الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
ما يشترط في المقترض
الصبي ليس من أهل الالتزام فلا يصح التزامه.
يصح الاقتراض على بيت المال، كما يصح الاقتراض على الوقف.
الشرط الأول:
[م-1784] يشترط في المقترض أهلية التصرف، بأن يكون بالغًا عاقلًا رشيدًا غير محجور عليه، فإن أقرض ماله صبيًا لم يضمن، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد بن الحسن، ومذهب الحنابلة، والشافعية.
جاء في البناية شرح الهداية: «إذا أقرض الصبي شيئًا، وسلم إليه، واستهلكه لا يضمن عندهما. خلافا لأبي يوسف»
(1)
.
وجاء في مجمع الضمانات نقلًا عن قاضي خان: «لو أن صبيًا سفيهًا محجورًا استقرض مالًا ..... وصرف المال في حوائجه، لا يؤخذ به، لا في الحال، ولا بعد البلوغ ..... لأن الصبي ليس من أهل الالتزام فلا يصح التزامه»
(2)
.
وجاء في الدرر السنية في الأجوبة النجدية: «المحجور عليه لحظ نفسه، وهو الصبي، والمجنون، والسفيه، فلا يصح تصرفهم، ومن دفع إليهم ماله ببيع، أو
(1)
. البناية (13/ 323)، وانظر حاشية ابن عابدين (6/ 177)، الفتاوى الهندية (5/ 60)، المبسوط (19/ 83).
(2)
. مجمع الضمانات (ص: 422).
قرض، رجع فيه ما كان باقيًا، فإن أتلفه واحد منهم فمن ضمان مالكه؛ لأنه سلطه عليه برضا، علم الحجر أو لم يعلم»
(1)
.
وأما الشافعية فعبروا عن هذا الشرط بقولهم: يشترط في المقترض أهلية المعاملة.
والمقصود من (أهلية المعاملة) أي أهلية التعاقد بيعًا وشراء
(2)
.
ولأن من يملك أهلية التعاقد قد لا يملك أهلية التبرع، لذا اشترط في المقرض أهلية التبرع. واشترط في المقترض أهلية التعاقد احترازًا من المحجور عليه لفلس، فإنه لا يملك أهلية التبرع؛ لأن ماله محجور عليه، ويملك أهلية التعاقد بأن يشتري في ذمته، فشراؤه صحيح؛ لأن ذمته لا حجر عليها.
قال العمراني: «وإذا حجر الحاكم على المفلس تعلقت ديون الغرماء بماله، ومنع من التصرف بماله .... وإذا تصرف المفلس بعد الحجر، نظرت:
فإن تصرف في ذمته، بأن اقترض، أو اشترى شيئًا بثمن في ذمته، أو أسلم إليه في شيء .. صح ذلك؛ لأن الحجر عليه في أعيان ماله، فأما ذمته فلا حجر عليه بها؛ لأنه لا ضرر على الغرماء فيما يثبت عليه بذمته، ومن باعه شيئًا، أو أقرضه بعد الحجر لم يشارك الغرماء بماله؛ لأنه إن علم بالحجر فقد دخل على بصيرة، وإن لم يعلم به فقد فرط في ترك السؤال عنه»
(3)
.
فصار المحجور عليه لفلس لا يملك أهلية التبرع، ويملك أهلية المعاملة.
(1)
. الدرر السنية في الأجوبة النجدية (6/ 287).
(2)
. حاشية الجمل (3/ 257)، وانظر حاشية البجيرمي على شرح المنهج (2/ 351).
(3)
. البيان للعمراني (6/ 143 - 144)، وانظر روضة الطالبين (4/ 184).
جاء في حاشية الجمل: «يشترط في المقرض أهلية التبرع، فلا يصح من المحجور عليه بفلس، وفي المقترض أهلية المعاملة فيصح اقتراض المفلس»
(1)
.
ولأن إقراض الصبي لا يختلف عن إقراض المحجور عليه لفلس بجامع أن كلًا منهما محجور عليه، إلا أن الصبي محجور عليه لحظ نفسه، والمحجور عليه لفلس محجور عليه لحظ الغرماء.
وإذا كانت شروط المقترض ترجع إلى شروط التعاقد فإن فالشافعية لا يصححون بيع الصبي ولا شراءه، ولو أذن له الولي كما تقدم في شروط العاقدين في عقد البيع، والله أعلم.
قال النووي: «فيما يصح من تصرفات المحجور عليه بالسفه، وما لا يصح:
وفيه مسائل:
الأولى: لا تصح منه العقود التي هي مظنة الضرر المالي، كالبيع والشراء .... ولو اشترى وقبض، أو استقرض فتلف المأخوذ في يده، أو أتلفه، فلا ضمان لأن الذي أقبضه هو المضيع، ويسترد وليه الثمن إن كان أقبضه. وسواء كان من عامله عالمًا بحاله، أم جاهلا لتقصيره بالبحث عن حاله»
(2)
.
وقال العمراني في البيان: «وإذا باع أو اشترى بعد الحجر .. كان ذلك باطلًا، فإن حصل له في يد غيره مال استرجعه الحاكم إن كان باقيًا، أو استرجع بدله إن كان تالفًا، وإن حصل في يده مال لغيره ببيع أو غيره استرده الحاكم منه،
(1)
. حاشية الجمل (3/ 5).
(2)
. روضة الطالبين (4/ 183 - 184).
ورده على مالكه، وإن باعه غيره شيئًا، أو أقرضه إياه، ثم تلف في يده، أو أتلفه، فإنه لا يجب عليه ضمانه، سواء علم بحجره، أو لم يعلم؛ لأنه إن علم بحجره فقد دخل على بصيرة، وإن لم يعلم فيه فقد فرط، حيث بايع من لا يعلم حاله. ولا يلزمه ذلك إذا فك عنه الحجر؛ لأن الحجر عليه لحفظ ماله، فلو ألزمناه ذلك بعد الحجر لبطل معنى الحجر، وهذا في ظاهر الحكم»
(1)
.
الراجح:
إذا كنا قد صححنا قول الجمهور أن الصبي المميز يصح منه البيع والشراء بإذن وليه، فما المانع أن يقال بصحة الاقتراض من الصبي بإذن وليه؛ لأن الاقتراض من لوازم التجارة، إن كان قال بهذا أحد فله وجه، والله أعلم.
الشرط الثاني:
[م-1785] اشترط الحنابلة في المقترض أن يكون له ذمة، واستثنوا من ذلك الوقف وبيت المال لداعي المصلحة.
جاء في مجلة الأحكام الشرعية: «من شأن القرض أن يصادف ذمَّة يثبت فيها، لكن يصح الاقتراض على بيت المال، كما يصح الاقتراض على الوقف
(2)
.
وعللوا ذلك:
بأن الدين لا يثبت إلا في الذمم، والقرض يتحول إلى دين في ذمة المستقرض لذلك يفتقر إلى ذمة يتعلق به، لذلك لا يصح الاستدانة على المسجد.
(1)
. البيان للعمراني (6/ 233).
(2)
. مجلة الأحكام الشرعية، مادة (737).
وكون الدين يثبت في الذمة هذا مما لا خلاف فيه بين الفقهاء.
جاء في مجلة الأحكام العدلية: «الدين ما يثبت في الذمة .... »
(1)
.
وقال ابن الهمام: والحاصل أن الدين إنما يثبت في الذمة»
(2)
.
وقال القرافي: ما لا يكون في الذمة لا يكون دينًا»
(3)
.
وإنما الخلاف في الاستدانة لبعض الجهات، كالاستدانة للوقف، والاستدانة للمسجد، والاستدانة لبيت المال، هل يقال: لا يصح الاقتراض لهذه الجهات لكونها لا تملك ذمة مالية؟
أو يقال: إن الاستدانة لها يكون دينًا لمن يقوم عليها من ناظر، أو إمام، أو قيم، فيطالب بالسداد من مالهم؟
أو يقال: لا مانع من ثبوت ذمة مستقلة لهذه الجهات، فتكون هذه الجهات أهلًا للإلزام والالتزام في الحقوق والواجبات المالية؟
فبيت مال المسلمين له ذمة مستقلة، والمال المودع فيه ملك له، وليس ملكاً للسلطان، ولا ملكًا للمسلمين، فما يملكه السلطان مستقل عما يملكه بيت المال، وإن كان السلطان نائباً فيه عن الأمة الذي هو واحد منها، وليس للسلطان حق فيه إلا كفايته لقاء عمله، وليس له أن يأمر لأحد منه بشيء إلا بحق ومسوغ شرعي، ومثله الوقف في الإسلام، فإنه مال محجور عن التمليك، والتملك،
(1)
. مجلة الأحكام العدلية، مادة (158)، وانظر الفروق للكرابيسي (2/ 216)، فتح القدير (3/ 392)، التمهيد (6/ 291)، المنثور في القواعد الفقهية (1/ 392) و (2/ 252).
(2)
. فتح القدير لابن الهمام (3/ 392).
(3)
. الفروق (3/ 259).
والإرث، والهبة ونحوها، وهو مرصد لما وقف عليه، ومع ذلك فإن الوقف قد يستحق ويستحق عليه، وتجري العقود الحقوقية بينه وبين أفراد الناس، من إيجار وبيع وغلة واستبدال وغير ذلك بمعزل عن ذمة الناظر والموقف عليه.
وهل يقاس على تلك الجهات غيرها، كإلحاق الشركات المساهمة والبنوك التجارية، ونحوها ببيت المال والوقف.
أو يقال: هذه مستثناة لداعي المصلحة، وما استثنى لا يقاس عليه، هذا ما سوف نستكشفه إن شاء الله تعالى بالبحث في مسائل مستقلة.
* * *