الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
إذا كان الموهوب في يد المتهب
[م-1866] لو كان الشيء الموهوب مقبوضًا قبل الهبة، كما لو وهب المودع الوديعة، والمعير العارية، فهل يكون قبضها يغني عن الإذن بالقبض؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول:
إذا كان الموهوب مقبوضًا للموهوب له، لزمت الهبة بالعقد، ولا حاجة إلى تجديد القبض مطلقًا، وسواء كانت يد القابض يد ضمان، أم يد أمانة، ولا يشترط الإذن بالقبض، ولا مضي زمان يتأتى فيه القبض. وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، والحنابلة
(1)
.
وجه القول بذلك:
أن المراد بالقبض: إثبات اليد، والتمكن من التصرف في المقبوض، فإذا تحقق هذا الأمر فقد وجد القبض، ولا علاقة لكون المقبوض مضموناً، أو أمانة في حقيقة القبض، ولا يوجد دليل على أنه ينبغي أن يقع القبض ابتداء بعد العقد.
(1)
. المدونة (6/ 128)، المنتقى شرح الموطأ (6/ 100)، شرح ميارة (1/ 111)، التاج والإكليل (8/ 16)، مواهب الجليل (6/ 52)، أحكام القرآن لابن العربي (1/ 344)، المحرر (1/ 374)، الكافي لابن قدامة (2/ 467)، المغني (5/ 381)، الفروع (4/ 642)، الإنصاف (7/ 122).
واتفق الحنفية مع المالكية والحنابلة في أن القبض الموجود قبل الهبة ينوب عن قبض الهبة، وإن كانوا يفرقون بين قبض الضمان وقبض الأمانة:
وجه ذلك: أن العين في يد الموهوب له لا تخرج عن حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون قبضه لها قبض أمانة، فينوب عن الهبة، لأن القبضين متماثلان.
الحالة الثانية: أن يكون قبضه لها قبض ضمان، فهو أقوى من قبض الهبة، والأقوى ينوب عن الأدنى.
بخلاف ما لو باع عليه ما كان مودعًا عنده أو مستعارًا فإن قبضه عندهم لا ينوب عن قبض البيع؛ لأن قبض الوديعة والعارية أمانة، وقبض المبيع قبض ضمان، فلا ينوب قبض الأضعف عن الأقوى. هذا ملخص مذهب الحنفية
(1)
.
القول الثاني:
ذهب أن القبض السابق ينوب مناب القبض اللاحق بشرطين:
أحدهما: أن يأذن الواهب بالقبض.
الثاني: أن يمضي زمن يتأتي فيه القبض إذا كان الشيء غائباً عن مجلس العقد، وهذا مذهب الشافعية، وقول في مذهب الحنابلة
(2)
.
(1)
. بدائع الصنائع (6/ 126)، الهداية شرح البداية (3/ 224)، المحيط البرهاني (6/ 263)، المحيط البرهاني (9/ 351)،
(2)
. مغني المحتاج (2/ 128)، نهاية المحتاج (4/ 255)، السراج الوهاج (ص: 215)، الإنصاف (7/ 122 - 123)، المبدع (5/ 364).
القول الثالث:
إن كانت حين الهبة في يد المتهب لم يعتبر إذن الواهب، وإنما يعتبر مضي مدة يتأتى فيه قبضها، وهذا قول ثالث في مذهب الحنابلة
(1)
.
جاء في المحرر: «فإن كانت في يد المتهب لزمت عقيب العقد.
وعنه لا تلزم حتى يمضي زمن يتأتى قبضها فيه.
وعنه لا تلزم إلا بإذن الواهب في القبض، ومضى زمن يتأتى فيه قبضها.
وعنه أن هبة المعين تلزم بمجرد العقد بكل حال»
(2)
.
الراجح:
أن هبة المقبوض تلزم بالعقد؛ لأن المراد بالقبض: إثبات اليد، والتمكن من التصرف في المقبوض، فإذا تحقق هذا الأمر فقد وجد القبض من غير فرق بين قبض الضمان وقبض الأمانة، ولا حاجة لاشتراط أن يمضي زمن يمكنه أن يقبضه؛ لأن مضي الزمن ليس من توابع القبض، وليس له مدخل في حقيقته، والله أعلم.
* * *
(1)
. الإنصاف (7/ 122 - 123)، المحرر (1/ 374)، المغني (5/ 123).
(2)
. المحرر (1/ 374).