الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاء في منحة الخالق نقلًا عن الرملي: «يصح أن يكون التشبيه في وجوب العمل أيضًا من جهة أن الصرف في الوقف على اتباع شرطه؛ لأنه إنما أوصى بملكه، فهذه الشروط لابد من مراعاتها»
(1)
.
وقال البهوتي في كشاف القناع بعد أن ذكر رأي ابن تيمية، قال:«فالصحيح أنه في وجوب العمل»
(2)
.
وقال ابن مفلح في المبدع: «ولأن الوقف متلقى من جهته فاتبع شرطه ونصه كنص الشارع»
(3)
.
وجاء في مطالب أولي النهى: «(ويرجع): - بالبناء للمفعول - عند التنازع في شيء من أمر الوقف (وجوبًا لشرط واقف) .... لأن الوقف متلقى من جهته؛ فاتبع شرطه، ونصه كنص الشارع، (ولو) كان الشرط (مباحًا)»
(4)
.
القول الثالث:
أن شرط الواقف كنص الشارع في الفهم والدلالة، لا في وجوب العمل، وهذا اختيار ابن تيمية وابن القيم، وبه أفتى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي البلاد السعودية في عصره.
جاء في الفروع: «قال شيخنا: ـ يعني ابن تيمية ـ قول الفقهاء نصوصه كنصوص الشارع، يعني في الفهم والدلالة، لا في وجوب العمل، مع أن
(1)
. منحة الخالق بهامش البحر الرائق (5/ 265).
(2)
. كشاف القناع (4/ 263)، وانظر مطالب أولي النهى (4/ 320).
(3)
. المبدع (5/ 333).
(4)
. مطالب أولي النهى (4/ 312).
التحقيق أن لفظه، ولفظ الموصي، والحالف، والناذر، وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها، وافقت لغة العرب أو لغة الشارع، أو لا»
(1)
.
قال ابن القيم: «ثم من العجب العجاب قول من يقول: إن شروط الواقف كنصوص الشارع، ونحن نبرأ إلى الله من هذا القول، ونعتذر مما جاء به قائله، ولا نعدل بنصوص الشارع غيرها أبدًا، وإن أحسن الظن بقائل هذا القول حمل كلامه على أنها كنصوص الشارع في الدلالة، وتخصيص عامها بخاصها، وحمل مطلقها على مقيدها، واعتبار مفهومها كما يعتبر منطوقها، وأما أن تكون كنصوصه في وجوب الاتباع وتأثيم من أخل بشيء منها فلا يظن ذلك بمن له نسبة ما إلى العلم، فإذا كان حكم الحاكم ليس كنص الشارع، بل يرد ما خالف حكم الله ورسوله من ذلك، فشرط الواقف إذا كان كذلك كان أولى بالرد والإبطال
…
»
(2)
.
وقال ابن تيمية: اتفق المسلمون على أن شروط الواقف تنقسم إلى صحيح وفاسد، كالشروط في سائر العقود. ومن قال من الفقهاء: إن شروط الواقف نصوص كألفاظ الشارع، فمراده: أنها كالنصوص في الدلالة على مراد الواقف؛ لا في وجوب العمل بها: أي أن مراد الواقف يستفاد من ألفاظه المشروطة؛ كما يستفاد مراد الشارع من ألفاظه؛ فكما يعرف العموم والخصوص، والإطلاق والتقييد، والتشريك والترتيب في الشرع من ألفاظ الشارع، فكذلك تعرف في
(1)
. الفروع (4/ 601 - 602)، الإنصاف (7/ 56)، الإقناع في فقه الإمام أحمد (3/ 11).
(2)
. أعلام الموقعين (1/ 238).
الوقف من ألفاظ الواقف، مع أن التحقيق في هذا: أن لفظ الواقف، ولفظ الحالف، والشافع، والموصي، وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها؛ سواء وافقت العربية العرباء؛ أو العربية المولدة؛ أو العربية الملحونة؛ أو كانت غير عربية، وسواء وافقت لغة الشارع؛ أو لم توافقها؛ فإن المقصود من الألفاظ دلالتها على مراد الناطقين بها؛ فنحن نحتاج إلى معرفة كلام الشارع لأن معرفة لغته، وعرفه، وعادته تدل على معرفة مراده، وكذلك في خطاب كل أمة وكل قوم؛ فإذا تخاطبوا بينهم في البيع والإجارة، أو الوقف، أو الوصية، أو النذر أو غير ذلك بكلام رجع إلى معرفة مرادهم، وإلى ما يدل على مرادهم من عادتهم في الخطاب؛ وما يقترن بذلك من الأسباب. وأما أن تجعل نصوص الواقف أو نصوص غيره من العاقدين كنصوص الشارع في وجوب العمل بها؛ فهذا كفر باتفاق المسلمين؛ إذ لا أحد يطاع في كل ما يأمر به من البشر - بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم والشروط إن وافقت كتاب الله كانت صحيحة، وإن خالفت كتاب الله كانت باطلة. كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب على منبره وقال:(ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل. وإن كان مائة شرط كتاب الله أحق؛ وشرط الله أوثق) .....
وإذا كانت شروط الواقف تنقسم إلى صحيح وباطل: بالاتفاق؛ فإن شرط فعلا محرمًا ظهر أنه باطل؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وإن شرط مباحًا لا قربة فيه كان أيضا باطلًا؛ لأنه شرط شرطًا لا منفعة فيه لا له، ولا للموقوف عليه؛ فإنه في نفسه لا ينتفع إلا بالإعانة على البر والتقوى، وأما بذل المال في مباح في حياته فله فيه منفعة، أما بعد الموت، فالواقف