الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الثالث:
القول بالتفصيل: إن كانت العين المؤجرة أو المبيعة تستعمل للمعصية بعينها فإن العقد محرم، وإن كانت العين لا تستعمل للمعصية بعينها، وإنما بفعل المستأجر لم يحرم العقد.
فبيع العنب لمن يعصره خمرًا حلال؛ لأن العنب نفسه لا معصية فيه، وإنما المعصية بفعل المستأجر.
ومثله يجوز بيع الحديد في زمن الفتنة لمن يصنعه سلاحًا لقتل مظلوم.
وأما بيع السلاح لمن يقتل به ظلمًا فلا يجوز؛ لأن المعصية تستعمل بعين السلاح.
وعليه فقد اختار أبو حنيفة أن الشخص لو آجر نفسه ليعمل في بناء كنيسة، أو ليحمل خمر الذمي بنفسه، أو على دابته أو ليرعى له الخنازير أو آجر بيتًا ليتخذ بيت نار (معبد مجوسي) أو كنيسة أو بيعة
(1)
أو يباع فيه الخمر جاز له
(1)
يشترط الحنفية أن يكون ذلك في أرض السواد؛ لأن إحداث الكنائس في أمصار المسلمين ممنوع، ولكل مسلم أن يمنعه كما يمنعه رب الدار. بل يمنع من إحداث ذلك في دار نفسه في أمصار المسلمين. انظر المبسوط (15/ 134)، بدائع الصنائع (4/ 176).
ذلك عند أبي حنيفة؛ لأنه لا معصية في عين العمل وإنما المعصية بفعل المستأجر وهو فعل فاعل مختار كشربه الخمر وبيعها.
وعلل الحنفية ذلك بأن الإجارة ترد على منفعة البيت ونحوه، ولهذا تجب الأجرة بمجرد التسليم ولا معصية فيه وإنما المعصية بفعل المستأجر وهو مختار فيه فقطع نسبته عنه.
ويرى الصاحبان كراهة ذلك؛ لما فيه من الإعانة على المعصية.
بل أجاز أبو حنيفة عفى الله عنه بيع الجارية لمن لا يستبرئها أو يأتيها من دبرها، وبيع الغلام من لوطي
(1)
.
وقد طرح بعض الحنفية هذا الضابط: وهو أن ما قامت المعصية بعينه يكره بيعه تحريمًا (كبيع السلاح من أهل الفتنة) وما لم تقم بعينه يكره تنزيهًا
(2)
.
وقد ذكرنا أدلتهم في كتاب البيع تحت عنوان: بيع العنب لمن يعصره خمرًا، وبيع السلاح في زمن الفتنة فأغنى ذلك عن تكراره هنا.
* * *
(1)
تبيين الحقائق (6/ 29)، حاشية ابن عابدين (6/ 392).
(2)
فتح القدير (10/ 59)، الهداية شرح البداية (4/ 94)، تبيين الحقائق (6/ 29)، مختصر اختلاف العلماء للطحاوي (4/ 130).