الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مال، وبعد كسبها تتلاشى وتفنى، ولا يمكن إحرازها، وقد ناقشت مالية المنافع والخلاف بين الحنفية وبين الجمهور في عقد البيع من هذا الكتاب، وبينت ضعف مذهب الحنفية هناك فأغنى ذلك عن إعادته هنا
(1)
.
هذا مأخذ الحنفية في المنع من إقراض المنافع.
وأما مأخذ الحنابلة من المنع قال في كشاف القناع: «ولا يصح قرض المنافع؛ لأنه غير معهود»
(2)
.
والحقيقة كون إقراض المنافع غير معهود لا يكفي هذا في المنع، فإن المعاملات تتغير، فقد يكون الشيء محلًا للانتفاع في وقت دون وقت، كما أن الأعيان قد تنتقل من المالية إلى عدمها، وبالعكس، فإذا هجر الناس الانتفاع بعين من الأعيان وترك عامتهم تمولها فقدت هذه العين ماليتها، فلو كنا في بلد تعارف الناس على طرح حوايا الذبيحة، وأطرافها لم تكن هذه الأشياء مالًا عندهم، وإن كانت هذه الأعيان فيها منافع مباحة، وإذا رجع الناس إلى تمولها عادت إليها المالية، وإذا كان ذلك في الأعيان فما بالك بالمنافع، ولأن الأصل في المعاملات والعقود والشروط عند الحنابلة الصحة، فإذا اعتاد الناس اقترض المنافع فلا يوجد محذور شرعي يقتضي المنع.
القول الثاني:
لا يصح إقراض منافع العقار، ويصح إقراض منافع الدواب ونحوها مما يمكن ضبطها بالصفة، اختاره البلقيني والسبكي من الشافعية.
(1)
. انظر (1/ 137) من هذا الكتاب، ولله الحمد.
(2)
. كشاف القناع (3/ 314)، وانظر مطالب أولي النهى (3/ 240).
وهو مقتضى قواعد المالكية، حيث جعلوا الضابط فيما يصح إقراضه، أن كل ما جاز السلم فيه صح إقراضه، وفي باب السلم نصوا على جواز السلم في المنافع التي يمكن ضبطها بالصفة، واستثنى المالكية السلم في العقار فمنعوا السلم فيه، وهذا يعني أنه لا يصح إقراضه على قواعد المذهب.
والمنع السلم في العقار هو محل اتفاق بين المذاهب كما بينته في عقد السلم
(1)
.
(2)
.
وقد جمع البلقيني والسبكي بين قول القاضي حسين: بأنه لا يجوز الإقراض بالمنافع، وبين قول الشافعية: ما صح السلم فيه صح إقراضه، حيث حملوا كلام القاضي حسين على منافع العقار، ورجحه زكريا الأنصاري.
جاء في شرح البهجة الوردية: «والأقرب ما جمع به السبكي والبلقيني وغيرهما من حمل المنع على منفعة العقار، كما يمتنع السلم فيها؛ ولأنه لا يمكن رد مثلها، والجواز على منفعة غيره من عبد ونحوه، كما يجوز السلم فيها ولإمكان رد مثلها الصوري»
(3)
.
(1)
. انظر المجلد الثامن (ص: 171) من هذا الكتاب.
(2)
. الذخيرة (5/ 424)، وانظر الشرح الكبير (4/ 22)، وانظر حاشية الدسوقي معه (4/ 22)، منح الجليل (7/ 500).
(3)
. الغرر البهية شرح البهجة الوردية (3/ 67).