الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال في المجموع: «وأما السكران فالمذهب صحة بيعه وشرائه، وسائر عقوده التي تضره والتي تنفعه»
(1)
.
القول الثاني:
لا يصح شيء من تصرفات السكران، ومنه الهبة، وهذا قول أبي يوسف، وأبي الحسن الكرخي، وأبي جعفر الطحاوي من الحنفية
(2)
، ومحمد بن عبد الحكم من المالكية
(3)
، وقول في مذهب الشافعية
(4)
، وقول في مذهب الحنابلة
(5)
، واختيار ابن حزم
(6)
.
القول الثالث:
تلزمه الجنايات، والعتق، والطلاق، ولا تلزمه الإقرارات، والعقود من بيع، وإجارة، وهبة وصدقة، وهذا هو المشهور من مذهب المالكية
(7)
.
القول الرابع:
تلزمه الأفعال، ولا تلزمه الأقوال فيقتل بمن قتل ويحد في الزنا، والسرقة، ولا يحد في القذف، ولا يلزمه طلاق ولا عتق، وهو قول الليث
(8)
.
(1)
. المجموع (9/ 181).
(2)
. كشف الأسرار (4/ 354).
(3)
. مواهب الجليل (4/ 242).
(4)
. المجموع (9/ 181 - 182).
(5)
. كشاف القناع (3/ 151).
(6)
. المحلى، مسألة (1523).
(7)
. مواهب الجليل (4/ 242)، الخرشي (7/ 103)، الشرح الكبير (4/ 98)، حاشية الدسوقي (3/ 397).
(8)
. مواهب الجليل (4/ 242).
وقد سبق ذكر أدلة هذه المسألة في عقد البيع في المجلد الثاني عند الكلام على خلاف العلماء في بيع السكران، وأرى أن الراجح هو التفصيل:
وأن الذي لا يتأثر بالسكر مطلقاً لكونه قد شرب قليلاً منه، أو لكونه قد اعتاد شربه حتى أصبح لا يؤثر في عقله، فهذا لا فرق بينه وبين الصاحي؛ لأن الحكم يدور مع علته، فالعلة هي الخوف من تأثير السكر على العقل، فإذا انتفى التأثير انتفى الحكم. ولذلك قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] فجعل غاية النهي هي إدراك ما يقول.
وأما من أثر فيه السكر، ولو لم يذهب عقله بالكلية فإنه داخل في الخلاف، فإنه معروف أن من يشرب الخمرة فقد تدفعه إلى الإقدام على الصفقة من غير إدراك لعواقبها، وإن كان لا يزال معه بقية من عقله، وقد تحول البخيل إلى كريم، والجبان إلى شجاع كما قال حسان:
ونشربها فتتركنا ملوكاً وأسداً ما ينهنهنا اللقاء
وقال آخر:
فإذا شربت فإنني رب الخورنق والسدير وإذا صحوت فإنني رب الشويهة والبعير
وأما الاحتجاج بالآية في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] وأن السكران لو كان عقله قد ذهب بالكلية لما صح أن يوجه له أمر ونهي، فكيف ينهى عن قربان الصلاة؟
فهذا استدلال ببعض الآية وترك لبعضها، فالآية تقول:{حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] وهو دليل على أن السكران قد يعلم وقد لا يعلم ما يقول هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الآية نزلت في وقت كان شرب الخمر مأذوناً
فيه، وهي تنهى من يريد شرب الخمر عن شربه في أوقات الصلوات؛ لأن شربه الخمر سيكون سبباً في تركه للصلاة، فهو خطاب للمسلم قبل سكره، لهذا كان بعض الصحابة بعد نزول هذه الآية لا يشرب الخمر إلا بعد صلاة العشاء فلا يصبح إلا وقد ذهب عنه السكر.
* * *