الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
في الوقف المنقطع ابتداء والمتصل انتهاء
[م-1546] مثاله: لو قال: هذا وقف على بناتي، وله بنون فقط، أو العكس، بأن قال: هذا وقف على بني، وله بنات فقط، ثم على المساكين، فهذا وقف منقطع الأول، متصل الآخر.
ومثله الوقف على النفس، ثم على المساكين عند من يمنع الوقف على النفس، فإنه يصدق عليه عنده أنه منقطع الابتداء متصل الانتهاء.
وقد اختلف العلماء في حكم هذا الوقف على قولين:
القول الأول:
يصح الوقف، وينتقل إلى من بعده، وهذا مذهب الحنفية والمالكية، وأحد القولين في مذهب الشافعية، والمذهب عند الحنابلة
(1)
.
°
وجه القول بالصحة:
أن الواقف إذا جمع في وقفه بين من يجوز الوقف عليه، وبين من لا يجوز
(1)
. الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (4/ 470)، الذخيرة للقرافي (6/ 339)، الخرشي (7/ 84)، الفواكه الدواني (2/ 162)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (4/ 116)، المهذب (1/ 442)، الحاوي الكبير (7/ 526)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (8/ 70)، مغني المحتاج (2/ 384)، نهاية المطلب (8/ 373)، روضة الطالبين (5/ 318)، المغني (5/ 365)، شرح منتهى الإرادات (2/ 407)، كشاف القناع (4/ 252)، مطالب أولي النهى (4/ 299).
الوقف عليه صح فيمن يجوز، وبطل فيمن لا يجوز بناء على القول بتفريق الصفقة.
ولا يقال: إن هذه الصفقة جمعت حلالًا وحرامًا فتفسد تقديمًا للحظر على الإباحة؛ فإن هذا مخصوص بعقود المعاوضات؛ لأنها مبنية على التشديد بخلاف عقود التبرعات، فهي مبنية على التسامح والعفو.
على القول بالصحة فقد اختلفوا فيما بينهم، هل ينتقل إلى الثاني في الحال، أم لا؟
فذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه ينتقل إلى من بعده في الحال زاد الحنفية: إن وجد ما ذكر بعد ذلك عاد إليه، فلو وقف على بناته، وله بنون فقط، صرف إلى الفقراء، ثم إذا وجد البنات عاد الوقف إليهن.
جاء في الدر المختار: «ولو قال: على بني وله بنات فقط، أو قال: على بناتي وله بنون، فالغلة للمساكين، ويكون وقفًا منقطعًا، فإن حدث ما ذكر عاد إليه»
(1)
.
قال ابن عابدين تعليقاً: «قوله: (ويكون وقفًا منقطعًا) أي منقطع الأول»
(2)
.
واشترط المالكية للانتقال أن يحوزه الموقوف عليه قبل حصول مانع للواقف من فلس أو جنون، أو موت؛ لأن المالكية يشترطون لنفاذ الوقف أن يحوزه الموقوف عليه.
(1)
. الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (4/ 470).
(2)
. المرجع السابق.
فإن استمر الوقف تحت يد الواقف حتى حصل المانع من موت أو فلس أو جنون بطل الوقف
(1)
.
وحقيقة الحيازة عند المالكية: رفع يد الواقف عن الوقف وتمكين الموقوف عليه من التصرف في الذات الموقوفة بما يجوز للموقوف عليه، أو التخلية بين الشيء الموقوف وبين الناس في نحو المسجد والطاحون، وهذا إذا كان الموقوف عليه أجنبيا، أو ولدًا كبيرًا، ولو سفيهًا بناء على المشهور من اعتبار حيازته.
(2)
.
وجاء في الشرح الكبير: «ولو وقفه على نفسه، ثم على عقبه لرجع بعد موته حبسًا على عقبه إن حازوا قبل المانع» .
(3)
وأما الشافعية على القول بصحة وقف منقطع الابتداء فلهم تفصيل في الانتقال بينه الشيرازي في المهذب، بقوله: «وإن وقف وقفاً منقطع الابتداء متصل
(1)
. الخرشي (7/ 84)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (4/ 116)، الفواكه الدواني (2/ 161).
(2)
. حاشية الصاوي على الشرح الصغير (4/ 116).
(3)
. الشرح الكبير (4/ 81).
الانتهاء بأن وقف على عبد ثم على الفقراء، أو على رجل غير معين ثم على الفقراء ففيه طريقان:
من أصحابنا من قال: يبطل قولاً واحداً؛ لأن الأول باطل، والثاني فرع لأصل باطل فكان باطلاً.
ومنهم من قال فيه قولان: أحدهما أنه باطل لما ذكرناه،
والثاني: أنه يصح؛ لأنه لما بطل الأول صار كأن لم يكن، وصار الثاني أصلاً.
فإذا قلنا: إنه يصح، فإن كان الأول لا يمكن اعتبار انقراضه كرجل غير معين صرف إلى من بعده، وهم الفقراء؛ لأنه لا يمكن اعتبار انقراضه فسقط حكمه.
وإن كان يمكن اعتبار انقراضه كالعبد ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ينقل في الحال إلى من بعده؛ لأن الذي وقف عليه في الابتداء لم يصح الوقف عليه فصار كالمعدوم.
والثاني، وهو المنصوص: أنه للواقف، ثم لوارثه إلى أن ينقرض الموقوف عليه، ثم يجعل لمن بعده؛ لأنه لم يوجد شرط الانتقال إلى الفقراء، فبقي على ملكه.
والثالث: أنه يكون لأقرباء الواقف إلى أن ينقرض الموقوف عليه ثم يجعل للفقراء؛ لأنه لا يمكن تركه على الواقف؛ لأنه أزال الملك فيه، ولا يمكن أن يجعل للفقراء؛ لأنه لم يوجد شرط الانتقال إليهم، فكان أقرباء الواقف أحق.
وهل يختص به فقراؤهم، أو يشترك فيه الفقراء والأغنياء؟ على ما ذكرناه من القولين»
(1)
.
(1)
. المهذب (1/ 442)، وانظر البيان للعمراني (8/ 71).