الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[م-1544] وأما إذا كان الوقف على جهة يجوز انقطاعها بحكم العادة، كما لو وقف على أولاده، أو على فلان من الناس، ولم يجعله بعد ذلك على الفقراء والمساكين فإن ذلك يؤول إلى الانقطاع، فهل يصح الوقف؟
اختلف العلماء في ذلك من حيث الجملة:
القول الأول:
لا يصح الوقف إذا كان على جهة تحتمل الانقطاع، وبه قال أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف، وأحد القولين في مذهب الشافعية
(1)
.
(1)
. لم يختلف القول عن أبي حنيفة ومحمد بن الحسن أن الوقف إذا كان على جهة تنقطع أن الوقف لا يصح، وأما أبو يوسف فاختلف الحنفية في ذكر مذهبه، فبعضهم يذكر أن له قولين في المسألة:
فقد جاء في البزازية نقلاً من حاشية ابن عابدين (4/ 349) «عن أبي يوسف في التأبيد روايتان:
الأولى: أنه غير شرط، حتى إنه لو قال: وقفت على أولادي، ولم يزد، جاز الوقف، وإذا انقرضوا عاد إلى ملكه لو كان حيًا، وإلا فإلى ملك الوارث.
والثانية: أنه شرط، لكن ذكره غير شرط، فتصرف الغلة بعد الأولاد إلى الفقراء». وانظر المبسوط (12/ 41)، البحر الرائق (5/ 214).
وبعضهم يرى أن قول أبي يوسف كقول محمد، وأنهما متفقان على أن التأبيد شرط، وإنما يختلفان: هل يشترط أن ينص صراحة على التأبيد، أو يكفي أن تخلو صيغة الوقف من التوقيت.
قال ابن نجيم في البحر الرائق (5/ 214)«أن الروايتين عنه ـ أي عن أبي يوسف ـ فيما إذا ذكر لفظ الصدقة، أما إذا ذكر لفظ الوقف فلا يجوز اتفاقًا إذا كان الموقوف عليه معينًا» . وانظر حاشية ابن عابدين (4/ 349)، الفتاوى الهندية (2/ 357).
وقال ابن عابدين (4/ 349): «والصحيح أن التأبيد شرط اتفاقًا، لكن ذكره ليس بشرط عند أبي يوسف، وعند محمد لا بد أن ينص عليه» . =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وبناء على هذا التوجيه فإن أبا حنيفة ومحمد بن الحسن يشترطان أن ينص في صيغة الوقف بأن يجعل آخره على جهة لا تنقطع فيقول: وقف على فلان، ثم على الفقراء، فإذا لم يذكر ذلك لم يصح عندهما، وعند أبي يوسف ذكر هذا ليس بشرط، المهم ألا ينص على توقيت الوقف، ويكون بعدها للفقراء وإن لم يسمهم.
جاء في بدائع الصنائع: (6/ 220): «(ومنها) أن يجعل آخره بجهة لا تنقطع أبدا عند أبي حنيفة ومحمد، فإن لم يذكر ذلك لم يصح عندهما، وعند أبي يوسف ذكر هذا ليس بشرط بل يصح وإن سمى جهة تنقطع، ويكون بعدها للفقراء وإن لم يسمهم (وجه) قول أبي يوسف أنه ثبت الوقف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة، ولم يثبت عنهم هذا الشرط ذكرًا وتسمية.
ولأن قصد الواقف أن يكون آخره للفقراء وإن لم يسمهم هو الظاهر من حاله، فكان تسمية هذا الشرط ثابتًا دلالة، والثابت دلالة كالثابت نصًا.
ولهما أن التأبيد شرط جواز الوقف لما نذكر، وتسمية جهة تنقطع توقيت له معنى فيمنع الجواز».
إذا علم هذا نأتي على بعض العبارات عند الحنفية في صحتها، ودلالتها على التأبيد لفظًا أو معنى:
فإذا قال: [أرضي وقف، ولم يعين مصرفًا، ولم يذكر لفظ الصدقة]
فهذه المسألة سبق بحثها، وهي صحيحة عند أبي يوسف؛ لأنصراف الوقف إلى الفقراء عرفًا، فيكون مؤبدًا، ولا تصح عند محمد؛ لعدم دلالتها على التأبيد، فهي وقف منقطع عنده، وليس منقطعًا عند أبي يوسف.
يقابلها: لو قال: [أرضي هذه وقف على فلان، ولم يذكر لفظ الصدقة].
لم تصح بلا خلاف بينهم؛ لأن التأبيد شرط، ولم يثبت لفظًا كما هو شرط محمد، ولم يثبت دلالة كما هو شرط أبي يوسف.
والفرق بين هذه والتي قبلها هو في تعيين الموقوف عليه.
جاء في البحر الرائق (5/ 214): «إذا ذكر لفظ الوقف فقط فلا يجوز اتفاقًا إذا كان الموقوف عليهم معينًا» .
ولو قال: [أرضي هذه صدقة موقوفة، ولم يعين الموقوف عليه].
فهي صحيحة بلا خلاف عند الحنفية؛ لأن لفظ الصدقة إذا لم يعين الموقوف عليه تنصرف إلى الفقراء، وهي جهة لا تنقطع.
ولو قال: [صدقة موقوفة على فلان بتعيين الموقوف عليه]. =
قال الشيرازي: «ولا يجوز إلا على سبيل لا ينقطع، وذلك من وجهين:
أحدهما: أن يقف على من لا ينقرض، كالفقراء، والمجاهدين، وطلبة العلم، وما أشبهها.
والثاني: أن يقف على من ينقرض، ثم من بعده على من لا ينقرض، مثل أن يقف على رجل بعينه، ثم على الفقراء، أو على رجل بعينه، ثم على عقبه، ثم على الفقراء»
(1)
.
وجاء في مغني المحتاج: «يشترط في الوقف أربعة شروط: الأول التأبيد كالوقف على من لم ينقرض قبل قيام الساعة، كالفقراء، أو على من ينقرض، ثم على من لا ينقرض كزيد، ثم الفقراء، فلا يصح تأقيت الوقف»
(2)
.
= ففيها خلاف بين محمد وأبي يوسف، فأبو يوسف يرى صحة الوقف، وتصرف بعد فلان على الفقراء؛ لأن قوله: صدقة يشعر بذلك، فهو على جهة لا تنقطع خلافًا لمحمد.
قال ابن عابدين في حاشيته (4/ 350): «لا خلاف في بطلانه لو اقتصر على لفظ موقوفة مع التعين كموقوفة على زيد، خلافًا لما في البزازية، وإنما الخلاف بينهما لو اقتصر بلا تعيين ـ يعني أرضي وقف ـ أو جمع مع التعيين كصدقة موقوفة على فلان، فعند أبي يوسف: يصح ثم يعود إلى الفقراء وهو المعتمد» . يعني: خلافًا لمحمد حيث يرى أن الوقف لا ينصرف إلى الفقراء، فهو وقف على جهة منقطعة، فلا تصح عنده، والله أعلم.
(1)
. المهذب (1/ 442)، نهاية المطلب (8/ 348)، الحاوي الكبير (7/ 521)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (8/ 67)، روضة الطالبين (5/ 325).
(2)
. مغني المحتاج (3/ 535).