الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس
في استحقاق الهبة
[م-1872] إذا استحقت الهبة وهي تالفة، وكانت خالية من الثواب، فإن الفقهاء قد اختلفوا: هل يرجع المستحق على الواهب، أو على الموهوب له.
القول الأول:
لو استحقت العين الموهوبة وقد هلكت في يد الموهوب له، فإن المستحق يرجع على الموهوب له دون الواهب، ويضمنه قيمتها، ولا يرجع الموهوب له على الواهب بشيء. وهذا مذهب الحنفية
(1)
.
جاء في المحيط البرهاني: «الموهوب له عند الاستحقاق لا يرجع على الواهب بشيء»
(2)
.
(3)
.
وجه القول بذلك:
أن الواهب لم يوجب للموهوب له سلامة العين الموهوبة، ولأنه حصل له
(1)
. الجوهرة النيرة (1/ 228)، البحر الرائق (7/ 295)، مجمع الضمانات (ص: 339)، الهداية شرح البداية (3/ 227)، تبيين الحقائق (5/ 102)، مجمع الأنهر (2/ 364)، حاشية ابن عابدين (5/ 705).
(2)
. المحيط البرهاني (8/ 493).
(3)
. حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (5/ 102).
ملكها بغير عوض، فإذا استحقت لم يرجع على من ملكه، كما لو ورث مالًا فاستحق لم يرجع في مال الوارث بقيمتها، فكذلك هنا، وكذا المستعير لا يرجع على المعير بشيء؛ لأنه عقد تبرع، فلا يستحق فيه السلامة.
القول الثاني:
يخير المستحق بين الرجوع على الواهب لكونه السبب في إتلاف ماله، أو على الموهوب له لكونه المباشر لهذا الإتلاف، وهذا مذهب الشافعية، والحنابلة.
فإن رجع المستحق على الواهب، فلا يحق للواهب الرجوع على الموهوب له.
وإن رجع على الموهوب له، فهل يرجع الموهوب له على الواهب، في ذلك قولان:
أحدهما: يرجع على الواهب، وهذا قول في مذهب الشافعية، وقول واحد في مذهب الحنابلة.
قال ابن رجب في القواعد: «اليد التاسعة القابضة تملكًا لا بعوض، إما للعين بمنافعها، بالهبة، والوقف، والصدقة، والوصية، أو للمنفعة كالموصى له بالمنافع فالمشهور أنها ترجع بما ضمنته بكل حال؛ لأنها دخلت على أنها غير ضامنة لشيء فهي مغرورة»
(1)
.
الثاني: لا يرجع على الواهب؛ لأن الواهب لم يأخذ منه عوضًا، فيرجع بعوضه، وقد كان له ألا يقبل الهبة، وهو القول الثاني في مذهب الشافعية
(2)
.
(1)
. القواعد (ص: 245).
(2)
. الأم (3/ 256).
(1)
.
القول الثالث:
ذهب المالكية إلى أن الهبة إذا استهلكت في يد الموهوب له، ثم ظهر مستحق، فإنه يرجع على الواهب إن كان مليًا، وإن كان معدمًا أو لا يقدر عليه رجع على الموهوب له، وليس للموهوب له الرجوع على الواهب؛ لأن الهبة لا عهدة لها
(2)
.
الراجح:
أن الموهوب له لا يضمن شيئًا؛ لأن فعله ترتب على مأذون، وما ترتب على مأذون فهو غير مضمون إلا أن تكون العين الموهوبة قائمة، فإن الحق قد تعلق بعين المال، فبان أن الهبة لم تصح، فيرجع المستحق على العين فيأخذها، أما
(1)
. المرجع السابق.
(2)
. الذخيرة (9/ 37)، المدونة (5/ 360)، التاج والإكليل (5/ 291)، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (3/ 619)، الشرح الكبير (3/ 458).
إذا استهلكت، فلا يجب عليه في ذمة الموهوب له شيئًا؛ لأنه تصرف فيما كان يعتقد أنه يستحقه، فيرجع على الواهب فقط، والله أعلم.
* * *