الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الرحمن بن عبد القاري،
أن عمر بن الخطاب قال: ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلًا، ثم يمسكونها، فإن مات ابن أحدهم، قال: ما لي بيدي، لم أعطه أحدًا، وإن مات هو، قال: هو لابني قد كنت أعطيته إياه. من نحل نحلة، فلم يحزها الذي نحلها، حتى يكون إن مات لورثته، فهي باطل
(1)
.
وجه الاستدلال من هذا الأثر كالاستدلال من الأثر السابق.
ويجاب عنه بما أجيب به الأثر السابق؛ لأن قوله من نحل نحلة، فـ (نحلة) نكرة في سياق الشرط، تعم كل نحلة، وسواء أكانت النحلة مشاعة أم مقسومة، وسواء أكانت عقارًا أم منقولًا، فالأثر دليل على صحة الهبة المشاعة وغير المشاعة وإنما القبض شرط للزومها، وليس لصحتها، والشيوع لا يمنع من القبض كما تقدم، ويكون قبض كل مال شائع بحسبه، من عقار ومنقول.
الدليل الرابع:
أن القبض إذا أطلق فإنما يراد به القبض الكامل، والقبض في المشاع ليس كاملًا، بل هو موجود في وجه دون وجه، وتمام القبض لا يحصل إلا بالقسمة؛ لأن الأنصباء تتميز، وتجتمع، وما لم يجتمع لا يصير محرزًا، أو يكون إحرازًا ناقصًا، فلا يكفي لإفادة الملك.
وأجيب بأجوبة منها:
الجواب الأول:
أن القبض في الأموال ليس واحدًا بل يختلف من مال لآخر:
(1)
. الموطأ (2/ 753).
فما ينقل يكون قبضه بنقله، وما لا ينقل من العقارات يكون قبضه بتخليته، وقبض النقود بقبضها باليد، أو تحويلها إلى حساب المستفيد. وأما المشاعات فإن كانت من الأموال المنقولة فيكون بقبض جميعها بإذن الشريك، ويكون بعضه مقبوضًا تملكًا، وبعضه مما هو من نصيب الشريك يكون قبضه بالوكالة أمانة، وإن لم يأذن الشريك بأن يقبضه الموهوب له، وكل الموهوب له شريكه الواهب بقبضه، فيكون قبض الشريك إقباضًا للموهوب له، لأن الوكيل نائب مناب الموكل، وإن كان المشاع مما لا ينقل يكون قبضه بتخليته، ووضع اليد على الكل لمصلحة القابض والشريك، وقبض الغلات غير المفصولة من أصولها يكون قبضها بقبض تلك الأصول، فالقبض ليس له حقيقة شرعية، وإنما حقيقته عرفية، ولهذا منه ما هو قبض حقيقي، ومنه ما هو قبض حكمي، والجميع يحصل به المراد
(1)
.
الجواب الثاني:
إذا أمكن قبض المشاع في البيع، ولم يكن الشيوع مانعًا من قبضه في البيع، لم يكن الشيوع مانعًا من قبضه في الهبة، والملك يحصل بكل منهما.
قال ابن حزم: «وما نعلم لهم شغبًا موهوا به، إلا إن قالوا: قبض المشاع لا يمكن. فقلنا لهم: كذبتم، بل هو ممكن، وهبك أنه غير ممكن، فلم أجزتم بيعه، والبيع عندكم يحتاج فيه إلى القبض، ولم أجزتم إصداقه، والصداق واجب فيه الإقباض قال الله تعالى:{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4].
(1)
. التمهيد (7/ 238)، انظر أسنى المطالب (2/ 482)، تحفة المحتاج (6/ 306)، الإنصاف (7/ 126).