الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهناك من أبطل الوقف عليهم؛ لكونه إعانة على المعصية، وهناك من أجازها لجواز الصدقة عليهم، كما سيأتي تحريره ..
إذا علم ذلك نأتي على أقوال المذاهب في اشتراط القربة في عقد الوقف.
القول الأول:
أن الوقف على الجهة يشترط فيه ظهور القربة، وهذا مذهب الحنفية، والحنابلة، وقول في مذهب الشافعية
(1)
.
بخلاف الوقف على معين، فيصح الوقف ولو لم يكن قربة، إلا أن الحنفية اشترطوا إذا كان الوقف على أغنياء معينين فإنه يجب أن يجعل آخره يؤول إلى الفقراء، حتى لا ينقطع الوقف، كما سبق بحثه.
جاء في الاختيار لتعليل المختار: «ولا يجوز الوقف على الأغنياء وحدهم لأنه ليس بقربة، ولا يستجلب الثواب، وصار كالصدقة، ولو وقف على الأغنياء وهم يحصون ثم من بعدهم على الفقراء جاز، ويكون كما شرط؛ لأنه قربة في الجملة بأن انقرض الأغنياء»
(2)
.
فهذا النص من الحنفية قضى بأمرين:
الأول: منع الوقف على الأغنياء وحدهم، وهذا ظاهر؛ لأنه لا قربة فيه.
الثاني: جواز الوقف على الأغنياء بشرطين:
(1)
. حاشية بن عابدين (4/ 338)، نهاية المطلب (8/ 369)، المغني (6/ 37 - 38)، المبدع (5/ 157).
(2)
. الاختيار لتعليل المختار (3/ 46)، وانظر البحر الرائق (5/ 216).
أحدهما: أن يكونوا محصورين بحيث يمكن احصاؤهم، وهذا هو التعيين، فالوقف على المعين لا يشترط فيه القربة، ولأن الأغنياء إذا لم يكونوا معينين تعذر انتقال الموقوف عليه إلى الفقراء، فإذا قال: وقفت على الأغنياء بلا تعيين، ثم على الفقراء لم ينتقل الوقف إلى الفقراء؛ لأن الأغنياء لا سبيل إلى انقراضهم، فصار حكمه كما لو وقف على الأغنياء وحدهم.
الثاني: أن يكون آخره يراد به القربة حتى يتحقق التأبيد، ولا يكون الوقف على جهة تنقطع.
جاء في حاشية ابن عابدين: «لو وقف على الأغنياء وحدهم لم يجز؛ لأنه ليس بقربة، أما لو جعل آخره للفقراء فإنه يكون قربة في الجملة ..... ولكنه إذا جعل أوله على معينين صار كأنه استثني ذلك من الدفع إلى الفقراء كما صرحوا به»
(1)
.
وقال ابن الهمام في فتح القدير: «ومتى ذكر مصرفًا يستوي فيه الأغنياء والفقراء، فإن كانوا يحصون فذلك صحيح لهم باعتبار أعيانهم، وإن كانوا لا يحصون، فهو باطل إلا إن كان في لفظه ما يدل على الحاجة استعمالًا بين الناس، لا باعتبار حقيقة اللفظ، كاليتامى فالوقف عليهم صحيح ويصرف للفقراء منهم دون أغنيائهم»
(2)
.
فقوله: (فذلك صحيح لهم باعتبار أعيانهم) إشارة إلى أن المعين لا يشترط فيه القربة.
(1)
. حاشية ابن عابدين (4/ 338).
(2)
. فتح القدير (6/ 245).