الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي تحفة المحتاج: «يقع لكثيرين أنهم يقفون أموالهم في صحتهم على ذكور أولادهم قاصدين بذلك حرمان إناثهم، وقد تكرر من غير واحد الإفتاء ببطلان الوقف حينئذ، وفيه نظر ظاهر، بل الوجه الصحة.
أما أولا: فلا نسلم أن قصد الحرمان معصية، كيف، وقد اتفق أئمتنا كأكثر العلماء على أن تخصيص بعض الأولاد بماله كله أو بعضه هبة أو وقفًا أو غيرهما لا حرمة فيه، ولو لغير عذر، وهذا صريح في أن قصد الحرمان لا يحرم؛ لأنه لازم للتخصيص من غير عذر وقد صرحوا بحله كما علمت.
وأما ثانيا: فبتسليم حرمته، هي معصية خارجة عن ذات الوقف، كشراء عنب بقصد عصره خمرًا فكيف يقتضي إبطاله»
(1)
.
القول الثاني:
يحرم تخصيص البنين دون البنات، ويجب رده إن وقع.
روي ذلك عن عائشة رضي الله عنها، وطاووس، وعمر بن عبد العزيز، واختاره بعض الشافعية، وصوب رده إن وقع بناء على اشتراط القربة لصحة الوقف. وبه قال أهل الظاهر. وعليه أكثر المالكية إلا أن المالكية اختلفوا في رده إن وقع على قولين:
الأول: يجب رده مطلقًا.
والثاني: يجب رده إن كان في يد الواقف، ولم يحز عنه، فإن حيز عنه، أو مات مضى على شرطه، وهذا قول ابن القاسم
(2)
.
(1)
. تحفة المحتاج (6/ 247).
(2)
. التمهيد (7/ 227)، المنتقى للباجي (6/ 123)، عقد الجواهر لابن شاس (3/ 964 ـ 965)، حاشية الدسوقي (4/ 79)، شرح النووي على صحيح مسلم (11/ 66)، الفتاوى الفقهية الكبرى (3/ 256).
جاء في شرح الخرشي: «وكذلك يبطل الوقف إذا وقف على بنيه الذكور دون الإناث
…
ولو وقفه على الجميع، وشرط أن من تزوجت من البنات لا حق لها في الوقف، وتخرج منه، فإنه يكون باطلًا أيضًا»
(1)
.
وجاء في الكافي في فقه أهل المدينة: «وقد روي عن مالك قال: ومن حبس على ذكور ولده، وأخرج النساء بطل الحبس، وعاد ميراثًا، رواها ابن وهب وغيره.
وقال ابن وهب: أخبرني يزيد بن عياض عن أبي بكر بن حزم أن عمر بن عبد العزيز مات حين مات وإنه ليريد أن يرد صدقات الناس التي أخرجوا منها النساء .... »
(2)
.
ورأى ابن القاسم إذا فات ذلك أن يمضي على ما حبس، وإن كان حيًا ولم يحز عنه الحبس فليرده ويدخل فيه البنات، وإن حيز عنه أو مات مضى على شرطه، ولم يفسخه القاضي
(3)
.
قال ابن رشد الجد: «ظاهر قول مالك هذا أن الحبس لا يجوز ويبطل على كل حال، خلافُ مذهب ابن القاسم في أنه يمضي إذا فات ولا ينقض»
(4)
.
(ث-191) روى البخاري في التاريخ الكبير، قال: قال يحيى ابن آدم،
(1)
. الخرشي (7/ 82).
(2)
. الكافي في فقه أهل المدينة (ص: 539).
(3)
. التاج والإكليل (6/ 24).
(4)
. البيان والتحصيل (12/ 205).
حدثني ابن المبارك حدثني سليمان بن الحجاج الطائفي، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، عن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عمرة،
عن عائشة: يعمد أحدكم إلى المال فيجعله للذكور من ولده إن هذا إلا كما قال الله تعالى {خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا}
(1)
. [الأنعام: 139].
وقال ابن حجر الهيتمي، وقد سئل عمن وقف على ذكور أولاده دون إناثهم قاصدًا بذلك حرمانهن فهل يصح الوقف؟
«فأجاب بقوله: إن شرطنا لصحة الوقف القربة، وهو ما نقله الإمام عن المعظم لم يصح، وبه أفتى جمع، كعمر الفتى، وتلميذه الكمال الرداد، وغيرهما.
وإن اشترطنا لصحته انتفاء المعصية صح، إن قلنا إن قصد حرمان الوارث بالتصرف في الصحة غير محرم ......
والحاصل أنه حيث وقع ذلك في صحته صح، أخذًا من قول الشيخين الذي دل عليه كلام الأكثرين أن المغلب في الوقف التمليك، لا القربة، ومن المعلوم أن تمليك أولاده الذكور دون الإناث أو عكسه صحيح، لكنه مكروه، وما ذكر عن الإمام إنما هو بالنسبة للجهة فلا تعارض، وحينئذ فلا حجة لأولئك المفتين فيه، قال بعضهم: وأنا أقول للقاضي أن يقلد ما ذكر عن الإمام ويحكم ببطلان الوقف؛ لأنه الذي عليه الجمهور اهـ»
(2)
.
(1)
. التاريخ الكبير (4/ 7)، ورواه الباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز (ص: 152 - 155)، وانظر المدونة (4/ 423)، المنتقى للباجي (6/ 123).
(2)
. الفتاوى الفقهية الكبرى (3/ 256).