الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
في هبة الدين لغير من هو عليه
هبة الدين للغير صحيحة كالحوالة عليه.
[م-1871] هبة الدين لغير من هو عليه اختلف فيها الفقهاء فيه على قولين:
القول الأول:
تصح، وهو مذهب المالكية، وقول في مقابل الأصح في مذهب الشافعية
(1)
، وقول في مذهب الحنابلة
(2)
.
واشترط الحنفية أن يأذن له بالقبض، وأن يتم قبضه
(3)
.
وذكر المالكية في صفة قبض الدين الموهوب شرطين:
أحدهما: أن يشهد الواهب على الدين لفلان، ويدفع وثيقة بذلك للموهوب له.
الثاني: أن يجمع بين الموهوب له ومن عليه الدين.
وهل ذلك شرط كمال، أو شرط صحة، قولان في مذهب المالكية، والمعتمد في الأول أنه شرط صحة، وفي الثاني شرط كمال
(4)
.
(1)
. التاج والإكليل (6/ 52)، الشرح الكبير (4/ 99)، الخرشي (7/ 103)، فتح الوهاب (1/ 446)، مغني المحتاج (2/ 400).
(2)
. الفروع (4/ 187): «ولا تصح هبة دين لغير غريم. ونقل حرب يصح، وأطلق شيخنا روايتين فيه، وفي بيعه من غيره» .
(3)
. النتف في الفتاوى للسغدي (1/ 518)، بدائع الصنائع (6/ 119)، المحيط البرهاني (6/ 243)، حاشية ابن عابدين (5/ 708)، البحر الرائق (7/ 284).
(4)
. حاشية الصاوي على الشرح الصغير (4/ 142).
وجه القول بالصحة:
إذا صحت الحوالة بالدين، صحت هبة الدين من باب أولى، والحوالة بالدين هو نقل للدين إلى المحال، والهبة نقل للدين إلى الموهوب من غير فرق، اللهم إلا أن الهبة على قول لا تلزم إلا بالقبض، والحوالة تلزم بالرضا، ولو لم يقبض، وهذا فرق غير مؤثر، والله أعلم.
القول الثاني:
لا تصح هبة الدين لغير من هو عليه، وهذا هو الأصح في مذهب الشافعية، والمشهور من مذهب الحنابلة
(1)
.
جاء في الإنصاف: «لا تصح هبة الدين لغير من هو في ذمته على الصحيح من المذهب»
(2)
.
وعلل الشافعية عدم الصحة؛ لأنه غير مقدور على تسليمه؛ لأن ما يقبض من المدين عين فهي غير ما وهب، لا دين
(3)
.
وهذا التعليل مستغرب، فإن الدائن يقبض من مدينه عينًا، وهو غير ما وجب له في ذمة المدين، ومع ذلك يصح قبضه، ويبرأ من دينه.
والغريب أن الشافعية يصححون بيع الدين على غير من هو عليه بشرطه كما يصححون بيع الموصوف، ويمنعون في الأصح هبة الدين لغير من هو عليه، وهبة الموصوف مع أن عقود التبرعات ينبغي أن تكون أخف من عقود المعاوضات.
(1)
. نهاية المطلب (8/ 413)، الوسيط (3/ 461)، المغني (5/ 384)،
(2)
. الإنصاف (7/ 129).
(3)
. حاشية البجيرمي على الخطيب (3/ 263).
وقد ذكر الشافعية وجه التفريق بين صحة بيعه وعدم صحة هبته:
(1)
.
ولماذا لا يعكس، فيقال: إن البيع يدور بين الغنم والغرم، والحصول على الدين غير مضمون، فإن حصل المشتري على الدين فقد غنم، وإن لم يحصل عليه فقد غرم، وأما الهبة فهي تبرع، والموهوب لا يخسر شيئًا، فهو إما غانم وإما سالم، ثم هب أن هبة الدين من قبيل الوعد بالهبة فماذا في ذاك، فلماذا يكون الوعد بالهبة باطلة، لماذا لا يصحح ذلك، ويكون عقدًا جائزًا، فإن قبضه لزم، وإن لم يقبضه لم يلزم.
الراجح:
أن هبة الدين لغير من هو عليه هبة صحيحة، وهل تنقل الملك إلى الموهوب له بمجرد العقد، أو تحتاج إلى قبض الدين من المدين، قولان كالخلاف في هبة العين، وقد ذكرنا هذا الخلاف في الكلام على توصيف عقد الهبة، والله أعلم.
* * *
(1)
. حاشية الجمل (3/ 597).