الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي خالصه
(1)
.
فيكون معنى اللفظ الصريح في الهبة: هو اللفظ الذي يستعمل في الهبة خاصة دون غيره، كقوله في الإيجاب: وهبتك، وأعطيتك، ونحلتك.
وقوله في القبول: قبلت، واتهبت. وهذا يوافق مذهب الشافعية.
المعنى الثاني:
الصريح بمعنى البين الواضح، ومنه قوله: صرح فلان بالقول: إذا بينه وقصد الإخبار عنه.
فيكون معنى اللفظ الصريح في الهبة: ما يفهم منه لفظ الهبة مما يستعمل فيه كثيرًا، وإن استعمل في غيره، مثل جعلته لك، وخذه، وتسلمه، وهو لك
(2)
؛ لأن هذه الألفاظ تستعمل في الهبة كثيرًا وفي غيره، إلا أنه اشتهر استعمالها في الهبة، فصارت بينة واضحة في بابها، كالغائط الذي وضع للمطمئن من الأرض، ثم استعمل على وجه المجاز في إتيان قضاء الحاجة، فكان فيه أبين وأشهر منه فيما وضع له، وكذلك في مسألتنا مثله
(3)
.
وهذا هو مذهب الجمهور في تعريف الصريح من الكناية.
(1)
. رواه مسلم (132).
(2)
. انظر إعانة الطالبين (3/ 3).
(3)
. ويقول الباجي في المنتقى (7/ 6): «الصريح في كلام العرب على وجهين:
أحدهما: أن يريد بالصريح الخالص .... ولذلك روي في الحديث: (هذا صريح الإيمان) أي خالصه.
والوجه الثاني: أن يريد بالصريح البين، من قولهم: صرح فلان بالقول: إذا بينه».
اللفظ الصريح يتم به إيجاب الهبة بدون توقف على نية الواهب، أو قرائن الحال.
وغير الصريح: لا يعتبر إيجابا للهبة إلا بالنية أو قرائن الحال
وقد بسطت الكلام على ذلك في عقد البيع فارجع إليه إن شئت.
إذا عرف ذلك نأتي إلى ألفاظ الهبة الصريح منها والكناية:
جاء في الاختيار لتعليل المختار: «وتنعقد الهبة بقوله: وهبت؛ لأنه صريح فيه ونحلت؛ لكثرة استعمالها فيه، قال عليه الصلاة والسلام: أكل ولدك نحلته هكذا
(1)
.
(وأعطيت) صريح أيضا (وأطعمتك هذا الطعام)؛ لأن الإطعام صريح في الهبة إذا أضيف إلى المطعوم؛ لأنه لا يطعمه إلا بالأكل ولا أكل إلا بالملك، ولو قال: أطعمتك هذه الأرض. فهو عارية ; لأنها لا تطعم»
(2)
.
وفي الفتاوى الهندية: «لو قال: منحتك هذه الأرض، أو هذه الدار، أو هذه الجارية، فهي إعارة، إلا إذا نوى الهبة.
ولو قال: منحتك هذا الطعام، أو هذه الدراهم، أو هذه الدنانير، وكل ما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه يكون هبة، فإن أضافها إلى ما يمكن الانتفاع به مع
(1)
. هذا الحديث رواه البخاري (2586) من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، ومحمد بن النعمان بن بشير، أنهما حدثاه،
عن النعمان بن بشير، أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلامًا، فقال: أكل ولدك نحلت مثله، قال: لا، قال: فأرجعه. ورواه مسلم (1623).
(2)
. الاختيار لتعليل المختار (3/ 49)، وانظر الجوهرة النيرة (1/ 325)، فتح القدير (9/ 24)، بدائع الصنائع (6/ 116)، منح الجليل (8/ 181)، تحفة المحتاج (6/ 298)، مغني المحتاج (2/ 379)، نهاية المحتاج (5/ 406)، حاشية الجمل (3/ 595).
قيامه حملناها على العارية؛ لأنها الأدنى، وإن أضافها إلى ما لا يمكن الانتفاع به إلا بالاستهلاك حملناها على الهبة، كذا في محيط السرخسي»
(1)
.
وجاء في مغني المحتاج: «ومن صريح الإيجاب: وهبتك، ومنحتك، وملكتك بلا ثمن، ومن صريح القبول قبلت ورضيت»
(2)
.
واعتبر من الكناية قوله: لك هذا، وقوله: كسوتك هذا
(3)
.
لأن قوله كسوتك هذا الثوب يصلح للهبة ويصلح للعارية، فإن قال: لم أرد الهبة صدق.
والقاعدة في جنس هذه المسائل هي أنه إذا كانت الألفاظ التي قيلت من المملك تفيد تمليك الرقبة فالعقد هبة، وإذا كانت تفيد تمليك المنفعة فهي عارية، وإذا كانت تحتمل المعنيين نظر إلى قرائن الحال، كما ينظر إلى جنس الموهوب، فإن كان الموهوب مما ينتفع به بإتلاف عينه كالدراهم والطعام واللبن فهو هبة، وإن كان مما ينتفع به، وهو قائم العين فقد يكون عارية، والله أعلم
(4)
.
* * *
(1)
. الفتاوى الهندية (4/ 376).
(2)
. مغني المحتاج (2/ 397).
(3)
. انظر حاشية البجيرمي على الخطيب (3/ 262).
(4)
. انظر درر الحكام شرح مجلة الأحكام (2/ 401).