الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والرضا: هو الرغبة بالفعل والارتياح إليه، والانشراح النفسي به
(1)
، ولا تلازم بينهما، فقد يختار المرء أمرًا لا يرضاه، ولا يحبه، ولكنه لا يرضى شيئًا إلا وهو يحبه، قال تعالى:{وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُم} [البقرة: 216].
القول الثاني:
لم يقسم الجمهور الإكراه إلى ملجئ وغير ملجئ، ولكنهم تكلموا بما يتحقق به الإكراه، وما لا يتحقق.
فما سماه الحنفية إكراهًا ملجئًا هو إكراه عندهم بالاتفاق.
وما سماه الحنفية إكراهًا غير ملجئ، مختلفون في تَحقِّق الإكراه فيه على قولين:
قيل: يعتبر إكراهًا.
وقيل: لا يعتبر إكراها، وهما قولان في مذهب المالكية
(2)
، والشافعية
(3)
، والحنابلة
(4)
.
(1)
الرضا: مصدر رضى يرضى رضًا ورضوانًا، ويستعمل الرضا ومشتقاته متعديًا بنفسه، وبالباء وبعلى، فيقال: رضيته، وارتضيته، ورضيت عنه، وعليه، وبه.
وللرضا معان كثيرة، منها الاختيار، قال تعالى:{ورضيت لكم الإسلام دينًا} [المائدة:3].
ومنها طيب النفس، قال تعالى:{راضية مرضية} [الفجر: 28].
ومنها الموافقة، كقوله صلى الله عليه وسلم: لا تصروا الغنم، ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها ....
(2)
اعتبر المالكية الصفع لذي المروءة إكراهًا، وكذا السجن، والضرب المؤلم، فضلا عن التهديد بإتلاف النفس أو العضو. انظر التاج والإكليل (5/ 312).
(3)
فالشافعي في الأم لم يفرق بين التهديد بالضرب المؤلم وبين التهديد بالإتلاف، كما ألحق بهذه الأشياء إن حبس فخاف طول الحبس، أو قُيِّدَ، فخاف طول القيد، انظر الأم (3/ 270).
(4)
الكافي في فقه الإمام أحمد (3/ 165 - 166)، المبدع (7/ 255)، الفروع (5/ 368)، شرح منتهى الإرادات (3/ 618)، كشاف القناع (5/ 235)، وقد أشار الحنابلة إلى الإلجاء في الإكراه في بعض أنواعه، كما لو حلف لا يخرج من البيت، فحمل وأخرج منها، أو حلف لا يدخل البيت، فحمل وأدخل فيها، انظر الإنصاف (11/ 24).
[م-836] إذا عرفت ذلك، فهل يصح عقد الإجارة مع الإكراه إذا كان الإكراه بغير حق؟
اختلف العلماء في ذلك في عقد البيع، والإكراه على الإجارة مقيس عليه.
فقيل: ينعقد فاسدًا، وهذا مذهب الحنفية
(1)
.
(1)
المبسوط (11/ 64)، تبيين الحقائق (2/ 171) و (5/ 182).
ومع أن الحنفية حكموا بأن البيع في حالة الإكراه ينعقد فاسدًا، إلا أنهم قضوا بأن الفساد بالإكراه يخالف البيوع الفاسدة في أربعة أحكام:
الأول: الفاسد لا يجوز بالإجازة، ويجب فسخه، إلا بيع المكره فإنه ينقلب صحيحًا بالإجازة، قولية كانت أو فعلية.
فالقولية: كأن يقول المكره بعد زوال الإكراه: أجزت العقد.
والفعلية: كأن يقبض المكره الثمن، أو يسلم المبيع طائعًا، بخلاف غيره من البيوع الفاسدة كبيع درهم بدرهمين مثلًا فلا يجوز، وإن أجازاه؛ لأن الفساد فيه لحق الشرع.
فأشبه بيع المكره في هذا الحكم العقد الموقوف كعقد الفضولي، بجامع أن كلًا منهما ينقلب صحيحًا بالإجازة، مع أن العقد الموقوف على الإجازة لا يفيد الملك قبلها، وبيع المكره يفيد الملك بالقبض، ولو لم يجز المكره العقد.
الثاني: العقد الفاسد بغير إكراه لا يجوز فسخه مطلقًا إذا تصرف فيه المشتري بأي نوع من أنواع التصرفات، إلا بيع المكره، فإن للمكرَه- بالفتح - حق استرداد العين، وإن تداولتها الأيدي إذا كان التصرف مما يقبل الفسخ كالبيع والإجارة؛ لأن الاسترداد فيه لحق العبد.
وإن تصرف فيها تصرفًا لا يقبل الفسخ كالإعتاق والتدبير والاستيلاد جاز، ولزمته القيمة.
الثالث: المشترى شراء فاسدًا يضمنه صاحبه يوم القبض لا يوم الإحداث، إلا بيع المكره، فإن لمالك العين أن يضمن المكرِه - بالكسر - يوم التسليم إلى المشتري، وإن شاء ضمن المشتري يوم قبضه، أو يوم أحدث فيه تصرفًا لا يحتمل النقض؛ لأنه أتلف به حق الاسترداد.
الرابع: المقبوض بعقد فاسد يضمنه قابضه مطلقًا، إلا المكرَه - بالفتح - فما قبضه فإنه أمانة في يده؛ لأنه قبضه بإذن صاحبه. انظر حاشية ابن عابدين (6/ 132)، تبيين الحقائق (5/ 182 - 183)، الجوهرة النيرة (2/ 254).
وقيل: ينعقد صحيحًا غير لازم، فللمكره الخيار بين إمضائه ورده، وهذا مذهب المالكية
(1)
، واختيار زفر من الحنفية
(2)
.
وقيل: لا ينعقد مطلقًا، وهو مذهب الشافعية
(3)
، والحنابلة
(4)
.
وقد ذكرنا أدلتهم في عقد البيع فأغنى عن إعادته هنا، والحمد لله.
* * *
(1)
مواهب الجليل (4/ 248)، التاج والإكليل (6/ 41 - 42)، الشرح الكبير (3/ 6)، الفواكه الدواني (2/ 73)، حاشية الدسوقي (3/ 6).
(2)
تبيين الحقائق (2/ 171)، فقد صرح زفر بأن العقد موقوف على إجازة المالك، وهذا هو نفس مذهب المالكية، والخيار فيه للمكره بالفتح، وليس للمكره بالكسر.
(3)
السراج الوهاج (ص: 173)، فتح المعين (3/ 7)، فتح الوهاب (1/ 272)، مغني المحتاج (2/ 7)، روضة الطالبين (3/ 342)، كفاية الأخيار (1/ 232).
(4)
الإنصاف (4/ 265)، المبدع (4/ 7)، المحرر (1/ 311)، شرح منتهى الإرادات (2/ 7)، كشاف القناع (3/ 150).