الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1
- قال المصنف - رحمه الله تعالى -[1/ 532]: رَوَى الإِمَامُ مَالِكٌ فِيْ «المُوَطَّأ» ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَآخَرُوْنَ، عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلَ رضي الله عنه، قَالَ:«بَعَثَنِي رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى اليَمَنِ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِيْنَ بَقَرَةً، بَقَرَةً، وَمِنْ كُلِّ ثَلاثِيْنَ مُسِنَّةً، تَبِيْعَاً أَوْ تَبِيْعَةً» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيْثٌ حَسَنٌ، وَرُوِيَ مُرْسَلَاً، وَهُوَ أَصَحُّ.
إسناد الحديث ومتنه:
قال الإمام الترمذي رحمه الله: حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن معاذ بن جبل، قال:«بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين بقرةً تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مُسِنَّةً، ومن كل حالم ديناراً أو عِدْله معافرٌ» .
[«الجامع» للترمذي، (صـ 123)، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة البقر، حديث رقم (623)]
دراسة الإسناد:
- محمود بن غَيلان العَدَوي مولاهم، أبو أحمد المرْوزي، نزيل بغداد.
مُتَّفَقٌ عَلى تَوْثِيْقِهِ.
قال الإمام أحمد: أعرفه بالحديث، صاحبُ سنَّةٍ، قد حُبس بسبب القرآن.
ت 239، وقيل: بعد ذلك.
[«التاريخ الكبير» (7/ 404)، «الثقات لابن حبان» (9/ 202)، «تهذيب الكمال» (27/ 305)، «تهذيب التهذيب» (10/ 64)، «تقريب التهذيب» (صـ 925)].
- عبد الرزاق بن هَمَّام بن نافع الحِمْيَري مولاهم، اليماني، أبو بكر الصنعاني.
إِمَامٌ، حَافِظٌ، ثِقَةٌ، وَحَدِيثُهُ مِنْ كِتَابِهِ أَصَحُّ، وحَدِيْثُهُ بَعْدَ المِئَتَيْنِ لِلْهِجْرَةِ ضَعِيْفٌ؛ لِقَبُوْلِهِ التَّلْقِيْنَ.
وثَّقَهُ: ابن معين، والعجلي، ويعقوب بن شيبة وزاد: ثبت، وأبو داود، والبزار، والدارقطني، وغيرهم، وذكره ابن حبان في الثقات.
وقال أحمد بن حنبل: مَنْ سمع من الكتب فهو أصح. وقال البخاري: ما حدث من كتابه فهو أصح. وقال ابن حبان: وكان ممن جمع، وصنف، وحفظ، وذاكر، وكان ممن يخطئ إذا حدث من حفظه، على تشيع فيه.
قال ابن عدي: رحل إليه أئمة المسلمين وثقاتهم، ولم نر بحديثه بأساً، إلا أنهم نسبوه إلى التشيع.
وضعَّفه: ابن معين كما في رواية ابن محرز، وأبو حاتم الرازي حيث قال: يكتب حديثه، ولا يحتج به.
قلتُ: وتضعيف ابن معين إنما هو تضعيف نسبي، لأنه جاء في معرض ذكره أصحابَ سفيان الثوري، فذكر الطبقة الأولى: وكيع، والقطان، وابن مهدي، وابن المبارك، وأبو نعيم، قال: هؤلاء ثقات. ثم قيل له: فأبو عاصم الضحاك بن مخلد، وعبد الرزاق، وقبيصة، وأبو حذيفة موسى بن مسعود؟ فقال:(هؤلاء ضعفاء).
فالطبقة الثانية هم من الثقات الأثبات، فضعَّفهم نِسبةً إلى الطبقة الأولى، ويدلُّ لذلك أنه وثَّقه كما في رواية الدارمي، وابن الجُنيد. وأما قول أبي حاتم فمُخالَف بتوثيق الأئمة، وهو
معروف بتشدده في الرجال (1) - رحمه الله تعالى -، ولعلَّه أراد حديثه بعدما عمي - والله أعلم -.
ووَصَفَهُ بالكذب وسرقة الأحاديث: زيد بن المبارك، والعباس العنبري.
قال العباس العنبري: والله الذي لا إله إلا هو إنَّ عبد الرزاق كذاب، والواقدي أصدق منه.
تعقبه الذهبي في «الميزان» بقوله: (هذا ما وافَقَ عليه العباسَ مسلمٌ، بل سائر الحفاظ، وأئمة العلم يحتجون به، إلا في تلك المناكير المعدودة في سعة ما رَوَى).
وقال أيضاً في «السير» : (بل والله ما بَرَّ عباسٌ في يمينه، ولبئس ما قال، يعمد إلى شيخ الإسلام، ومحدث الوقت، ومن احتجّ به كلُّ أرباب الصحاح- وإن كان له أوهام مغمورة، وغيره أبرع في الحديث منه- فيرميه بالكذب، ويُقدِّم عليه الواقدي، الذي اجتمعت الحفاظ على تركه، فهو في
مقالته هذه خارق للإجماع بيقين).
وقال ابن حجر في «هدي الساري» : (وثّقه الأئمة كلهم، إلا العباس بن عبد العظيم العنبري وحده؛ فتكلّم بكلام أفرط فيه، ولم يُوافقه عليه أحد).
وقد يُحمل كلام العباس العنبري على أن ذلك كان في آخر عمره، بعد أن تغير، قاله ابن الكيّال.
وقد ذُكر فيه ثلاثة أمور:
الأول: التَشَيُّع:
نسَبَهُ إلى التَشيُّع: ابنُ معين، العجلي، وابن عدي، وابن حبان، وغيرهم.
(1) ينظر: «ذِِكرُ مَن يعتمد قوله في الجرح والتعديل» للذهبي - ط. ضمن أربع رسائل في علوم الحديث - (ص171)، «تذكرة الحفاظ» (2/ 420)، «سير أعلام النبلاء» (13/ 260)، «الموقظة» (ص83)، «هدي الساري» (ص441، 462)، «المتكلمون في الرجال» للسخاوي (ص 138)، «ضوابط الجرح والتعديل» للعبد اللطيف (ص 69).
قلتُ: لم يكن غالياً في التشيع، فلم يكن يقدِّم على الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أحداً من الصحابة، وإنما كان يُقدِّم علياً على عثمان رضي الله عنهم، وهذا مذهب لبعض السلف أول الأمر، ثم أجمعوا على التثليث بعثمان رضي الله عنهم أجمعين - (1).
قال عبد الله بن الإمام أحمد: سألت أبي، قلتُ: عبد الرزاق، كان يتشيع ويفرط في التشيع؟ فقال: أما أنا فلم أسمع منه في هذا شيئاً، ولكن كان رجلاً تعجبه أخبار الناس.
وقال عبد الله أيضاً: سمعت سلمة بن شبيب يقول: سمعت عبد الرزاق يقول: والله ما انشرح صدري قطُّ أنْ أُفَضِّل علياً على أبي بكر وعمر، رحم الله أبا بكر، ورحم الله عمر، ورحم الله عثمان، ورحم الله علياً، مَنْ لم يحبهم فما هو مؤمن. وقال: أوثق عملي حُبِّي إياهم.
وقال أبو الأزهر أحمد بن الأزهر النيسابوري: سمعت عبد الرزاق يقول: أُفضِّل الشيخين بتفضيل عليٍّ إياهما على نفسه، ولو لم يفضلهما لم أفضلهما، كفى بي آزراً أن أحب علياً، ثم أُخالف قولَه.
الثاني: أنه اختلط بأخره؛ فكان يقبل التلقين.
قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل، يُسأل عن حديث «النار جبار»؟ فقال: هذا باطل، ليس من هذا شيء. ثم قال: ومَنْ يحدث به عن عبد الرزاق؟ قلت: حدثني أحمد بن شبويه. قال: هؤلاء سمعوا بعد ما عَمِي، كان يُلقَّن، فلقنه، وليس هو في كتبه، وقد أسندوا عنه أحاديث
ليست في كتبه، كان يُلقنها بعدما عَمي.
(1) ينظر: «مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية» (4/ 425 - 428)، «شرح العقيدة الواسطية» لابن عثيمين
…
(2/ 270 وما بعدها)، «شرح العقيدة الواسطية من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية» جمعه ورتبه: د. خالد المصلح (ص 184 - 187).
قال ابن هانيء: سألته-يعني الإمام أحمد- عمَّن سمع من عبد الرزاق سنة ثمان؟ قال: لا يُعبأ بحديث مَن سمع منه وقد ذهب بصرُه، كان يُلقّن أحاديث باطلة.
قال أبو زرعة الدمشقي: أخبرني أحمد بن حنبل قال: أتينا عبد الرزاق قبل المئتين، وهو صحيح البصر، ومن سمع منه بعدما ذهب بصره، فهو ضعيف السماع.
وقال النسائي والدارقطني: فيه نظر لمن كتب عنه بأخره.
قال ابن حجر في «هدي الساري» : (احتجَّ به الشيخان في جملة مِنْ حديث مَنْ سمع منه قبل الاختلاط، وضابط ذلك مَنْ سمع منه قبل المئتين، فأما بعدها فكان قد تغيَّر
…
)
وعليه: فمن سمع منه قبل المئتين للهجره، فحديثه صحيح، وممن سمع منه: أحمد بن حنبل، وابن معين، وإسحاق بن راهوية، وابن المديني، ومحمود بن غيلان، ووكيع، وغيرهم.
الثالث: التدليس.
قال ابن حجر في «تعريف أهل التقديس» : نسبه بعضهم إلى التدليس، وقد جاء عنه التبرئ منه، وذكر قوله: حججت فمكثت ثلاثة أيام لا يجيئني أصحاب الحديث، فتعلقت بالكعبة، فقلتُ: يا رب ما لي، أكذاب أنا؟ أمدلس أنا؟ أبقية بن الوليد أنا؟ فرجعت إلى البيت، فجاؤني.
ويحتمل أن يكون نفي الإكثار من التدليس بقرينة ذكره بقية. إ. هـ. كلام ابن حجر.
وقد ذكره في المرتبة الثانية، وهم الذين احتمل الأئمة تدليسهم؛ لإمامتهم، وقلة تدليسهم في جنب ما رووا.
ولم أجد مَنْ وصفه بالتدليس، غير ما نسبه ابن حجر إلى بعضهم.
قال ابن حجر في «تقريب التهذيب» : ثقة، حافظ، مصنف شهير، عمي في آخر عمره؛
فتغير، وكان يتشيع.
وما قاله ابن حجر هو الراجح، وتغيُّره بعد المئتين. ت 211هـ.
[«سؤالات ابن الجنيد لابن معين» (780)، «تاريخ ابن معين رواية ابن محرز» (1/ 109) (504)، «تاريخ ابن معين رواية الدارمي» (102)، «العلل» للإمام أحمد رواية عبد الله (1545) (1546)، «مسائل ابن هاني للإمام أحمد» (2101) (2285)، «الثقات» للعجلي (2/ 93)، «تاريخ أبي زرعة الرازي» (1160)، «التاريخ الكبير» للبخاري (6/ 130)، «الجرح والتعديل» (6/ 38)، «الضعفاء والمتروكون» للنسائي (379)، «الثقات» لابن حبان (8/ 412)، «الكامل» لابن عدي (5/ 311)، «سؤالات ابن بكير للدارقطني» (20)، «تهذيب الكمال» (18/ 52)، «ميزان الاعتدال» (3/ 325)، «سير أعلام النبلاء» (9/ 563)، «مَنْ تُكلم فيه وهو موثق، أوصالح الحديث» للذهبي (218)، «كتاب المختلطين» للعلائي (29)، «تعريف أهل التقديس بمعرفة مراتب الموصوفين بالتدليس» (58)، «هدي الساري» (صـ 419)، «تهذيب التهذيب» (6/ 310)، «تقريب التهذيب» (صـ 607)، «الكواكب النيرات» (ص266) (34)، «معجم المختلطين» (206)]
- سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي.
مُتَّفَقٌ عَلى تَوْثِيقِهِ وَإِمَامَتِهِ.
قال شعبة، وابن عيينة، وابن معين، وغير واحد من العلماء: سفيان أمير المؤمنين في الحديث.
وقال الإمام أحمد: لم يتقدمه في قلبي أحد. ثم قال: أتدري مَنْ الإمام؟ الإمام سفيان الثوري.
وقال الخطيب البغدادي: (كان إماماً من أئمة المسلمين، وعَلماً من أعلام الدين، مُجمعاً على إمامته؛ بحيث يُستغنى عن تزكيته، مع الإتقان، والحفظ، والمعرفة، والضبط، والورع، والزهد).
…
قال النسائي: (هو أجلُّ من أن يُقال فيه ثقة، وهو أحد الأئمة الذين أرجو أن يكون الله ممن جعله للمتقين إماماً).
وكان مدلِّساً، لكن تدليسَه قليل. قال البخاري: ما أقلَّ تدليسه.
وذكره ابن حجر في المرتبة الثانية من مراتب المدلسين، وهم: الذين احتمل الأئمة
تدليسهم؛ لإمامتهم وقِلَّة تدليسهم في جنب ما رووا.
قال ابن حجر في «تقريب التهذيب» :ثقة، حافظ، فقيه، عابد، إمام، حجة،
…
وكان ربَّما
دلس.
ت 161 هـ.
[«تاريخ ابن معين» رواية الدوري (2/ 211)، «الجرح والتعديل» (1/ 55)، «تاريخ بغداد» (10/ 219)، «تهذيب الكمال» (11/ 154)، «سيرأعلام النبلاء» (7/ 229)، «التبيين لأسماء المدلسين» لسبط ابن العجمي (25)، «كتاب المدلسين» للعراقي (21)، «تهذيب التهذيب» (4/ 111)، «تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس» (51)، «تقريب التهذيب» (صـ 394)].
- سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي مولاهم، أبو محمد الكوفي الأعمش.
مُتَّفَقٌ عَلَى تَوْثِيْقِهِ، وَهُوْ مُدَلِّسٌ، لاتُقْبَلُ عَنْعَنَتُهُ إلَّا فِي خَمْسِ حَالَاتٍ، ذَكَرتُهَا في آخِرِ تَرْجَمَتِهِ.
قال شعبة: ما شفاني أحد في الحديث ما شفاني الأعمش. وكان إذا ذكره قال: المصحف المصحف.
قال الفلاس: كان الأعمش يُسمَّى المصحف من صدقه. وقال يحيى القطان: كان من النساك، وهو علاّمة الإسلام.
وقد وصفه بالتدليس جمعٌ من الأئمة، منهم: ابن المبارك، والثوري، وشعبة، وابن معين، وأبو حاتم الرازي، والنسائي، ويعقوب بن سفيان، والدارقطني، وابن حبان، وغيرهم.
قال ابن عمَّار الشهيد: (والأعمش كان صاحب تدليس، فربَّما أخذ عن غير ثقة)
قال ابن عبد البر: (قالوا: لا يُقبل تدليس الأعمش، لأنه إذا وقف أحال إلى غير ملئ، يعنون: على غير ثقة، إذا سألته عمَّن هذا؟ قال: عن موسى بن طريف، وعَبَايَة بن رِبعي (1)،
والحسن بن ذكوان (2) قالوا: ويُقبل تدليس ابن عيينة؛ لأنه إذا وقف أحال على ابن جريج،
(1) عباية بن ربعي، يروي عن: علي، وعنه: موسى بن طريف، وكلاهما من غلاة الشيعة. ينظر:«المغني في الضعفاء» (1/ 523)، و «لسان الميزان» (3/ 700) و (7/ 112).
(2)
قال عنه في «التقريب» (ص237): (صدوق يخطئ، ورُمي بالقدر، وكان يدلس).
ومعمر، ونظائرهما).
قال الحاكم: قال سليمان الشاذكوني: (من أراد التديُّن بالحديث، فلا يأخذ عن الأعمش وقتادة إلا ما قالا: سمعناه).
وقال الذهبي في «الميزان» : (أحد الأئمة الثقات، عِدَاده في صغار التابعين، ما نقموا عليه إلا التدليس
…
وقال جرير بن عبد الحميد: سمعت مغيرة يقول: «أهلك أهل الكوفة أبو إسحاق، وأعيمشكم هذا» ، كأنه عنى الراوية عمن جاء، وإلا فالأعمش عدلٌ، صادقٌ، ثبتٌ، صاحبُ سنةٍ وقرآن، يُحسن الظن بمن يحدثه، ويروي عنه، ولا يمكننا أن نقطع عليه بأنه عَلِمَ ضعف ذلك الذي يدلسه، فإن هذا حرام
…
وقال: وهو يدلس، وربما دلَّس عن ضعيف، ولا يدري به، فمتى قال:(حدثنا)، فلا كلام، ومتى قال:(عن)، تطرق إليه احتمال التدليس، إلا في شيوخ له أكثر عنهم: كإبراهيم، وأبي وائل، وأبي صالح السمان، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة عن الاتصال).
وقد وصفه الخطيب البغدادي في «الكفاية» بتدليس التسوية.
وقال العلائي: مشهور بالتدليس، مكثر منه.
وذكره ابن حجر في المرتبة الثانية من مراتب المدلسين، وهم: الذين احتمل الأئمة تدليسهم لإمامتهم، وقلة تدليسهم في جنب ما رووا، أو كانوا لا يدلسون إلا عن ثقة.
وقد ذكره ابن حجر أيضاً في «النكت على ابن الصلاح» في الطبقة الثالثة من المدلسين
المخرَّج حديثهم في الصحيحين، وهم: من أكثروا من التدليس، وعرفوا به.
وأما الثانية في «النكت» ،فهي مثل الثانية في كتابه «تعريف أهل التقديس» .
والصواب أنه في المرتبة الثالثة (1)،فلا يقبل إلا ما صرح بالسماع، كما في قول ابن
(1) وقد ذكر ابنُ حجر في «تعريف أهل التقديس» (46) أبا إسحاق السبيعي في المرتبة الثالثة، وهو صِنْو الأعمش في= =التدليس، فمحلهما المرتبة الثالثة.
وقد رجَّح أ. د. مسفر الدميني في كتابه التدليس (ص305) أنه من أهل المرتبة الثالثة أو الرابعة وليس من الثانية، لأنه مكثرٌ من التدليس، ويدلِّسُ عن الضعفاء والمجهولين والمتروكين، ويُسَوِّي الحديث، فمن الضعفاء الذين كان يدلس عنهم: أبان، ويزيد الرقاشي، والحسن بن عمرو الفقيمي، والكلبي، وأبو يحيى القتات، وليث بن أبي سليم، وموسى بن طريف، وعباية بن ربعي ..
عبد البر، والذهبي، ويستثنى من ذلك الحالات التالية:
1) ما كان في الصحيحين، فهو محمول على السماع (1).
2) إذا كان حديث الأعمش عن الشيوخ الذين أكثر عنهم: كإبراهيم، وأبي وائل، وأبي صالح السَمَّان، كما في قول الذهبي - وقد سبق -.
3) إذا كان من رواية شعبة عنه، لأنه قال:(كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش، وأبي إسحاق، وقتادة)(2).قال ابن حجر في «تعريف أهل التقديس» : (فهذه قاعدة جيدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة: أنها إذا جاءت من طريق شعبة، دلَّتْ على السماع، ولو كانت معنعنة).
4) إذا كان من رواية حفص بن غياث عنه، قال ابن حجر في «هدي الساري»:(اعتمد البخاري على حفص هذا في حديث الأعمش؛ لأنه كان يُمَيِّزُ بَين ما صرَّح به الأعمش بالسماع، وبين ما دلَّسَه، نبَّه على ذلك الفضل بن طاهر، وهو كما قال).
5) إذا كان الحديث في صحيح ابن حبان، فقد قال في مقدمة كتابه - كما في «الإحسان» (1/ 162) -: (فإذا صحَّ عندي خبرٌ من رواية مدلِّسٍ أنه بيَّن السماع فيه، لاأُبالي أن أذكره من
(1) ينظر: «جامع التحصيل» للعلائي (ص113)، «النكت على مقدمة ابن الصلاح» لابن حجر (2/ 635)، «فتح المغيث» للسخاوي (1/ 326)، «تدريب الراوي» (1/ 264).
(2)
ينظر: «معرفة السنن والآثار» للبيهقي (1/ 152)، «النكت على مقدمة ابن الصلاح» لابن حجر (2/ 630)، «تعريف أهل التقديس» (ص63).
غير بيان السماع في خبره، بعد صحته عندي من طريق آخر) (1).
قال ابن حجر في «تقريب التهذيب» : (ثقة، حافظ، عارف بالقراءة، ورع، لكنه يدلس).
توفي سنة 148 هـ.
[«الطبقات» لابن سعد (6/ 342)، «سؤالات عبد الله للإمام أحمد» (صـ 199)، «تاريخ ابن معين برواية الدوري» (2/ 234)، «التاريخ الكبير» للبخاري (4/ 37)، «الجرح والتعديل» (4/ 146)، (8/ 179)، «الثقات» لابن حبان (4/ 302)، «معرفة علوم الحديث» للحاكم (ص346) (255)، «علل الحديث» لابن عمار الشهيد (ص160) (35)، «الكفاية» للخطيب البغدادي (2/ 387، 390)، «التمهيد» لابن عبد البر (1/ 30 - 31)، «تهذيب الكمال» (12/ 76)، «سير أعلام النبلاء» (6/ 226)، «ميزان الاعتدال» (2/ 414)، «كتاب المدلسين» للعراقي (25)، «التبيين لأسماء المدلسين» لسبط ابن العجمي (30)، «جامع التحصيل» (ص106) و (ص188) (رقم 258)، «تعريف أهل التقديس» (55) و (صـ 63)، «تقريب التهذيب» (صـ 414)، «هدي الساري» (ص398)، («تدريب الراوي» (1/ 264)، «التدليس في الحديث» أ. د. مسفر الدميني (ص303)، «روايات المدلسين في صحيح البخاري» (ص313)]
- شقيق بن سلمة، أبو وائل الأسدي.
ثِقَةٌ، مُخَضْرَمٌ، أَدْرَكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ولمْ يَرَهُ.
قال يحيى بن معين: ثقة لا يُسأل عن مثله.
توفي سنة 82 هـ.
[«الطبقات» لابن سعد (6/ 96)، «التاريخ الكبير» (4/ 245)، «الجرح والتعديل» (4/ 371)، «تهذيب الكمال»
(12/ 548)، «الإصابة» (3/ 311)، «تهذيب التهذيب» (4/ 361)، «تقريب التهذيب» (ص439)]
- مسروق بن الأجدع الهَمْداني الوادعي، أبو عائشة الكوفي.
ثِقَةٌ، مُخَضْرَمٌ.
قال ابن عيينة: بقي مسروق بعد علقمة، لا يُفضَّل عليه أحدٌ.
وقال ابن معين: ثقةٌ لا يُسأل عن مثله.
قال ابن حجر في «تقريب التهذيب» : ثقة، فقيه، عابد، مخضرم.
(1) مع الأخذ في الاعتبار منهجه في التصحيح، المبني في بعضه على التساهل في التوثيق، ينظر (ص223) من هذه الرسالة.
وقد تُكُلِّم في سماعه من معاذ.
قال علي بن المديني: (ما أُقدِّمُ على مسروق أحداً مِن أصحاب عبد الله، صلّى خلف أبي بكر، ولقي عمر، وعلياً، ولم يرو عن عثمان شيئاً، وزيد بن ثابت، وعبد الله، والمغيرة، وخباب بن الأرت. هذا ما انتهى إلينا من لقائه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم)(1).
وقال عبد الحق الأشبيلي: (مسروق لم يلق معاذاً، ولا ذكر مَنْ حدث به عن معاذ، ذكر ذلك أبو عمر، وغيره)(2).
وتعقبَه ابنُ القطان الفاسي بقوله: [أبو عمر أخاف أن يكون تصحف من (أبو محمد)، ولم
أبت بهذا (3)، ولذلك لم أذكره فيما سلف في باب الأسماء المغيرة، وإنما خفت ذلك، لأن أبا عمر بن عبد البر، المعروف له خلاف هذا، هو يقول في رواية مسروق هذه عن معاذ: إنها متصلة.
وأبو محمد بن حزم هو الذي كان رماها بالانقطاع، ثم رجع.
ولِنَنُصَّ لك قوليهما، حتى تنظر في ذلك:
قال أبو عمر في التمهيد - في باب حميد بن قيس - وقد روي هذا الخبر عن معاذ بإسناد
(1)«العلل» لابن المديني (85)، وأخرجه الخطيب في «تاريخه» (15/ 313)، وابن عساكر في «تاريخه» (57/ 406) من طريق عثمان بن أحمد الدقاق، عن محمد بن أحمد بن البَرَاء، قال: قال علي المديني
…
فذكره.
وفي «المراسيل» لابن أبي حاتم (811) عن ابن المديني قال سمعت عبد الرحمن بن مهدي ينكر أن يكون مسروق صلى خلف أبي بكر - (- وقال: لم يقل هذا إلا هشام إ. هـ. قال العلائي: (فتكون روايته عن أبي بكر مرسلة)«جامع التحصيل» (277).
(2)
«الأحكام الوسطى» (2/ 162)، ويريد بأبي عمر: ابنَ عبد البر، وقد نقل عبد الحق في «الأحكام الكبرى» (2/ 582) قول ابن عبد البر: إسناده صحيح ثابت متصل. وسيأتي تعقب ابن القطان، ففيه مزيد بيان.
(3)
ذكر ابن حجر أن عبد الحق وهم في نسبته إلى ابن عبد البر، ونقل تعقب ابن القطان مختصراً «التلخيص الحبير»
…
(3/ 1297).
متصل صحيح ثابت، ذكره عبد الرزاق قال: حدثنا معمر والثوري، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن معاذ بن جبل قال:«بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم ديناراً أو عدله معافر» (1).
وقال في الاستذكار في باب صدقة الماشية - ولا خلاف بين العلماء أن السنة في زكاة البقر ما في حديث معاذ هذا وأنه النصاب المجتمع عليه فيها، وحديث طاوس هذا عندهم عن معاذ غير متصل، والحديث عن معاذ ثابت متصل من رواية معمر والثوري، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن معاذ، بمعنى حديث مالك (2)، فهذا نص آخر له، بأن الحديث من رواية مسروق، عن معاذ متصل.
وأما أبو محمد بن حزم، فإنه قال: إنه منقطع، وأنه لم يلق معاذاً (3).
ثم استدرك في آخر المسألة، فقال: «وجدنا حديث مسروق إنما ذكر فيه فعل معاذ باليمن
في زكاة البقر، ومسروق بلا شك عندنا، أدرك معاذاً بسنه وعقله، وشاهد أحكامه يقيناً، وأفتى في أيام عمر وهو رجل، وأدرك النبي وهو رجل، وكان باليمن أيام معاذ يشاهد أحكامه، هذا ما لا شك فيه؛ لأنه همداني النسب كما في الدار (4)، فصح أن مسروقاً وإن كان لم يسمعه من معاذ، فإنه عنده بنقل الكافة من أهل بلده لذلك (5)، عن معاذ في أخذه لذلك عن عهد النبي صلى الله عليه وسلم عن الكافة»
(1)«التمهيد» - ط. الفاروق - (7/ 57).
(2)
«الاستذكار» (9/ 157).
(3)
«المحلى» (6/ 11).
(4)
كذا في «المحلى» ، و «بيان الوهم والإيهام» ، وهو تصحيف صوابه «يماني الدار» ، كما في «البدر المنير» لابن الملقن
…
(5/ 432).
(5)
كذا في «المحلى» و «بيان الوهم» ولعله: «كذلك عن معاذ» كما في «البدر المنير» (5/ 432).
انتهى كلام ابن حزم (1).
ولم أقل بعدُ - الكلام لابن القطان - إنَّ مسروقاً سمع من معاذ، وإنما أقول: إنه يجب على أصولهم أن يُحكم لحديثه عن معاذ، بحكم حديث المتعاصرين اللذين لم يعلم انتفاء اللقاء بينهما، فإن الحكم فيه أن يحكم له بالاتصال عند الجمهور، وشرط البخاري وعلي بن المديني: أن يعلم اجتماعهما ولو مرة واحدة، فهما - أعني البخاري وابن المديني - إذا لم يعلما لقاء أحدهما للآخر، لا يقولان في حديث أحدهما عن الآخر: إنه منقطع، إنما يقولان: لم يثبت سماع فلان من فلان، فإذن ليس في حديث المتعاصرين إلا رأيان أحدهما: هو محمول على الاتصال، والآخر: لم يعلم اتصال ما بينهما، فأما الثالث وهو: أنه منقطع، فلا، فاعلم ذلك، والله الموفق] ا. هـ. كلام ابن القطان (2).
وقد نقل ابنُ الملقن كلامَ ابن حزم وابن القطان، ثم أيَّده بإخراج ابن حبان للحديث في «صحيحه» ومن شرطه الاتصال، وتصحيح الدارقطني للموصول، ثم قال:
(وكانت وفاة معاذ سنة ثمان عشرة، في طاعون عمواس، فالسِّنُّ واللقاء محتمل لإدراك مسروق معاذاً، والاختلاف السائر فيه لا يضره)(3).
فالقول بالاتصال إذن هو قول:
ابن أبي خيثمة كما ذكره فيمن حدث عن مسروق (4) والدارقطني في «العلل» (5)،
(1)«المحلى» (6/ 16) وفي مطبوعته سقط يسير.
(2)
«بيان الوهم والإيهام» (2/ 574).
(3)
«البدر المنير» (5/ 433).
(4)
«التاريخ الكبير» لابن أبي خيثمة (3/ 18).
(5)
«العلل» (6/ 67 - 68).
والحاكم في «المستدرك» (1) حيث صححه على شرطهما، وسكت عنه الذهبي؛ وابن عبد البر، وابن حزم - بعد تراجعه - وابن القطان (2)، وابن بطال (3) والألباني (4) - رحم الله الجميع -.
والقول بالإرسال: قول ابن المديني (5) في ظاهر كلامه فيمن لقيه مسروق من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو ظاهر ترجيح الترمذي للرواية المرسلة عقب الحديث، قال الصنعاني: وكأنَّ رأي الترمذي رأي البخاري، إنه لابد من تحقُّقِ اللقاء (6). وقول عبد الحق الأشبيلي كما سبق. وهو قول الحافظ ابن حجر (7).
أما ابن دقيق العيد فقد توقف في ذلك، فقد أورد الحديث وتصحيح الحاكم على شرطهما ثم قال:(إن كان مسروق سمع من معاذ، فالأمر كما قال الحاكم)(8).
وقد بحثت في كتب السنن النبوية عن أحاديث مسروق عن معاذ، فلم أجد إلا هذا
(1)«المستدرك» (1/ 398).
(2)
وقد سبق النقل عنهم.
(3)
«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (3/ 477)، وعنه: ابن حجر في «الفتح» (3/ 324) وتعقبه.
(4)
«إرواء الغليل» (3/ 269).
(5)
سبق في أول ترجمة مسروق.
(6)
«سبل السلام» (4/ 14).
(7)
«فتح الباري» (3/ 324) حيث تعقب ابن بطال بقوله: (وفي الحكم بصحته نظر، لأن مسروقاً لم يلق معاذاً، وإنما حسنه الترمذي، لشواهده). وقال في «التخليص الحبير» (3/ 1297): (ويقال إن مسروقاً لم يسمع من معاذ، وقد بالغ ابن حزم في تقرير ذلك). قلتُ: وقد عُلمَ في الصفحة السابقة أن ابن حزم تراجع عن قوله.
(8)
«الإلمام بأحاديث الأحكام» (589).