الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما إذا كانت الأجرة بثمن المثل فلا حرج في أن يكون البيع ثمنًا رمزيًا ما دام أن المؤجر قد رضي بهذا الثمن لسلعته، ولم يتعرض لتغرير أو خداع؛ لأن العبرة حصول التراضي على ثمن البيع، وقد حصل.
الوجه الثاني:
اشتمال العقد على الغرر والمخاطرة، فإنه في حال عجز المستأجر عن سداد آخر قسط أو أكثر فسوف ينهي المالك العقد، ويأخذ العين بحجة أنه عقد إجارة مع أن ما يسمى مستأجرًا قد دفع أقساطًا لا تتناسب مع الإجارة، بل هي متناسبة مع قيمة المبيع، ولا يعاد له ما زاد عن أجرة المثل، فيكون بذلك قد خسر الثمن والمثمن
(1)
.
الراجح في هذا العقد:
الصحيح أن العقد لا يجوز، وعلة ذلك ليس للنهي عن الجمع بين البيع والإجارة، ولا لكون البيع معلقًا على أمر مستقبل، ولكن علة المنع الجهالة والغرر، وذلك أن عقد البيع معلق على تمام سداد أقساط الإجارة، فإذا عقد البيع على عين، وكان نفاذ هذا البيع مؤجلًا إلى بعد انتهاء عقد الإجارة، وكانت مدة الإجارة طويلة بحيث تتغير فيها السلعة، وهذا التغير لا يمكن ضبطه؛ لأن الناس يتفاوتون في الاستخدام، فيكون عقد البيع على هذا قد أبرم على عين مجهولة غير معلومة الصفة معرضة للتلف كليًا أو جزئيًا من غير تعد ولا تفريط، وهذا التغير بالاستخدام لا يمكن ضبطه مما يجعل العين مجهولة الصفة، وهذا يبطل البيع، والله أعلم.
(1)
الإيجار الذي ينتهي بالتمليك - ابن بية - مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس (4/ 2669).
ولهذا لو كانت السلعة عقارًا، وكانت مدة الإجارة سنة واحدة، فإنه يمكن القول بالجواز؛ لأن العقار لا يتغير عادة بهذه المدة بالاستعمال، وإن تغير فهو تغير طفيف غير مؤثر بخلاف السيارات ونحوها.
(1)
.
فاشترط المالكية لصحة بيع العين المؤجرة من المستأجر وغيره ألا تتغير السلعة بالاستعمال.
ولا أرى أثرًا لكون الثمن رمزيًا أو حقيقيًا؛ لأنه لا حجر على الرشيد العالم بما يفعل في الثمن الذي يرضى به في البيع، خاصة أن البائع في الغالب يكون بنكًا له خبراؤه، وهو حريص على ما ينفعه حرصًا تسنده العلم والخبرة بمسار الاقتصاد لا في الدولة التي ينتسب إليها فقط، ولكن في العالم خصوصًا مع وسائل الاتصال الحديثة والنشرات المتتابعة عما يجري في الأسواق
(2)
.
فإن قيل: هل يمكن الخروج من الجهالة بأن يكون تحديد الثمن بحسب سعر السوق بعد انتهاء مدة الإجارة، بأن تعرض السلعة على مجموعة من الخبراء تحدد سعر السلعة، أو على عرض العين في سوق المزاد مثلًا، فيكون السعر الملزم للطرفين هو ما تحدده لجنة الخبراء أو ما ينتهي إليه المزاد؟
(1)
مواهب الجليل (5/ 408)، وانظر البيان والتحصيل (7/ 201).
(2)
انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثاني عشر (1/ 635).
والجواب: لا أرى أن هذا يمكن أن يكون مخرجًا من الجهالة؛ لأن التزام الطرفين بالبيع بعد انتهاء مدة الإجارة ولو بسعر السوق مع أن العين سوف تتغير، ولا يمكن الوقوف على مقدار هذا التغير قد يجعل المستأجر لا يرغب في التملك لو علم مقدار هذا التغير، فإذا كان البيع ملزمًا له بمقتضى عقد الإجارة، ولو بسعر السوق فإنه سوف يقترن في العقد ما يجعله فاسدًا؛ من كونه أقدم على شراء سلعة مجهولة، فلا يجوز أن يكون عقد الإجارة من مقاصده التملك لعين لا يدرى على أي صفة ستكون بعد سنوات.
فإن قيل: ما ذا لو جعلنا الخيار للمستأجر في التملك، وأن يكون السعر بحسب سعر السوق، هل ترتفع الجهالة عن هذا العقد؟
الجواب: قد ذهب مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
إلى جواز مثل ذلك، فقد جاء في قرار المجمع رقم 110 (4/ 12)، وفيه:
وإذا جعلنا الخيار للمستأجر دون المالك في عقد البيع بعد انتهاء مدة الإجارة فإن هذه الصورة ستكون من الإجارة المنتهية بالوعد بالبيع، وليست الإجارة المنتهية بالبيع، وسأعقد لها بحثًا مستقلًا في الفصل التالي.
* * *