الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع السادس
في ضمان الإجارة الفاسدة
المسألة الأولى
في تعريف الإجارة الفاسدة
[م-950] مر معنا الخلاف الدائر بين الحنفية والجمهور في التفريق بين الفاسد والباطل في عقد البيع، فيرى الجمهور أنهما لفظان مترادفان خلافًا للحنفية.
وأما في الإجارة فيكاد يتفق الفقهاء على مصطلح الإجارة الفاسدة فرقًا بينها وبين الباطلة.
فالإجارة الصحيحة: يجب فيها المسمى.
والإجارة الفاسدة: يجب فيها أجرة المثل في الجملة ويبطل المسمى لفساد العقد.
والإجارة الباطلة لا يجب فيها شيء، ولا تملك الأجرة، ويجب ردها، كالاستئجار على أن يصلي عنه، أو الاستئجار على النياحة، والكهانة، والغناء، وإجارة العبد للفجور ونحو ذلك
(1)
.
قال في مغني المحتاج بعد أن أوجب في الإجارة الفاسدة أجرة المثل دون
(1)
البحر الرائق (7/ 311)، مغني المحتاج (2/ 359)، تحفة المحتاج (6/ 156)، الإنصاف (6/ 87)، المبدع (5/ 119)، كشاف القناع (4/ 46)، مطالب أولي النهى (3/ 673).
المسمى، قال:«وخرج بالفاسدة الباطلة كاستئجار صبي بالغًا على عمل، فعمله فإنه لا يستحق شيئًا»
(1)
.
فواضح من هذا النص أن الشافعية يفرقون في الإجارة بين الإجارة الفاسدة والإجارة الباطلة، وإن كانوا لا يفرقون بينهما في عقد البيع.
وقد تناول الجمهور الإجارة الفاسدة من خلال بيان أحكامها، فعرض المالكية أمثلة للإجارة الفاسدة منها، قال الخرشي: «تكون الإجارة فاسدة إذا قال له: اعمل على دابتي، أو اعمل على سفينتي
…
فما حصل من ثمن أو أجرة فلك نصفه. وعلة الفساد: الجهل بقدر الأجرة»
(2)
.
ومثله لو استأجره على سلخ شاة، وجعل أجرتها جلدها، فالإجارة هنا فاسدة؛ لأنه لا يعلم هل يخرج الجلد سليمًا أولا، وهل هو ثخين أو رقيق؟
(3)
.
(1)
مغني المحتاج (2/ 359)، وانظر حاشية البجيرمي (3/ 168).
(2)
الخرشي (7/ 7)، وانظر مواهب الجليل (5/ 404)، منح الجليل (7/ 451).
(3)
انظر في مذهب الحنفية: تبيين الحقائق (5/ 129 - 130)، العناية (9/ 107)، المبسوط (14/ 48 - 49) و (15/ 89)، بدائع الصنائع (4/ 192)، الفتاوى الهندية (4/ 444).
وفي مذهب الشافعية: أسنى المطالب (2/ 405)، الإقناع للشربيني (2/ 349)، روضة الطالبين (5/ 176)، منهاج الطالبين (ص: 76)، حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج (5/ 268)، الوسيط (4/ 155).
وفي مذهب الحنابلة: شرح منتهى الإرادات (2/ 246)، كشاف القناع (3/ 525)، مطالب أولي النهى (3/ 595).
أما الحنفية فهم من وضع حدًا بينًا في التفريق بين الإجارة الفاسدة والباطلة وطردوا ذلك في كل أبواب الفقه.
فيرى الحنفية أن الإجارة الفاسدة: هي كل عقد كان مشروعًا بأصله دون وصفه
(1)
.
وبتعبير آخر: الإجارة الفاسدة: هي الصحيحة أصلًا لا وصفًا، وهو ما عرض في شيء من جهالة أو اشترط فيه شرط لا يقتضيه العقد
(2)
.
وذهب المالكية في تعريف العقد الفاسد إلى أنه: كل عقد بيع أو إجارة، أو كراء بخطر أو غرر في ثمن أو مثمون أو أجل
(3)
.
وعرف الحنابلة العقد الفاسد والباطل تعريفًا واحدًا.
قال ابن اللحام: عندنا كل ما كان منهيًا عنه إما لعينه، أو لوصفه ففاسد وباطل.
ولم يفرق الأصحاب في صورة من الصورتين بين الفاسد والباطل في المنهي عنه، وإنما فرقوا بين الفاسد والباطل في مسائل»
(4)
. ثم سرد تلك المسائل.
(1)
رسالة القيرواني (ص: 104)، الفواكه الدواني (2/ 79 - 80)، حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني (2/ 149 - 150).
(2)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام (1/ 511).
(3)
رسالة القيرواني (ص: 104)، الفواكه الدواني (2/ 79 - 80)، حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني (2/ 149 - 150).
(4)
القواعد والفوائد الأصولية (ص: 111).
قلت: من ذلك: أن الإجارة الباطلة إذا قبض العين صاحبها كانت مضمونة عليه.
وأما الإجارة الفاسدة فإذا قبض العين فإنها لا تكون مضمونة عليه قياسًا على عقد الإجارة الصحيح، فالفاسد من العقود كالصحيح في الضمان، والباطل مضمون مطلقًا
(1)
.
وسوف نتعرض لهذه المسألة إن شاء الله تعالى بشيء من التفصيل.
* * *
(1)
انظر المرجع السابق (ص: 112).