الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
في حكم الرقبى
[م-1883] اختلف العلماء في حكم الرقبى على قولين:
القول الأول:
ذهب أبو حنيفة ومحمد بن الحسن، والإمام مالك، والقول القديم للشافعي، وقول في مذهب الحنابلة إلى إن الرقبى باطلة
(1)
.
وبه قال داود الظاهري وطائفة من أهل الحديث
(2)
.
على خلاف بين المالكية وغيرهم في صورة الرقبى كما تقدم في تعريف الرقبى
الدليل على البطلان:
تعليل البطلان عند الحنفية:
أن قوله: إن مت قبلك فهو لك وإن مت قبلي رجعت إلي، هذا تعليق للتمليك بالخطر المتردد بين الوقوع وعدمه، والتمليكات لا تقبل التعليق، وجعلوها كالعارية، ولم يوجبوا بها ملكًا للمرقب.
(1)
. البناية شرح الهداية (10/ 214)، البحر الرائق (7/ 297)، حاشية ابن عابدين (5/ 707)، الجوهرة النيرة (1/ 331)، المدونة (6/ 168)، القوانين الفقهية (ص: 245)، شرح الخرشي (7/ 112)، الشرح الكبير (4/ 109)، المهذب (1/ 448)، روضة الطالبين (5/ 370)، مغني المحتاج (2/ 399)، الكافي لابن قدامة (2/ 473).
(2)
. الحاوي الكبير (7/ 539).
وتعليل البطلان عند المالكية:
أن قول للرجل: إن مت قبلك فدارى لك، وإن مت قبلي فدارك لي، كأن كل واحد منهما قصد إلى عوض لا يدرى، هل يحصل له، ويتمنى كل واحد منهما موت صاحبه، وليس كذلك العمرى؛ لأن المعمر لا يقصد عوضًا عن الذي أخرج عن يده.
قال القرافي: «تفسد إذا كانت المراقبة من الجهتين لكونها
…
معاوضة فاسدة»
(1)
.
القول الثاني:
الرقبى كالعمرى جائزة لمن أرقبها، ولا ترجع إلى المرقب، ويلغو الشرط، وهذا قول أبي يوسف من الحنفية، ومذهب الشافعية، والحنابلة
(2)
.
وترجم البخاري في صحيحه، فقال: باب ما قيل في العمرى والرقبى، ثم ذكر الأحاديث الواردة في العمرى، مما يدل على أنه يرى أن الحكم في العمرى كالحكم في الرقبى
(3)
.
وقال الترمذي: «قال أحمد وإسحاق: الرقبى مثل العمرى، وهي لمن أعطيها، ولا ترجع إلى الأول»
(4)
.
(1)
. الذخيرة (6/ 217).
(2)
. روضة الطالبين (5/ 370)، مغني المحتاج (2/ 399)، الإنصاف (7/ 134)، الكافي لابن قدامة (2/ 473)، المغني (5/ 399)، كشاف القناع (4/ 307)، مطالب أولي النهى (4/ 379).
(3)
. صحيح البخاري (3/ 165).
(4)
. سنن الترمذي (3/ 625)
دليل من قال: بالجواز:
الدليل الأول:
(ح-1163) ما رواه أبو يعلى من طريق يزيد بن هارون، أخبرنا داود بن أبي هند، عن أبي الزبير،
عن جابر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العمرى جائزة لمن أعمرها، والرقبى جائزة لمن أرقبها
(1)
.
[اختلف على أبي الزبير بذكر الرقبى، وأصحاب أبي الزبير رووه عنه بذكر العمرى فقط، وهو المحفوظ]
(2)
.
(1)
. مسند أبي يعلى (2214).
(2)
. ورواه أبو داود (3558)، والترمذي (1351) من طريق هشيم، عن داود بن أبي هند، عن أبي الزبير به.
واتفق الرواة على ذكر العمرى في حديث جابر، واختلف على أبي الزبير بذكر الرقبى.
فرواه داود بن أبي هند، عن أبي الزبير، عن جابر بذكر الرقبى.
ورواه أحمد (3/ 385)، ومسلم (1625) من طريق أبي خيثمة.
والنسائي (3735) ومسلم (1625) من طريق ابن جريج.
والحجاج بن أبي عثمان الصواف كما في صحيح مسلم (1625)، وسنن النسائي (3736).
وهشام الدستوائي كما في سنن النسائي (3737).
وسفيان كما في مسند أحمد (3/ 389) وصحيح مسلم (1625)، ومستخرج أبي عوانة (5697، 5712).
أيوب السختياني كما في صحيح مسلم (1625).
ستتهم عن أبي الزبير، عن جابر بذكر العمرى فقط، ولم يذكر أحد منهم الرقبى، وقد صرح بالتحديث أبو الزبير بأكثر من طريق، وإن كنت لا أراه مدلسًا.
فهؤلاء أصحاب أبي الزبير لم يقل أحد منهم ذكر الرقبى في حديث أبي الزبير إلا ما ذكره داود ابن أبي هند، فأراه وهمًا. ولهذا قال أبو عوانة في مستخرجه (3/ 467): هذه الكلمة الرقبى جائزة لم يقله أحد من أصحاب أبي الزبير أعلمه، وفيه نظر. اهـ
وفي الباب عن ابن عمر عند أحمد وغيره
(1)
، وعن زيد بن ثابت عند أحمد وغيره أيضًا
(2)
.
الدليل الثاني:
(ث-293) ما رواه النسائي من طريق يعلى، قال: حدثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن طاوس،
عن ابن عباس، قال: لا تحل الرقبى، ولا العمرى، فمن أعمر شيئًا فهو له، ومن أرقب شيئا فهو له
(3)
.
[رجاله ثقات إلا أبا الزبير فإنه صدوق، وقد اضطرب فيه أبو الزبير، واختلف عليه في إرساله، ووقفه، ورفعه مع اختلاف في لفظه]
(4)
.
الدليل الثالث:
أن قول الرجل: (داري لك) تمليك، وقوله:(رقبى) شرط مناقض للتمليك، لأن التمليك لا يؤقت، فيكون شرطًا فاسدًا، فيلغو الشرط، ويصح التمليك، كما أن التمليك في البيع لا يؤقت، فكذلك التمليك في الهبة لا يؤقت.
ويناقش:
لا يصح التأويل إذا علمنا أن قوله (داري لك رقبى) أن (داري) مبتدأ، وقوله:(رقبى) خبر، وقوله:(لك) جار ومجرور متعلق بقوله: (رقبى)، وإنما يصح التأويل لو كان قوله (داري لك) مبتدأ وخبر، وتكون كلمة (رقبى) فضلة في الكلام، وليست عمدة، والله أعلم.
(1)
. مسند أحمد (2/ 26).
(2)
. مسند أحمد (5/ 189).
(3)
. النسائي (3712).
(4)
. سبق تخريجه، انظر (ث 289).
الدليل الرابع:
كل الأحاديث التي ذكرناها في العمرى، وأنها لمن أعمرها، تصلح دليلًا في مسألة الرقبى، فهي لمن أرقبها، لا تعود للواهب.
الراجح:
القول في الرقبى كالقول في العمرى، وقد ذكرت صور العمرى، وحكم كل صورة فارجع إليه إن شئت، والله أعلم.
هذه آخر المسائل المختارة من عقد الهبة، ولله الحمد والمنة.
* * *