الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
في بيان مدة الإجارة إذا كانت على مدة
المبحث الأول
في اشتراط بيان المدة في الإجارة الواردة على المنفعة
الإجارة الواردة على المنفعة يشترط فيها تحديد المدة بخلاف الإجارة الواردة على العمل
.
[م-887] يختلف عقد الإجارة عن عقد البيع بأن البيع تمليك للعين على التأبيد، وأما عقد الإجارة فإنه عقد مؤقت، والإجارة فيه تارة ترد على منفعة، وتارة ترد على العمل.
فأما ما يرد على العمل فلا يشترط فيه تحديد المدة، وإنما ينتهي بانتهاء ذلك العمل كاستئجار رجل على خياطة ثوب، أو بناء جدار.
وأما ما يرد على المنفعة كسكنى الدار والحوانيت فلا بد فيه من تحديد المدة.
قال ابن حزم: «من الإجارات ما لا بد فيه من ذكر العمل الذي يستأجر عليه فقط، ولا يذكر فيه مدة كالخياطة، والنسج، وركوب الدابة إلى مكان مسمى ونحو ذلك. ومنها ما لا بد فيه من ذكر المدة كسكنى الدار، وركوب الدابة ونحو ذلك ومنه ما لا بد فيه من الأمرين معا كالخدمة ونحوها فلا بد من ذكر المدة
والعمل؛ لأن الإجارة بخلاف ما ذكرنا مجهولة وإذا كانت مجهولة فهي أكل مال بالباطل»
(1)
.
وقد حكي في اشتراط بيان المدة في مثل سكنى الدار وركوب الدابة الإجماع:
قال الجصاص: «لا خلاف في أن الإجارات لا تجوز إلا على مدة معلومة»
(2)
.
وقال في الإنصاف: «ويشترط كون المدة معلومة بلا نزاع في الجملة»
(3)
.
(4)
.
ولأن عدم تحديد المدة يؤدي إلى الغرر والجهالة المفضية إلى المنازعة، وذلك أن المعقود عليه في الإجارة هو المنفعة، ولا بد من العلم بها، ولا يعلم قدر المنفعة إلا ببيان المدة، فلا يصح: أسكني دارك مدة حياتي أو مدة حياتك، أو إلى أن يقدم زيد، وقدومه غير معلوم.
(ح-584) لما رواه مسلم من طريق أبي الزناد عن الأعرج،
عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر
(5)
.
(1)
المحلى، مسألة (1288).
(2)
أحكام القرآن (3/ 648).
(3)
الإنصاف (6/ 40).
(4)
المغني (5/ 251).
(5)
رواه مسلم (1513).
قال الكاساني في بدائع الصنائع: «ولا تصح الإجارة مع جهالة المدة»
(1)
.
وقال السبكي: «الإجارة إذا كانت المدة مجهولة كانت باطلة»
(2)
.
وقال الكاساني أيضًا في معرض كلامه عن شروط الإجارة: «ومنها بيان المدة في إجارة الدور والمنازل والبيوت والحوانيت .... لأن المعقود عليه لا يصير معلوم القدر بدونه، فترك بيانه يفضي إلى المنازعة»
(3)
.
ولأن الأجرة تختلف باختلاف المدة، فوجب العلم بها
(4)
.
ولأن المستأجر يختص بمنفعة العين المؤجرة دون غيره مدة الإجارة، فاشترط العلم بها، وإلا كان ذلك العقد بيعًا.
(1)
بدائع الصنائع (6/ 180).
(2)
فتاوى السبكي (1/ 420).
(3)
بدائع الصنائع (4/ 181).
(4)
قال الجصاص في أحكام القرآن (3/ 24): «الإجارة لا تصح إلا على مدة معلومة» . وانظر البحر الرائق (8/ 25)، الفتاوى الهندية (4/ 439، 440).
وجاء في المدونة (4/ 405): «فإن لم يضرب للإجارة أجلًا لم يجز ذلك؛ لأنه لا تكون إجارة جائزة إلا أن يضرب لذلك أجلًا، فإن لم يضرب للإجارة أجلًا كانت إجارة فاسدة» .
وجاء في فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (1/ 276) في ذكر شروط الإجارة: «أن تكون المدة معلومة، والمنفعة معلومة، والشيء الملتزم به مما يصح أن يكون أجرة، فلا يجوز إن أسكنتني دارك مدة حياتي أو حياتك أو حياة زيد أو إلى أن يقدم فلان وقدومه غير معلوم فلك عندي كذا وكذا أو إن أسكنتني دارك فلك عبدي الآبق أو بعيري الشارد ونحو ذلك» .
وفي اللباب في الفقه الشافعي (1/ 241): «ولا تصح الإجارة إلا بأربعة شرائط: أن تكون المدة معلومة» .
وقال في المبدع (5/ 84): «ويشترط أن تكون المدة معلومة» .
وجاء في الشرح الكبير لابن قدامة (6/ 46): «ويشترط أن تكون المدة معلومة يغلب على الظن بقاء العين فيها
…
».
وتحديد المدة تارة يكون بالنص عليها، كاستئجار الدار يومًا، أو شهرًا، أو سنة، وتارة يكون التحديد عرفًا، كاستئجار غرفة في فندق، فإن العادة جرت أن تحدد المدة بيوم متفق على بدايته ونهايته.
وقد وردت نصوص من الكتاب والسنة تبين مدة الإجارة.
فمن الكتاب قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ} [القصص:27].
(ح-585) وروى البخاري في صحيحه من طريق نافع،
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثلكم ومثل أهل الكتاب كمثل رجل استأجر أجراء، فقال: من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط، فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط، فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين، فأنتم هم، فغضبت اليهود والنصارى فقالوا: ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء؟ قال: هل نقصتكم من حقكم؟ قالوا: لا. قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء
(1)
.
* * *
(1)
رواه البخاري (2268).