الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والموصي لا ينتفعان بما يفعل الموصى له والموقوف عليه من المباحات في الدنيا، ولا يثابان على بذل المال في ذلك في الآخرة فيكون منفقا للمال في الباطل.
وإذا كان الشارع قد قال: (لا سبق إلا في خف؛ أو حافر، أو نصل) فلم يجوز بالجعل شيئا لا يستعان به على الجهاد، وإن كان مباحًا، وقد يكون فيه منفعة كما في المصارعة والمسابقة على الأقدام فكيف يبذل العوض المؤبد في عمل لا منفعة فيه، لا سيما والوقف محبس مؤبد، فكيف يحبس المال دائمًا مؤبدًا على عمل لا ينتفع به هو، ولا ينتفع به العامل ....
(1)
. الخ كلامه رحمه الله
°
الراجح:
القول بأن لفظ الواقف كنص الشارع التشبيه هنا ليس من كل الوجوه، تعالى الله سبحانه وتعالى أن يشبه كلامه بكلام خلقه، فشرط الواقف ليس كنص الشارع حتى في الفهم والدلالة، فكلام الناس لا يقاس عليه بخلاف حكم الشارع، وليس معصومًا، ويؤخذ منطوقه، وأما مفهومه فلا دلالة فيه، بخلاف نص الشارع، وإنما المراد أنه يجب اتباعه بأمر الشارع فيما لا يخالف الشرع، كوجوب اتباع أمر الواقف في تعيين مستحقه، وفي قدره، فإذا كانت إرادة الواقف حرة في إنشاء الوقف، كانت حرة في تعيين المصرف، وقدره، وطريقة صرفه من باب أولى، وهذه كلها أوصاف وشروط في الوقف، ولا يعني القول بأنه يجب اتباعه أنه لا تجوز مخالفته لو قام داع أقوى منه، كما جاز بيع الوقف وإن كان الأصل فيه المنع، وإذا جاز في الوقف على المعين ألا يقصد بوقفه البر، كالوقف على
(1)
. انظر الفتاوى المصرية (ص: 392)، ومجموع الفتاوى (31/ 47 - 49).
الذمي، وعلى زيد الغني، ونحو ذلك، وهذا في أصل الوقف، وجب اتباع شرط الواقف ولو كان مباحًا، المهم ألا يكون الشرط في معصية، وأما إبطال الشروط المباحة قياسًا على منع الجعل في غير الخف وما ذكر معه، فإن باب المسابقات الأصل فيه المنع والتحريم لكونه من باب الميسر، اغتفر ذلك في باب الجهاد تغليبًا للنفع على المنع، بخلاف الوقف فإنه دائر بين الاستحباب والإباحة، فالشروط الشرعية في الوقف واجبة الاتباع، والمحرمة واجبة الترك، والمباحة يسوغ اشتراطها لإباحتها، ولو منعت لم تكن مباحة، والأصل فيها وجوب اتباع شرطه إلا لمعارض أقوى، والله أعلم.
وحين فسر ابن تيمية رحمة الله القول بأن لفظ الواقف كنص الشارع أي في الدلالة والفهم رجع ونقضه بأن كلام الناس محمول على العرف، وهذا هو الحق، وألفاظ الشارع ألفاظ معصومة، ويستنبط منها الفقيه منطوقًا ومفهومًا، بخلاف كلام الناس فهم غير معصومين، ونتبع منطوقهم، وأما المفهوم خاصة مفهوم المخالفة فلا حجة فيه من كلامهم، ولا يقاس عليه كما يقاس على كلام الشارع حتى لو وقف على غني لا نقول: يستحقه الفقير من باب أولى، المهم الذي أميل إليه أن الشروط المباحة في الوقف ليست باطلة، بل يجب اتباعها إلا لمعارض أقوى فيجوز مخالفتها بشرطه كما سيأتي حتى لا يتلاعب النظار والحكام بالأوقاف، خاصة إذا كان الوقف على معين، والله أعلم
(1)
.
قال سماحة الشيخ ابن إبراهيم: «نعرف أن هنا كلمة فاشية عند العلماء والمصنفين والمفاتي، وهي: نص الواقف كنص الشارع. وهذه صحيحة في
(1)
. انظر فتاوى السبكي (2/ 196 - 197).
نفسها، لكن ليست على إطلاقها، وكثير يطلقها ولايريد إطلاقها الحقيقي، بل في الدلالة مفهوما ومنطوقاً؛ لأن الحق له، وهو ماله، فإذا كان له وثيقة وذكر فيها الوقف وشروطه فإن دلالة تلك الوثيقة في الاطلاق والتقييد وكذا كنص الشارع.
وأما في وجوب العمل بها فليست مثل نص الشارع، فإنها إن خالفت نصًا فهي باطلة، كما في حديث بريرة، فإذا اشترط مايخالف الشرع فإنه باطل لاغ فاسد، وإذا صار على مباح فإنه غير باطل، لكن لايجب العمل به، أما إذا كان موافقًا الشرع فيتعين، وليس لأجل نص الواقف؛ بل لأجل ما استفيد من نص الشارع. وهذا معنى كلام الشيخين وغيرهما؛ ولهذا يقول الشيخ: يجوز تغيير نص الواقف فيما هو أحب إلى الله ورسوله وأكثر مصلحة دينية مما لحظه الواقف»
(1)
.
فوصف الشيخ ابن إبراهيم بأن الشرط المباح ليس باطلًا، وهذا دليل على أنه لا يشترط في شرط الوقف القربة، وقوله: إلا أنه لا يجب العمل به أي لوجود ما يدعو إلى مخالفته لمعارض أقوى.
وسوف أعقد مبحثًا إن شاء الله تعالى في الكلام على حكم تغيير شرط الواقف، أسأل الله سبحانه وتعالى العون والتوفيق.
* * *
(1)
. فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم (9/ 67).