الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
التفريق بين الهبة وبين الوصية والصدقة
التفريق بين الهبة والصدقة:
[م-1820] الهبة والصدقة يتفقان على أنهما تبرع بالمال بلا عوض، ويفترقان في أمور منها:
الأول: أن الصدقة الباعث عليها طلب الأجر في الآخرة. وأما الهبة فيقصد منها نفع الموهوب والإحسان إليه، وإذا أضيف إلى هذا القصد الإكرام والتودد والتأليف صارت الهبة هدية، والتودد وإن كان يثاب عليه المسلم إلا أن ذلك الثواب لم يقصد في الهبة قصدًا أوليًا.
الثاني: الصدقة تطلق على صدقة زكاة المال، وهي فريضة من الله، وفي مال مخصوص لأناس مخصوصين.
وتطلق على صدقة الفطر، وهي فريضة أيضًا، وهما واجبة في مال خاص، ولأناس مخصوصين.
وتطلق على الصدقة المستحبة التي يتقرب بها العبد إلى ربه وقال: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 8، 9].
وأما الهبة فهي مستحبة بالإجماع، وتصح في كل الأموال، وليس لها محل خاص.
الثالث: الصدقة لا تحل لمحمد عليه السلام، وكذلك لا تصح لآل محمد عليه السلام؛ ما كان الخمس يصل إليهم؛ لأنها أوساخ الناس، والهبة والهدية تصح لهم.
(ح-1096) فقد روى البخاري من طريق محمد بن زياد،
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام سأل عنه: أهدية أم صدقة؟، فإن قيل صدقة، قال لأصحابه: كلوا، ولم يأكل، وإن قيل هدية، ضرب بيده صلى الله عليه وسلم، فأكل معهم
(1)
.
(ح-1097) وروى البخاري من طريق شعبة، عن قتادة،
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بلحم، فقيل: تصدق على بريرة، قال: هو لها صدقة ولنا هدية
(2)
.
الرابع: الصدقة لا يصح الرجوع فيها بالاتفاق إذا خرجت من مال صاحبها؛ لأن ما أخرجه الإنسان لله فهو لازم، وأما الهبة فإن القصد منها التمليك بغرض نفع الموهوب، لهذا وقع فيها خلاف في حق رجوع الواهب قبل القبض وبعده، وسوف نحرر هذا الخلاف إن شاء الله تعالى في مبحث مستقل.
الخامس: الأصل في المتصدق عليه المسكنة والحاجة بخلاف الهبة فإنها تكون للأغنياء والفقراء.
(1)
. البخاري (2576).
(2)
. البخاري (2577)، ومسلم (1074).
السادس: الصدقة لا يراد منها المكافأة من المتصدق عليه فهي خالية من الأعواض والأغراض.
والهبة قد يقصد بها نفع الموهوب، وقد يقصد منها الحصول على الثواب والمكافأة، وهي نوع من الهبة يسميها الفقهاء هبة الثواب، وسيأتي الكلام على أحكامها إن شاء الله تعالى أثناء البحث.
وقد سئل ابن تيمية رحمه الله عن الصدقة والهدية أيهما أفضل؟ فأجاب:
(1)
.
(ح-1098) ويشهد لهذا ما رواه البخاري من طريق بكير، عن كريب مولى ابن عباس،
أن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أخبرته، أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه، قالت: أشعرت يا رسول الله
(1)
. الفتاوى الكبرى (4/ 180).