الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
في رجوع الأب في هبته
[م-1874] اختلف العلماء في رجوع الأب فيما وهبه لولده إلى أقوال:
القول الأول:
يجوز للأجنبي الرجوع بالهبة، ولا يجوز للأب الرجوع في هبته، وهذا مذهب الحنفية.
وعن الإمام أحمد رواية أن الأب ليس له الرجوع في هبته إذا لزمت
(1)
.
دليل الحنفية في التفريق بين الأب والأجنبي:
(ث-287) بما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود،
عن عمر، قال: من وهب هبة لذي رحم فهي جائزة، ومن وهب هبة لغير ذي رحم فهو أحق بها ما لم يثب منها
(2)
.
[صحيح من قول عمر وسبق تخريجه]
(3)
.
القول الثاني:
لا يجوز للأجنبي، ويجوز للأب الرجوع فيما وهبه لولده، وهذا مذهب الجمهور
(4)
.
(1)
. الإنصاف (7/ 145).
(2)
. المصنف (22121).
(3)
. انظر تخريجه (ث 270).
(4)
. الخرشي (7/ 114)، التاج والإكليل (6/ 63)، الفواكه الدواني (2/ 155)، منح الجليل (8/ 205)، القوانين الفقهية (ص: 242)، الذخيرة (6/ 266)، الشرح الكبير (4/ 110)، الحاوي الكبير (7/ 545)، البيان للعمراني (8/ 124)، روضة الطالبين (5/ 379)، تحفة المحتاج (6/ 309)، مغني المحتاج (2/ 401).
أدلة الجمهور على تحريم رجوع الأجنبي وجواز رجوع الأب:
الدليل الأول:
(ح-1144) بما رواه البخاري من طريق ابن طاوس، عن أبيه،
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه
(1)
.
فهذا دليل على تحريم رجوع الأجنبي.
الدليل الثاني:
(ح-1145) ما رواه أحمد من طريق حسين بن ذكوان يعني المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن طاوس،
أن ابن عمر، وابن عباس رفعاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يحل لرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها، كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء ثم رجع في قيئه.
[اختلف في وصله وإرساله، والمحفوظ في لفظ الحديث: (العائد في هبته كالكلب
…
) دون زيادة إلا الوالد فيما يعطي، فإنه قد تفرد بها عمرو بن شعيب، عن طاوس]
(2)
.
وهذا دليل على جواز رجوع الأب في هبته.
(1)
. صحيح البخاري (2589)، وصحيح مسلم (1622).
(2)
. هذا الحديث أخرجه أحمد (1/ 237) و (2/ 27) وأبو يعلى في مسنده (2717)، والطحاوي في مشكل الآثار (5063)، والدارقطني (3/ 42)، عن يزيد بن هارون،
وأخرجه أحمد (1/ 237) و (2/ 27) عن محمد بن جعفر.
وأخرجه عبد الله بن المبارك في مسنده (202).
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (22131) حدثنا أبو أسامة.
وأخرجه أبو داود (3539) والطبراني في المعجم الكبير (12/ 396)، وابن حبان (5123)، والحاكم في المستدرك (2/ 46)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 179)، من طريق يزيد بن زريع.
والترمذي (1299، 2132) والنسائي في المجتبى (3690) وفي الكبرى (6484)، وابن ماجه (2377) من طريق ابن أبي عدي.
وأخرجه النسائي في المجتبى (3703)، وفي الكبرى (6498) وابن الجارود في المنتقى (994)، والطحاوي في مشكل الآثار (5065)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 179) من طريق إسحاق الأزرق.
وأخرجه النسائي في الكبرى (6485) من طريق خالد بن الحارث،
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 180) من طريق عبد الوارث بن سعيد.
كلهم (يزيد بن هارون، ومحمد بن جعفر، وأبو أسامة، وعبد الله بن المبارك، ويزيد بن زريع، وابن أبي عَدي، وإسحاق الأزرق، وخالد بن الحارث، وعبد الوارث بن سعيد) عن حسين بن ذكوان المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن طاوس، فذكره.
وهذا الإسناد رجاله ثقات إلا أنه معلول بعلل منها:
العلة الأولى: أن حديث طاوس، عن ابن عباس، مروي في البخاري (2589)، ومسلم (1622)، وأقتصر عليهما، وليس فيهما زيادة عمرو بن شعيب في استثناء رجوع الوالد.
وكذلك رواه البخاري (2621) ومسلم (1623) من طريق سعيد بن المسيب، عن ابن عباس.
وكذلك رواه البخاري (6975) من طريق عكرمة، عن ابن عباس.
وتفرد عمرو بن شعيب بهذه الزيادة يجعلها شاذة، والله أعلم.
العلة الثانية: أن الحسن بن مسلم رواه، عن طاوس، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا قال: لا يحل لواهب أن يرجع فيما وهب إلا الوالد من ولده.
أخرجه الشافعي في مسنده (1058)، وابن أبي شيبة (22134) والنسائي في المجتبى (3692، 3704)، وفي الكبرى (6487، 6499)، والطحاوي في مشكل الآثار (5069)،
وكذا رواه ابن وهب، عن ابن جريج، عن طاوس مرسلًا، كما في مدونة مالك (6/ 136).
العلة الثالثة: أن الحديث قد رواه أحمد (2/ 182)، والنسائي في المجتبى (3689) وفي الكبرى (6481) وابن ماجه (2378)، والدارقطني (3/ 43) وابن عدي في الكامل (5/ 82)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 179)، من طريق عامر الأحول، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. وسلك طريق الجادة.
الدليل الثالث:
(ح-1146) ما رواه الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية، ويعلى، قالا: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود،
عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه
(1)
.
[صحيح]
(2)
.
(1)
. المسند (6/ 42).
(2)
. اختلف فيه على الأعمش:
فرواه ابن أبي شيبة في المصنف (23141، 37365)، وإسحاق بن راهوية في مسنده (1507)، وسعيد بن منصور (2288)، وابن ماجه (2137) وابن حبان (4261)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 480)، من طريق أبي معاوية.
ورواه أحمد (6/ 42)، وإسحاق (1507) عن يعلى بن عبيد.
ورواه أحمد (6/ 220) وابن حبان (4260) من طريق شريك.
ورواه النسائي (4451) من طريق الفضل بن موسى.
ورواه أيضًا (4452) من طريق عمرو بن سعيد. كلهم عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة.
ورواه الحاكم في المستدرك (2/ 312) من طريق حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة وخالف في لفظه، وزاد فيه، ولفظه:(إن أولادكم هبة الله لكم، يهب لمن يشاء إناثا، ويهب لمن يشاء الذكور، فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها) قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ....
وزيادة: إذا احتجتم إليها زيادة شاذة.
وخالفهم كل من سبق:
يحيى بن أبي زكرياء بن أبي زائدة، كما في مسند أحمد (6/ 41)، وسنن الترمذي (1358) وسنن ابن ماجه (2290).
وشعبة كما في مسند أحمد (6/ 173).
وسفيان بن عيينة كما في مسند أحمد (6/ 201)، وسنن سعيد بن منصور (2287)، وسنن النسائي (4450)، والسنن الكبرى له (5999)، ثلاثتهم، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عمارة بن عمير، عن عمته، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم. وسقط إبراهيم من سنن سعيد بن منصور.
وعمة عمارة بن عمير مجهولة.
ورواه أحمد (6/ 193، 127)، وأبو داود (3528) والنسائي (4449) والبيهقي (7/ 478)، من طريق منصور، عن إبراهيم، عن عمارة بن عمير، عن عمته، عن عائشة. فخرج منها الأعمش.
إلا أن عمارة بن عمير قد اختلف عليه:
فرواه الأعمش، وإبراهيم، عن عمارة بن عمير، عن عمته، عن عائشة كما تقدم.
رواه أحمد (6/ 126)، وإسحاق في مسنده (1655)، وأبو داود الطيالسي (1580)، وأبو داود (6529) من طريق شعبة، عن الحكم، عن عمارة، عن أمه، عن عائشة، فاستبدل عمته بأمه، وهذا وهم لم يتابع عليه. والوهم من شعبة، أو من الحكم.
ولفظ سعيد بن منصور من طريق أبي معاوية: أولادكم من كسبكم، فكلوا من أموال أولادكم
(1)
.
وهذا عندي محمول على النفقة، وليس في الرجوع عن الهبة.
الدليل الرابع:
صح رجوع النعمان في هبته لولده:
(1)
. سعيد بن منصور (2288).
(ح-1147) فقد روى البخاري من طريق ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، ومحمد بن النعمان بن بشير، أنهما حدثاه،
عن النعمان بن بشير، أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما، فقال: أكل ولدك نحلت مثله، قال: لا، قال: فارجعه
(1)
.
ويمنع الرجوع في الهبة عند الحنابلة: زيادة متصلة، واستهلاك العين، وكذا بيعها أو هبتها، أو وقفها، فلو عادت إليه بسبب جديد كبيع، أو إرث، أو وصية لم يملك الأب الرجوع. وكذلك يمنع الرجوع رهن الهبة ما لم تنفك.
الراجح:
لم تثبت عندي زيادة (إلا الوالد فيما يعطى ولده) وحديث (العائد في هبته) حديث متفق على صحته، لا يمكن أن يخصص بحديث شاذ، فأرى أن الأب لا يرجع في هبته إذا وهب ولده، إلا فيما كان منهيًا عنه كما لو كان فيها تفضيل لبعضهم على بعض، وأما حديث (أنت ومالك لأبيك) على فرض صحته فإنه لا يعني الملكية كما أن الابن غير مملوك لأبيه، وهو حر، فكذلك ماله، لا يملكه أبوه، وإنما يدل على أن الأب إن احتاج إلى الأكل وما يقيم بدنه وجب على الولد الإنفاق على أبيه، حتى لو كانت نفقته عليه من هبته له؛ لأن هذا سبب متجدد مختلف، فهو لم يرجع في هبته، وإنما ملكها بسبب مختلف كما لو ورثها، والله أعلم.
* * *
(1)
. البخاري (2586)، ومسلم (1623).