الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الأول
أن تنتهي الإجارة بالتملك بلا ثمن للبيع
صورة العقد:
أن يصاغ العقد على أنه عقد إجارة ينتهي تلقائيًا بتملك الشيء المؤجر، وتنتقل الملكية تلقائيًا بأداء آخر قسط من هذه الأقساط دون دفع ثمن آخر، ولا وجود عقد آخر: بأن يقول المؤجر: أجرتك هذه السلعة بمبلغ كذا وكذا شهريًا على أنك إذا التزمت بسداد الأقساط في المدة المحددة فإن السلعة تنتقل ملكيتها إليك تلقائيًا دون الحاجة إلى إبرام عقد جديد، ودون ثمن سوى ما دفعته من أقساط الإجارة.
والسؤال: هل هذا العقد عقد إجارة، أو عقد بيع؟
وإذا حمل العقد على أحدهما فهل هو عقد صحيح، توفرت له شروط الصحة، أو فيه ما يجعله فاسدًا حتى في حال توصيفه بأنه بيع أو إجارة؟
وللجواب على ذلك نقول:
[م-967] هل المعتبر في العقود اللفظ أو المحكم في هذا المعنى؟
هل نعتبر العقد إجارة نظرًا للفظ، أو نعتبر الإجارة هنا بيعًا نظرًا للمعنى، ونعتبر الأقساط المدفوعة ثمنًا للبيع؟
ويتفرع على هذه المسألة فروع كثيرة:
من ذلك لو قال: وهبتك هذه بألف، فإن اعتبرنا المعنى انعقد العقد بيعًا، وإن نظرنا إلى اللفظ نقول: هذه هبة فاسدة؛ لأن الهبة: هي بذل الشيء بلا مقابل.
ومثله لو قال: أسلمت إليك هذا الثوب بدينار، فإن اعتبرنا المعنى قلنا: هذا بيع، وليس سلمًا، وإن اعتبرنا اللفظ قلنا: هذا سلم فاسد؛ لأن المسلم فيه لا بد أن يكون غير معين.
فإذا قلنا: أجرتك هذه السلعة بكذا، وإذا سددت الأقساط كانت السلعة مستحقة لك، فهل ننظر إلى اللفظ فنقول: إجارة، أو ننظر إلى المعنى فنقول: بيع.
وقد سبق بحث هذه المسألة في مبحث مستقل، وبينت أن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني. وعلى هذا مذهب الحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
،
وأحد الوجهين في مذهب
(1)
قال في فتح القدير (6/ 251): «والمعنى هو المعتبر في هذه العقود؛ ألا يرى إلى ما قالوا: لو قال: وهبتك أو وهبت لك هذه الدار أو هذا العبد بثوبك هذا، فرضي به، فهو بيع بالإجماع» . يقصد بذلك إجماع علماء الحنفية، والله أعلم.
وقال ابن نجيم في الأشباه والنظائر (ص: 207): «الاعتبار للمعنى، لا للألفاظ، وصرحوا به في مواضع منها
…
» ثم ذكر جملة من فروع هذه المسألة في باب الكفالة، والبيع، والهبة، والعتق، والنكاح .. الخ. وانظر غمز عيون البصائر (2/ 266)، وانظر مجلة الأحكام العدلية، المادة (3) حيث قال: العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، لا للألفاظ والمباني.
(2)
جاء في تبصرة الحكام (2/ 129): «إذا وهب هبة تقتضي أنه يريد بها الثواب فإن القرائن الدالة على أنه قصد الثواب تقوم مقام الشرط مثل أن يهب الفقير لغني بخلاف العكس فإن هبة الغني تدل على أنه لم يرد الثواب» .
وقال في حاشية العدوي (2/ 261): «ومن وهب هبة مطلقًا، وادعى أنه وهبها للثواب، نظر في ذلك، وحمل على العرف، وإن كان مثله يطلب الثواب على الهبة صدق مع يمينه» . وانظر التفريع لابن الجلاب (2/ 314)، وحاشية الدسوقي (3/ 3)، والفروق للقرافي (1/ 39).
الشافعية
(1)
، ومذهب أحمد
(2)
.
والشافعية وحدهم هم الذين يقولون: إن العبرة بالعقود باللفظ لا بالمعنى ومع ذلك قد يغلبون المعنى في بعض المسائل كما في هبة الثواب، فإنها بيع مع أنها بلفظ الهبة
(3)
.
قال في مغني المحتاج: «والأصحاب تارة يعتبرون اللفظ وهو الأكثر، كما لو قال: بعتك هذا بلا ثمن لا ينعقد بيعًا، ولا هبة على الصحيح.
وكما لو قال: اشتريت منك ثوبًا صفته كذا بكذا ينعقد بيعًا لا سلمًا على الصحيح. وتارة يعتبرون المعنى كما لو قال: وهبتك هذا الثوب بكذا ينعقد بيعًا على الصحيح ..... وتارة لا يراعون اللفظ ولا المعنى، فيما إذا قال: أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد، فإن الصحيح أنه لا ينعقد بيعًا ولا سلمًا»
(4)
.
(1)
المجموع (9/ 202)، حاشيتا قليوبي وعميرة (2/ 306)، وانظر الأشباه والنظائر للسيوطي، فقد ذكر هذه القاعدة، وفرع عليها فروعًا كثيرة (ص: 166)، نهاية المحتاج (3/ 384 - 385)، حاشية الجمل (3/ 165)
…
.
(2)
انظر مطالب أولي النهى (3/ 5): حيث اعتبر لفظ: «وهبتك هذا بكذا» من الألفاظ التي ينعقد فيها البيع.
وقال في كشاف القناع (4/ 300): «وإن شرط الواهب في الهبة عوضًا معلومًا، صارت الهبة بيعًا، فيثبت فيها خيار مجلس ونحوه» .
وقال ابن رجب في القاعدة (38): «فيما إذا وصل بألفاظ العقود ما يخرجها عن موضوعها، فهل يفسد العقد بذلك، أو يجعل كناية عما يمكن صحته على ذلك الوجه؟
فيه خلاف، يلتفت إلى أن المغلب هل هو اللفظ أو المعنى، ويتخرج على ذلك مسائل» ثم ذكرها
…
وانظر الموسوعة الكويتية (28/ 154).
(3)
حاشية البجيرمي (3/ 64)، حواشي الشرواني (4/ 402)، مغني المحتاج (2/ 68)، روضة الطالبين (6/ 242).
(4)
مغني المحتاج (2/ 68).