الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمهيد
المبحث الأول
تعريف الهبة
تعريف الحنفية:
عرفها الحنفية، بقولهم: الهبة «تمليك العين في الحال من غير عوض»
(1)
.
فقولهم: (تمليك) إشارة إلى أن عقد الهبة من عقود التمليك.
وقولهم: (العين) مطلق العين يدخل فيها الأعيان المالية وغيرها؛ إلا أن العيني فرق بين الهبة بمعناها اللغوي، والهبة بمعناها الاصطلاحي، فقال: «ومعناها في اللغة: إيصال الشيء للغير بما ينفعه، سواء كان مالًا أو غير مال: يقال: وهبت له مالا، ووهب الله فلانًا ولدًا صالحًا
…
وفي الشرع: الهبة تمليك المال بلا عوض»
(2)
.
وجاء في مجمع الأنهر: «والمراد بالعين: عين المال، لا العين المطلق بقرينة التمليك المضاف إليه؛ لأن العين الذي ليس بمال لا يفيد الملك .... ولأن العين قد لا يكون مالًا»
(3)
.
وينبغي أن تصح الهبة لكل ما يصح تملكه، سواء كان مالًا أو غير مال؛ لأن ذلك ليس من عقود المعاوضات حتى تشترط له المالية، ولذلك صحت الوصية
(1)
. بدائع الصنائع (6/ 116)، تبيين الحقائق (5/ 91)، درر الحكام شرح غرر الأحكام (2/ 217).
(2)
. عمدة القارئ (13/ 125)، وانظر فتح القدير لابن الهمام (9/ 19).
(3)
. مجمع الأنهر (2/ 353).
بما ليس مالًا، كالوصية بالكلب عند من يعتبر الكلب ليس مالًا، والوصية من عقود الهبات إلا أنها تقع بعد الموت.
وقوله (تمليك العين) أخرج هبة المنافع لسببين:
الأول: أن المنافع لا تسمى مالًا عند الحنفية.
الثاني: أن هبة المنافع لها اصطلاح خاص عند الفقهاء، وهو ما يسمى بالعارية.
قال في البناية: «العارية تمليك المنفعة فقط، وفي الهبة تمليك العين مع المنفعة»
(1)
.
وخرج بقيد (التمليك) الإبراء من الدين، ولو كان بلفظ الهبة؛ لأن الإبراء يعتبر إسقاطًا، وليس بتمليك في أحد القولين، وبه قال بعض الحنفية، وهو قول في مذهب الشافعية
(2)
.
وقال بعض الحنفية: الهبة نوعان: تمليك وإسقاط
(3)
، وهذا أقوى، والله أعلم.
إلا أن الهبة إن كانت إسقاطًا لم تفتقر إلى قبول، وإن كانت نقلًا توقفت عليه، وسيأتي إن شاء الله تعالى بحث موضع القبول من العقد.
وقولهم: (في الحال) أخرج الوصية، وقد رأى بعض الحنفية بأن هذا القيد لا حاجة له؛ لأن عقد الهبة بطبيعته حال كبعت، لا يقال: مبادلة مال بمال في الحال.
(1)
. البناية شرح الهداية (10/ 159).
(2)
. انظر مجمع الأنهر (2/ 353)، الحاوي الكبير (9/ 522).
(3)
. الاختيار لتعليل المختار (3/ 48)، الفتاوى الهندية (4/ 374).
جاء في مجمع الأنهر: «المراد بالتمليك: هو التمليك في الحال لأن قوله: وهبت لإنشاء الهبة حالا كبعت فلا حاجة إلى قول من قال: هي تمليك مال للحال للاحتراز عن الوصية»
(1)
.
وأرى أن هذا القيد لا يخرج الوصية فقط، بل يخرج معها الهبة المعلقة، ويخرج الهبة المضافة إلى المستقبل، كما لو قال: وهبتك في أول الشهر، ونحو ذلك، ولو قال: الهبة تمليك في الحياة أخرج الوصية، وأدخل الهبة المعلقة والمضافة؛ فإن الصحيح جواز تعليق الهبة وإضافتها إلى المستقبل، وسوف يأتينا إن شاء الله تعالى خلاف العلماء فيهما، أسأل الله وحده العون والتوفيق.
وقولهم: (من غير عوض) أخرج عقود المعاوضات، كالبيع والإجارة، وأخرج الهبة بشرط العوض، فإنها بيع، يثبت لها أحكام البيع؛ لأن العبرة في العقود بالمعاني، لا بالألفاظ والمباني
(2)
.
فعلى هذا عقد الهبة يعتبر من عقود التمليك، والتمليك: هو جعل الرجل مالكًا وهو على أربعة أنحاء:
الأول: تملك العين بالعوض، وهو البيع.
الثاني: تمليك العين بلا عوض وهي الهبة.
الثالث: تمليك المنفعة بالعوض، وهي الإجارة.
الرابع: تمليك المنفعة بلا عوض، وهي العارية.
(1)
. مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (2/ 353).
(2)
. انظر مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (2/ 352).