الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني
الإجارة المنتهية بالوعد بالهبة
[ن-66] اختلف العلماء في حكم الإجارة المنتهية بالوعد بالهبة:
فقيل: تجوز مطلقًا من غير فرق بأن تكون الإجارة بثمن المثل أو بأكثر منه، وسواء كان الوعد ملزمًا للمؤجر أو غير ملزم.
وبه قال الشيخ عبد الله بن منيع، والدكتور الضرير، والشيخ عبد الله ابن بيه، والشيخ عبد الستار أبو غدة، والشيخ محمد المختار السلامي.
وبه صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
دليل من قال: تجوز الإجارة المنتهية بالهبة مطلقًا:
إن الوعد بالهبة يختلف عن الوعد بالبيع أو بالشراء، فالصحيح من أقوال أهل العلم جواز الإلزام بالوعد بالهبة في حال كان العقد هبة محضة، وهو من الوعد في المعروف، بخلاف الوعد بالبيع فلم يقل به أحد من المتقدمين، وإن كان كثير من المعاصرين قد قاسوا هذا على ذاك، ولا يصح القياس خاصة أن الذين قالوا بالإلزام بالوعد بالمعروف منعوا من الإلزام بالوعد بالبيع والشراء.
يقول الدكتور الصديق الضرير: «الوعد الذي وقع الاختلاف فيه بين المالكية وغيرهم، فقال المالكية بالإلزام به ديانة وقضاء، وقال غيرهم: بالإلزام به ديانة لا قضاء، هو الوعد بالمعروف من جانب واحد، كأن يعد شخص آخر بأن يدفع له مبلغًا من المال
…
»
(1)
.
(1)
الصديق الضرير، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/ 2/1001).
ويقول الشيخ سليمان بن تركي التركي: «بنى بعض الباحثين القول بالإلزام بالمواعدة في المعاوضات على ما سبق من مذهب الإمام مالك في الإلزام بالوعد إذا دخل الموعود بسبب الوعد في كلفة، وهذا غير صحيح؛ لأن المقصود بالوعد لدى الفقهاء المتقدمين، وما سبق عرضه من الخلاف في الإلزام به إنما هو الوعد بالمعروف دون الوعد بالمعاوضة»
(1)
.
(1)
بيع التقسيط وأحكامه (ص: 465).
مسألة الإلزام بالوعد بالمعروف اختلف فيها أهل العلم إلى أقوال:
القول الأول:
ذهب الشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية، واختاره بعض المالكية إلى أن الوفاء بالوعد بالمعروف مستحب، وليس بواجب.
انظر في اختيار بعض المالكية، التمهيد لابن عبد البر (3/ 209)، البيان والتحصيل (8/ 18).
وفي مذهب الشافعية: المجموع (4/ 485)، الأذكار للنووي، وشرحها الفتوحات الربانية (6/ 158).
وفي مذهب الحنابلة، انظر: المبدع (9/ 345)، الإنصاف (11/ 152).
وانظر المحلى لابن حزم (8/ 28).
القول الثاني:
ذهب الإمام مالك في المشهور من مذهبه إلى أنه يجب الوفاء بالوعد إن خرج على سبب، ودخل الموعود له بسببه في كلفة، أما إذا لم يباشر الموعود السبب فلا شيء على الواعد.
وقال أصبغ: يجب الوفاء بالعدة إذا كانت مرتبطة بسبب، سواء دخل الموعود بسببه في كلفة أو لم يدخل فيه.
مثاله: كما لو قال له: اهدم دارك، وأنا أعدك أن أقرضك ما يعينك على بنائه، أو قال له تزوج: وأنا أقرضك المهر، فعلى قول مالك لا يجب الوفاء إلا إذا باشر الهدم أو دخل في كلفة الزواج.
وعلى قول أصبغ: يجب الوفاء، ولو لم يباشر الهدم، أو يدخل في كلفة الزواج.
انظر الفروق للقرافي (4/ 25)، البيان والتحصيل (8/ 18)، تحرير الكلام في مسائل الالتزام (ص: 155)، المنتقى للباجي (3/ 227). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= القول الثالث:
ذهب الحنفية إلى أن الوعد لا يكون لازمًا إلا إذا كان معلقًا.
مثاله: أن يقول رجل لأخر: بع هذا الشيء على فلان، وإذا لم يعطك ثمنه، فأنا أعطيك إياه. فإذا لم يعطه المشتري الثمن لزم الواعد أداء الثمن المذكور.
أما إذا كان الوعد وعدًا مجردًا، أي غير مقترن بصورة من صور التعاليق، فلا يكون لازمًا.
مثال ذلك: لو باع شخص مالًا من آخر بثمن المثل، أو بغبن يسير، وبعد أن تم البيع، وعد المشتري البائع بإقالته من البيع، إذا رد له الثمن، فلو أراد البائع استرداد المبيع، وطلب إلى المشتري أخذ الثمن وإقالته من البيع، فلا يكون المشتري مجبرًا على إقالة البيع، بناء على ذلك الوعد; لأنه وعد مجرد.
كذلك لو قال شخص لآخر: ادفع ديني من مالك، والرجل وعده بذلك، ثم امتنع عن الأداء، فلا يلزم بوعده هذا على أداء الدين.
انظر في مذهب الحنفية: المادة (84) من مجلة الأحكام العدلية، وانظر درر الحكام شرح مجلة الأحكام (1/ 87)، البحر الرائق (3/ 339)، الأشباه والنظائر بحاشية الحموي (3/ 237).
القول الرابع:
ذهب القاضي سعيد بن أشوع الكوفي، وابن شبرمة، واختاره بعض المالكية إلى وجوب الوفاء بالعدة، وأنه يقضى بها مطلقًا.
انظر صحيح البخاري، كتاب الشهادات، باب من أمر بإنفاذ الوعد (3/ 236)، الفروق (4/ 25)، المحلى (8/ 28).
القول الخامس:
اختار تقي الدين السبكي الشافعي إلى أن العدة يجب الوفاء بها ديانة لا قضاء، ورجحه فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي.
قال تقي الدين السبكي الشافعي كما في الفتوحات الربانية (6/ 258): «ولا أقول يبقى دينًا في ذمته حتى يقضى من تركته، وإنما أقول: يجب الوفاء تحقيقًا للصدق، وعدم الإخلاف» .
وقال الشنقيطي كما في أضواء البيان (4/ 304): «والذي يظهر لي أن إخلاف الوعد لا يجوز
…
ولا يجبر به؛ لأنه وعد بمعروف محض».
وقد ذكرنا أدلة الأقوال وبيان الراجح في مسألة سابقة عند الكلام على بيع المرابحة للآمر بالشراء، فأغنى ذلك عن إعادته هنا، والحمد لله.
فإذا كان عقد الهبة والوعد به من المعروف كان الإلزام به جائزًا على مذهب المالكية، وبناء عليه يمكن القول بجواز الإلزام بالوعد في بيع الإجارة المنتهية بالوعد بالهبة.
وعندي أن الوعد إن كان غير ملزم للمؤجر فإن الهبة تجوز مطلقًا حتى ولو كانت الإجارة بأكثر من ثمن المثل؛ لأننا إذا جوزنا الإجارة المنتهية بالبيع غير الملزم، فجوازها بالهبة غير الملزمة من باب أولى.
وإن كان الوعد ملزمًا بالهبة فإن الهبة تأخذ حكم المعاوضة عندي من غير فرق بين أن تكون الإجارة بثمن المثل أو بأكثر منه.
لأن هذا الوعد الملزم بالهبة يأخذ حكم الحوافز التجارية والتي ترتبط بالعقد من أجل تسويقه والترغيب فيه، لا من أجل الإحسان إلى المشتري، فتكون جزءًا من عقد المعاوضة، فلا أرى فرقًا بين الإجارة المنتهية بالهبة والإجارة المنتهية بالوعد الملزم بالهبة، فكأن العقد انتهى بالهبة مع إعطاء الموهوب الخيار في الرد، والخيار لا يمنع انعقاد العقد، وقد سبق بحث الإجارة المنتهية بالهبة في الفرع الأول فأغنى ذلك عن إعادته هنا، والحمد لله.
* * *