الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أني أعتقت وليدتي، قال: أوفعلت؟، قالت: نعم، قال: أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك
(1)
.
جاء في فتح الباري نقلًا عن ابن بطال أنه قال: «فيه ـ يعني في الحديث ـ أن هبة ذي الرحم أفضل من العتق»
(2)
.
الفرق بين الهبة والوصية:
[م-1821] الهبة والوصية يجتمعان بأنهما تبرع بالمال بلا عوض، ويفترقان في أمور منها:
الأول: أن الهبة تبرع في الحياة، والوصية لا تكون إلا بعد الموت.
ولهذا كانت الهبة أفضل من الوصية؛ لأن الواهب يعطي، وهو صحيح، شحيح، يخشى الفقر ويأمل الغنى بخلاف الوصية.
(ح-1099) روى الشيخان من طريق عمارة بن القعقاع، حدثنا أبو زرعة،
حدثنا أبو هريرة، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أعظم أجرًا، قال: أن تصدق، وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان
(3)
.
الثاني: أن الأصل في الهبة أن تكون مستحبة، وأما الوصية فقد تكون مستحبة، وقد تكون واجبة كما لو أوصى بواجب عليه، وتعينت الوصية طريقًا
(1)
. البخاري (2592)، ومسلم (999).
(2)
. فتح الباري (5/ 219).
(3)
. صحيح البخاري (1419)، صحيح مسلم (1032).
لمعرفته ودفعه، كالوصية بقضاء الديون المجهولة التي لا يعلمها إلا الموصي، وقد تكون غير ذلك كما سبق بيان ذلك في الكلام على أحكام الوصية ..
الثالث: أن الوصية تكون في الأعيان والمنافع والديون، وأما الهبة فلا تكون إلا في الأعيان، وأما هبة المنافع فيطلق الفقهاء عليها اسم العارية.
الرابع: أن الهبة لا تلزم بالقبول حتى تقبض، فإذا قبضت فلا يملك الواهب على الصحيح الرجوع عنها، واختار المالكية لزومها بمجرد القبول، وأما الوصية فتلزم بالقبول بعد الموت، ولو لم تقبض على الصحيح.
(5)
ـ الهبة تكون للوارث وغيره، ولا حد لمقدارها، وأما الوصية فتكون بالثلث فأقل ولغير وارث.
السادس: أن الهبة لا تصح من المحجور عليه بخلاف الوصية، والفرق أن الهبة فيها إضرار بالغرماء والوصية ليس فيها إضرار؛ لأنها لن تنفذ إلا بعد قضاء الدين.
السابع: أن الوصية تصح، ولو كان الموصى به غير مقدور على تسليمه وقت عقد الوصية، وأما الهبة فالفقهاء مختلفون في اشتراط القدرة على التسليم للموهوب.
فقيل: لا يشترط في الهبة القدرة على التسليم، وهو مذهب المالكية؛ لأن الهبة ليست من عقود المعاوضات، فالمعطي إما أن يغنم، وإما أن يسلم، فليس فيها قمار، إما أن يغنم وإما أن يغرم.
ولأن الوصية لا يشترط تملكها في الحال، فربما قدر عليها قبل الموت بخلاف الهبة.
وقيل: يشترط في الهبة القدرة على التسليم، وسيأتي تحرير الخلاف فيها إن شاء الله تعالى في بحثنا هذا.
الثامن: الهبة لا تصح للحمل بخلاف الوصية؛ لأن الهبة تمليك منجز في الحال، والحمل ليس أهلًا للتملك، وفيها بحث سيأتي تحريره إن شاء الله تعالى.
التاسع: يصح أن يوصى لعبده المدبر: وهو الذي علق عتقه بموت سيده؛ لأن الوصية تصادف العبد وقد عتق، ولا تصح له الهبة بناء على القول بأن العبد لا يملك بالتملك، وهي مسألة خلافية ..
العاشر: أن الهبة عقد من عقود التمليك، والوصية تكون بالتمليك وبالتفويض بالتصرف، ولذلك يصح أن يوصي لشخص بأن يكون ناظراً على وقفه، وأن يقوم بقضاء حقوقه
(1)
.
* * *
(1)
. انظر الشرح الممتع (11/ 128 - 133).