الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الثاني
في اشتراط طهارة الأجرة
[م-876] سبق لنا اختلاف العلماء في اشتراط طهارة المعقود عليه في البيع، وكما اختلفوا في طهارة ثمن المبيع اختلفوا في اشتراط طهارة الأجرة في عقد الإجارة على قولين:
القول الأول:
لا يشترط الحنفية طهارة الأجرة، وإنما يشترطون أن يكون مالًا متقومًا، وهو اصطلاح خاص. فالمال عندهم ينقسم إلى قسمين:
(أ) - مال غير متقوم لا يجوز أن يكون أجرة، لا فرق في ذلك بين أن يكون نجسًا كالميتة والدم، أو يكون طاهرًا كلبن الآدمية المنفصل عنها، فإنهم منعوا بيعه وإن كان طاهرًا لعدم جريان تموله بين الناس.
يقول ابن نجيم: «فما يكون مباح الانتفاع بدون تمول الناس لا يكون مالًا»
(1)
.
(ب) - ومال متقوم يجوز أن يكون مبيعًا وثمنًا وأجرة، ولو لو يكن طاهرًا إذا جرى الانتفاع به بين المسلمين، واعتادوا تموله من غير نكير كالسرجين النجس.
يقول ابن عابدين: «المال أعم من المتقوم
(2)
; لأن المال ما يمكن ادخاره، ولو غير مباح كالخمر والمتقوم ما يمكن ادخاره مع الإباحة فالخمر مال لا متقوم»
(3)
.
(1)
البحر الرائق (5/ 277).
(2)
في المطبوع (المتمول) وهو خطأ.
(3)
حاشية ابن عابدين (4/ 501).
وجاء في تبيين الحقائق: «كره بيع العذرة لا السرقين، وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز بيع السرقين أيضًا؛ لأنه نجس العين
…
ولنا: أن المسلمين تمولوا السرقين، وانتفعوا به في سائر البلدان والأعصار من غير نكير، فإنهم يلقونه في الأراضي لاستكثار الريع بخلاف العذرة؛ لأن العادة لم تجر بالانتفاع بها
…
»
(1)
.
فجعل المدار على جريان الانتفاع به، وليس على طهارته أو نجاسته.
وأجاز الحنابلة في قول بيع بعض الأعيان النجسة.
قال ابن قدامة: كل مملوك أبيح الانتفاع به يجوز بيعه إلا ما استثناه الشرع من الكلب وأم الولد والوقف .... والمنفعة المباحة يباح له استيفاؤها فجاز له أخذ عوضها، وأبيح لغيره بذل ماله فيها توصلًا إليها، ودفعًا لحاجته كسائر ما أبيح بيعه، وسواء في هذا ما كان طاهرًا كالثياب والعقار وبهيمة الأنعام والخيل
(1)
تبيين الحقائق (6/ 26). وجاء في حاشية الشلبي على تبيين الحقائق وهو يعلق على بيع جلد الميتة فلا يجوز قبل الدبغ، ويجوز بعده (4/ 51) قال: «بطلان البيع دائر مع حرمة الانتفاع، وهي عدم المالية، فإن بيع السرقين جائز، وهو نجس العين للانتفاع به لما ذكرنا، وأما جواز بيعها - يعني جلود الميتة- بعد الدباغة لحل الانتفاع بها شرعًا، والحكم بطهارتها زيادة ثبتت شرعًا
…
».
وجاء في البحر الرائق (6/ 77): «وأشار إلى منع ما ليس بمال كبيع العذرة الخالصة، ويجوز بيع السرقين والبعر والانتفاع به والوقود به» .
وفي الجامع الصغير مع شرحه النافع الكبير جاء فيه (1/ 480): «لا بأس ببيع السرقين، ويكره بيع العذرة .. » .
والصيود، أو مختلفًا في نجاسته كالبغل والحمار وسباع البهائم التي تصلح للصيد كالفهد والصقر والبازي والشاهين والعقاب .... وأشباه ذلك فكله يجوز بيعه .....
وقال أبو بكر عبد العزيز وابن أبي موسى: لا يجوز بيع الفهد والصقر ونحوهما؛ لأنها نجسة، فلم يجز بيعها كالكلب.
ولنا أنه حيوان أبيح اقتناؤه، وفيه نفع مباح من غير وعيد في حبسه، فأبيح بيعه كالبغل، وما ذكراه يبطل بالبغل والحمار، فإنه لا خلاف في إباحة بيعها، وحكمها حكم سباع البهائم في الطهارة والنجاسة»
(1)
.
والحقيقة أن مذهب الحنابلة غير مطرد في حكم النجاسة، فهم يمنعون بيع أشياء، ويعللون ذلك بالنجاسة، ويجيزون بيع أشياء مع حكمهم لها بالنجاسة.
فالحنابلة يجوزن بيع الحمار والبغل وسباع البهائم والطير التي تقبل التعليم والقرد مع الحكم بنجاستها، ويمنعون بيع السرجين النجس قال في المغني:«ولا يجوز بيع السرجين النجس، وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يجوز .... ولنا أنه مجمع على نجاسته فلم يجز بيعه كالميتة»
(2)
.
(1)
المغني (4/ 174)، وفي الإنصاف أيضًا (4/ 280):«ولا يجوز بيع السرجين النجس، هذا المذهب. وعليه جماهير الأصحاب. وقطع به كثير منهم. وخُرِّج قول بصحة بيعه من الدهن النجس. قال مهنا: سألت أبا عبد الله عن السلم في البعر والسرجين؟ فقال: لا بأس. وأطلق ابن رزين في بيع النجاسة وجهين. وأطلق أبو الخطاب جواز بيع جلد الميتة. قال في الفروع: فيتوجه منه بيع نجاسة يجوز الانتفاع بها ولا فرق، ولا إجماع» . اهـ.
(2)
المغني (4/ 174).