الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما أبو حنيفة رحمه الله إنما اعتبر الجمع فيما إذا حصل الإنفاق بلفظة الجمع، عملاً بحقيقة اللفظ، وأقل الجمع في باب الوصية والميراث اثنان؛ فإن الثنتين من البنات والأخوات ألحقتا بالثلاث، فصاعدًا في استحقاق الثلثين، وحجب الأم من الثلث إلى السدس على ما مر حتى لو أوصى لذي قرابته استحق الواحد فصاعدا كل الوصية؛ لأن ذي ليس بلفظ جمع ..
وإنما اعتبر القرابة المحرمة للنكاح؛ لأن مقصود الواقف صلة القرابة، فالظاهر أنه يريد به قرابته بفرض وصلها، وإنما اعتبر الأقرب فالأقرب؛ لأن القرابة سبعة من القرب فمن كان أقرب كان أولى يصرف اللفظ إليه.
°
وأما الدليل على عدم دخول الوالد والولد في القرابة:
فإن الوالد والولد لا يسميان قرابتين عرفًا وحقيقة أيضًا؛ لأن الأب أصل، والولد فرعه وجزؤه، والقريب من يقرب من غيره لا من نفسه، فلا يتناوله اسم القريب.
وقال الله سبحانه وتعالى {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] والعطف يقتضي المغايرة في الأصل، ولو كان الوالد منهم لما عطف عليهم، وإذا لم يدخل الوالد والولد، فهل يدخل فيها الجد وولد الولد؟ ذكر في الزيادات أنهما يدخلان، ولم يذكر فيه خلافًا، وذكر الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمه الله أنهما لا يدخلان، وهكذا روي عن أبي يوسف رحمه الله وهو الصحيح؛ لأن الجد بمنزلة الأب، وولد الولد بمنزلة الولد، فإذا لم يدخل فيها الوالد، والولد كذا الجد وولد الولد.
وأما كونه يعتبر المحرم عند أبي حنيفة خلافًا لهما، ويعتبر الأقرب، فالأقرب عنده خلافًا لهما.
فوجه قولهما: أن القريب اسم مشتق من معنى، وهو القرب، وقد وجد القرب، فيتناول الرحم المحرم وغيره، والقريب والبعيد، وصار كما لو أوقف لإخوته فإنه يدخل الإخوة الأشقاء، والإخوة لأب، والإخوة لأم؛ لكونه اسمًا مشتقًا من الأخوة كذا هذا.
(ح-1002) والدليل عليه ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه «لما نزل قوله تبارك وتعالى {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشًا، فخص وعم، فقال: يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم من الله تبارك وتعالى ضرًا ولا نفعًا يا معشر بني قصي أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم من الله عز شأنه ضرًا، ولا نفعًا، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم لبني عبد المطلب، ومعلوم أنه كان فيهم الأقرب والأبعد وذو الرحم المحرم وغير المحرم، فدل أن الاسم يتناول كل قريب إلا أنه لا يمكن العمل بعمومه لتعذر إدخال أولاد سيدنا آدم صلى الله عليه وسلم فيه، فتعتبر النسبة إلى أقصى أب في الإسلام؛ لأنه لما ورد الإسلام صارت المعرفة بالإسلام، والشرف به، فصار الجد المسلم هو النسب، فتشرفوا به، فلا يعتبر من كان قبله.
ولأبي حنيفة رحمه الله: أن الوقف لما كان باسم القرابة، فالقرابة المطلقة هي قرابة ذي الرحم المحرم؛ ولأن معنى الاسم يتكامل بها.
وأما في غيرها من الرحم غير المحرم فناقص، فكان الاسم للرحم المحرم لا لغيره؛ لأنه لو كان حقيقة لغيره، فإما أن يعتبر الاسم مشتركًا أو عامًا، ولا سبيل إلى الاشتراك؛ لأن المعنى متجانس، ولا إلى العموم؛ لأن المعنى متفاوت، فتعين أن يكون الاسم لما قلنا حقيقة، ولغيره مجازًا، بخلاف الوقف لإخوته؛
لأن مأخذ الاسم، وهو الإخوة لا يتفاوت، فكان اسمًا عامًا، فيتناول الكل، وههنا بخلافه على ما بينا.
ولأن المقصود من هذا الوقف هو صلة القرابة، وهذه القرابة هي واجبة الوصل محرمة القطع لا تلك، والظاهر من حال المسلم الدين المسارعة إلى إقامة الواجب، فيحمل مطلق اللفظ عليه، بخلاف ما إذا وقف لإخوته؛ لأن قرابة الإخوة واجبة الوصل محرمة القطع على اختلاف جهاتها، فهو الفرق بين الفصلين.
وقول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله فإنه وإن كان قد يستقيم في زمانهما؛ لأن أقصى أب في الإسلام كان قريبًا يصل إليه بثلاثة آباء أو أربعة آباء، فكان الموقوف عليه معلومًا، فأما في زماننا، فلا يستقيم؛ لأن عهد الإسلام قد طال، فيقع الوقف لقوم مجهولين، فلا يصح إلا أن نقول أنه يصرف إلى أولاد أبيه وأولاد جده، وأولاد جد أبيه، وإلى أولاد أمه، وأولاد جدته، وجدة أمه؛ لأن هذا القدر قد يكون معلومًا، فيصرف إليهم، فأما الزيادة على ذلك فلا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
إذا تبين هذا فعليه: إذا ترك عمين وخالين فالوقف للعمين لا للخالين في قول أبي حنيفة رضي الله عنه؛ لأنه يعتبر الأقرب، فالأقرب، والعمان أقرب إليه من الخالين، فكانا أولى بالوقف، وعندهما الوقف يكون بين العمين، والخالين أرباعًا؛ لأن القريب والبعيد سواء عندهما.
ولو كان له عم واحد وخالان، فللعم النصف، وللخالين النصف الآخر؛ لأن الوقف حصل باسم الجمع، وأقل من يدخل تحت اسم الجمع في الوقف