الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الخامس
في اشتراط أن يكون الموقوف معلومًا
[م-1501] تكلمنا في شرط سابق عن خلاف العلماء في اشتراط أن يكون الموقوف عينًا معينة، فإذا تعين الوقف، إلا أنه لم يعلم مقداره، كما لو وقف أرضًا لم يرها، ولم يعلم حدودها، فهذا يصدق على الوقف أنه معين، إلا أنه غير معلوم، وقد اختلف العلماء في صحة هذا الوقف على قولين.
القول الأول:
لا يصح، وهذا مذهب الحنابلة
(1)
.
وعللوا المنع: بأنه وقف مجهول.
القول الثاني:
إن كان المجهول معينًا صح استحسانًا، ولو لم يعلم مقداره، وإن كان غير معين لم يصح للجهالة، وهذا مذهب الحنفية، والشافعية، واختيار الإمام البخاري، وابن تيمية
(2)
.
جاء في حاشية ابن عابدين: «لو وقف شيئًا من أرضه، ولم يسمه لا يصح، ولو بين بعد ذلك، وكذا لو قال: وقفت هذه الأرض أو هذه.
(1)
المحرر (1/ 369)، كشاف القناع (4/ 243).
(2)
البحر الرائق (5/ 203)، حاشية ابن عابدين (4/ 341)، نهاية المحتاج (5/ 362)، وانظر إعانة الطالبين (3/ 159)، صحيح البخاري (4/ 11)، الاختيارات لابن تيمية ـ تحقيق الشيخ أحمد الخليل (ص: 249).
نعم لو وقف جميع حصته من هذه الأرض، ولم يسم السهام جاز استحسانًا، ولو قال: وهو ثلث جميع الدار فإذا هو النصف كان الكل وقفًا
…
أي كل النصف»
(1)
.
قال الشيخ مصطفى الزرقا: «لا يصح وقف الشيء المجهول، كما إذا قال الإنسان: وقفت شيئًا من مالي، أو حصة من داري هذه، ونحو ذلك.
على أنه لو قال: وقفت جميع حصتي من هذه الأرض صح الوقف استحسانًا، وإن لم يذكر مقدارها؛ لأنها معينة في الواقع فيمكن معرفتها دون أن تؤدي إلى اختلاط، واشتباه، والجهالة المانعة إنما هي التي تورث التباسًا في محل الالتزام؛ إذ لا يمكن معه التنفيذ»
(2)
.
وصحح الشافعية وقف المشاع، وإن لم يعلم قدر حصته، وصفتها، وهذا ذهاب منهم إلى صحة وقف المجهول إذا كان معينًا؛ لأن الجهالة إذا اغتفرت في المشاع اغتفرت في غيره من باب أولى.
جاء في نهاية المحتاج: «ويصح وقف عقار
…
ومشاع وإن جهل قدر حصته أو صفتها»
(3)
.
وسوف يأتي إن شاء الله تعالى بحث وقف المشاع في مسألة مستقلة، أسأل الله العون والتوفيق.
وترجم البخاري في صحيحه، فقال: «باب: إذا أوقف أرضًا، ولم يبين
(1)
حاشية ابن عابدين (4/ 341).
(2)
أحكام الأوقاف (ص: 58).
(3)
نهاية المحتاج (5/ 362)، وانظر إعانة الطالبين (3/ 159).
الحدود فهو جائز، وكذلك الصدقة»
(1)
.
ونقل ابن بطال عن المهلب قوله: «إذا لم يبين الحدود في الوقف، فإنما يجوز إذا كان للأرض اسم معلوم يقع عليها، وتتعين به .... وأما إذا لم يكن الوقف معينًا، وكانت له مخاريف، وأموال كثيرة، فلا يجوز الوقف إلا بالتحديد، والتعيين، ولا خلاف في هذا»
(2)
.
وانتقده صاحب المتواري على أبواب البخاري قائلًا: «قوله: ولا خلاف، بل لا خلاف فيما أورده البخاري والله أعلم؛ لأنه إنما تعرض لجواز الوقف، ولقد ثبت أن الوقف على هذه الصورة لازم له، ولو استفتى من وقف بهذه الصيغة المنكرة لفظًا المتعين مقصودها نية، هل يجب عليه تنفيذ الوقف لألزمناه ذلك»
(3)
.
وجاء في الاختيارات لابن تيمية: «قال في المحرر: ولا يصح وقف المجهول. قال أبو العباس: المجهول نوعان: مبهم، فهذا قريب. ومعين مثل دار لم يرها، فمنع هذا بعيد، وكذلك هبته»
(4)
.
وهذا القول هو الصحيح، وأن الجهالة المؤثرة إذا كانت في عين الوقف، وأما الجهالة في مقدار الوقف فلا تضر؛ لأن الجهالة في عقود التبرع مغتفرة؛ ولأنه لا غبن فيها.
(1)
صحيح البخاري (4/ 11).
(2)
شرح البخاري لابن بطال (8/ 188).
(3)
المتواري على أبواب البخاري (ص: 321).
(4)
الاختيارات ـ تحقيق أحمد الخليل (ص: 249).
قال شيخنا ابن عثيمين: «الراجح أنه يصح وقف المعين، وإن كان مجهولًا؛ لأنه تبرع محض إذا أمضاه الإنسان نفذ»
(1)
.
* * *
(1)
الشرح الممتع (11/ 17).