الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
في قبض الموهوب المشغول بمتاع الواهب
[م-1867] اختلف الفقهاء في اشتراط كون المقبوض غير مشغول بحق غيره على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
يشترط لصحة القبض أن يكون المقبوض غير مشغول بما ليس بموهوب، فإذا وهب دارًا فيها متاع للواهب، وسلمها فإن القبض لا يصح حتى يسلمها فارغة، وهذا مذهب الحنفية والشافعية
(1)
.
واشترط بعض الحنفية حتى لا يؤثر على القبض وجود المتاع في الدار، أن يأذن له البائع بقبضه مع الدار، ليكون وديعة عنده.
جاء في مجمع الأنهر «وعن الوبري: المتاع لغير البائع لا يمنع، فلو أذن له بقبض المتاع، والبيت، صح، وصار المتاع وديعة عنده»
(2)
.
وجاء في حاشية ابن عابدين: «فإن كان الموهوب مشغولًا بحق الواهب لم يجز»
(3)
.
(1)
. بدائع الصنائع (6/ 125)، المبسوط (12/ 72)، حاشية ابن عابدين (5/ 691)، الفتاوى الهندية (4/ 374)، فتح العزيز (8/ 442)، مغني المحتاج (2/ 72)، نهاية المحتاج (4/ 93)، منهاج الطالبين (ص: 49).
(2)
. مجمع الأنهر (2/ 21).
(3)
. حاشية ابن عابدين (5/ 691).
(1)
.
حجة هذا القول:
أن التسليم في العرف موقوف على ذلك.
ويجاب:
إذا كان مرد ذلك على العرف، فإن العرف غير ثابت، فليكن المرجع إلى العرف، فيقال: إن كان العرف يقتضي أن قبض المشغول لا يكون قبضًا في العرف لم يعتبر، وإذا كان يعتبر قبضًا لم يكن ذلك شرطًا.
القول الثاني:
لا يشترط في صحة القبض أن يكون المقبوض غير مشغول بحق غيره، وهذا مذهب المالكية والحنابلة، واستثنى المالكية دار السكنى، فيشترط لصحة قبضها إخلاؤها
(2)
.
قال في الشرح الكبير للدردير: «وقبض العقار، وهو الأرض، وما اتصل بها من بناء، وشجر بالتخلية بينه وبين المشتري، وتمكنه من التصرف فيه بتسليم
(1)
. فتح العزيز (8/ 442).
(2)
. الشرح الكبير (3/ 145)، منح الجليل (5/ 232)، شرح الخرشي (5/ 158)، منار السبيل (2/ 26)، الكافي لابن قدامة (2/ 29).
المفاتيح إن وجدت، وإن لم يخل البائع متاعه منها، إن لم تكن دار سكنى، فإن قبضها بالإخلاء، ولا يكفي التخلية»
(1)
.
وجاء في مجلة الأحكام الحنبلية: «قبض الدار والمتاع بالتخلية، ولو كان فيها متاع البائع، وبتسليم مفتاح الدار، أو فتح بابها للمشتري»
(2)
.
وهذا هو القول الصحيح؛ لأن القبض هو تمكنه من التصرف فيه، وكونه مشغولًا بمتاع الواهب لا يمنع من التصرف في الهبة، ويصبح المتاع أمانة في يد الموهوب.
الراجح:
أن القبض مرده إلى العرف، فكل ما عده الناس قبضًا فهو قبض، والمراد من القبض أن يمكنه من التصرف في الموهوب، فإذا كان وجود المتاع لا يمنع الموهوب من التصرف في الهبة لم يمنع وجود المتاع في الدار، وإن كان يمنعه من التصرف في الهبة كان ذلك مانعًا حصول القبض، وهذا التفصيل إنما هو على قول من يشترط القبض للزوم العقد، أما من قال: إن الهبة تلزم بالعقد فلا يحتاج إلى هذا التفصيل، والله أعلم.
* * *
(1)
. الشرح الكبير (3/ 145).
(2)
. المادة (334).