصح وقفك
(1)
انظر الأم (4/ 54).
حتى تجعله في يد من لست على ثقة من حفظه، والقيام بمصالحه، وإخراج نظرك عنه؟
فإن قيل: إخراجه لله يقتضي رفع يده عنه بالكلية كالعتق.
فالجواب: إذا أعتق العبد خرج عن أن يكون مالًا وصار محررًا محضًا فلا تثبت عليه يد أحد، وأما الوقف فإنه لا بد من ثبوت اليد عليه؛ لحفظه والقيام بمصالحه وأحق ما يثبت عليه يد أشفق الناس عليه، وأقومهم بمصالحه وثبوت يده ونظره لا ينافي وقفه لله فإنه وقفه لله، وجعل نظره عليه، فكلاهما قربة وطاعة فكيف يحرم ثواب هذه القربة، ويقال له: لا يصح لك قربة الوقف إلا بحرمان قربة النظر، والقيام بمصالح الوقف؟ فأي نص، وأي قياس، وأي مصلحة، وأي غرض للشارع أوجب ذلك؟
…
(1)
.
* * *
(1)
سد الذرائع وتحريم الحيل (2/ 262 - 263).