الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دليل من قال بجواز السفتجة مطلقًا:
الدليل الأول:
الأصل في العقود والشروط الصحة والإباحة، ولا يحرم منها شيء إلا بدليل صحيح صريح، واشتراط الوفاء في غير البلد يدخل فيها؛ لأنه لا نص يقضي بتحريم مثل هذا الشرط، وقد عقدت فصلًا في عقد البيع وتكلمت عن الأصل في الشروط فارجع إليه إن شئت.
ويناقش:
بأنه على التسليم بهذه القاعدة، فإننا لا نسلم أن اشتراط الوفاء في غير البلد لا يوجد دليل يقتضي التحريم، كما بيناه في أدلة القول الأول.
الدليل الثاني:
أن السفتجة فيها شبه بالحوالة، والحوالة جائزة فتصح السفتجة قياسًا عليها.
ويناقش:
بأن السفتجة وإن أشبهت بعض صورها الحوالة فهي لا تشبهها في كل الصور، والسفتجة إن كانت في الديون الناشئة عن المعوضات، فهذا لا خلاف في صحتها مطلقًا بصرف النظر عن المنتفع، فلو باعه مؤجلًا، سواء كان التأجيل للثمن، أو كان التأجيل للمثمن كما في دين السلم، واشترط عليه مكان معينًا للوفاء صح الشرط بالاتفاق، حتى ولو كان النفع للبائع خاصة، وقد ذكرت ذلك في عقد السلم.
بخلاف السفتجة في القرض، فإنه إن أحاله عند المطالبة بالوفاء، وكان ذلك
بدون شرط، فهي غير لازمة، وتصح بالاتفاق، حتى ولو كان النفع للمقرض وحده. وقد تكلمت على هذه الصورة.
وإن اشترط السفتجة للقرض، فإن كان النفع خاصًا بالمقرض منع بالاتفاق، أو كان خاصًا بالمقترض جاز بالاتفاق، وإن كان النفع لهما، فهي مسألتنا هذه، وفيها خلاف، وتسميتها سفتجة أو حوالة ليس هذا مناط الحكم، لأن العبرة بالعقود بالمعاني.
والسفتجة غالبًا ما يكون طرفها اثنين: المقرض والمقترض، ولو دخل طرف ثالث، فإن كان وكيلًا عنهما، لم يخرج العقد عن كونه بين المقرض والمتقرض؛ لأن يد الوكيل هي يد الموكل؛ فهو نائب عنه، وقائم مقامه، وهذه الصورة لا حوالة فيها، وإن كان الثالث ليس وكيلًا، وكان مدينًا للمستقرض، فهي حوالة، والله أعلم.
أما الحوالة فلا تكون أطرافها إلا ثلاثة، والطرف الثالث ليس وكيلًا، وإنما يتم فيها نقل الحق من ذمة المدين إلى ذلك الطرف الثالث، سواء أكان مدينًا أم متبرعًا، فعلم بهذا أن السفتجة لا تشبه الحوالة في كل صورها
(1)
.
(1)
. وهذا يجعلنا نذكر صور السفتجة مما ذكره الفقهاء:
الصورة الأولى: أن يقرض شخص آخر ليوفيه المقترض بنفسه إلى بلد آخر، سواء دفعه إلى المقرض نفسه أو إلى وكيله، وفي هذا يكون المستقرض عازمًا على السفر بنفسه إلى بلد الأداء.
الصورة الثانية: أن يقرضه في بلد على أن يقوم المقترض بتكليف نائبه بدفع ما استقرضه إلى المقرض نفسه أو إلى وكيله في بلد آخر. ففي هذه الصورة قد يكون العازم على السفر هو المقرض نفسه.
الثالثة: أن يكون لشخص مال في بلدة غير البلدة التي هو فيها، فيأمر وكيله هناك أن يقرض إنسانًا مبلغًا من المال على أن يكون الوفاء في بلد المقرض.
الرابعة: أن يكون الرجل دائنًا بمبلغ من المال والمدين في بلد آخر، فيقترض مالًا من رجل في بلده، ويحيله بالدين الذي له على ذلك الرجل ليستوفي منه، وفي هذه الصورة تجتمع السفتجة والحوالة. انظر فتح القدير لابن الهمام (7/ 232)، المعونة (2/ 1000)، الشرح الكبير للدردير (3/ 225 - 226)، منح الجليل (5/ 406)، تهذيب الأسماء واللغات للنووي (1/ 149)، وانظر السفتجة وعلاقتها بالتطبيقات المصرفية - للهاجري بحث مقدم لنيل درجة الماجستير (ص: 26)، المنفعة في القرض - العمراني (ص: 139).