الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصورة الثانية:
أن يكون الوعد ملزمًا للمالك (البنك) في بيع السلعة متى ما رغب المشتري في التملك بعد انتهاء مدة الإجارة.
حكم هذه الصورة:
[ن-63] اختلف الفقهاء في حكم العقد إذا اشتمل على وعد ملزم بالبيع من طرف المالك.
فالذين ذهبوا إلى جواز الإجارة المنتهية بالبيع الملزم سوف يجيز الإجارة المنتهية بالوعد بالبيع من باب أولى.
وكذا يجيز هذه المعاملة كل من يرى أن الوعد الملزم ليس عقدًا، ويجب الوفاء به.
وقد ذهب بعض العلماء المعاصرين إلى القول بجواز الإلزام بالوعد في بيع المرابحة، منهم: الدكتور يوسف القرضاوي
(1)
، والدكتور سامي حسن حمود
(2)
، وفضيلة الشيخ عبد الله بن منيع
(3)
، والدكتور علي القره
(1)
انظر كتاب الشيخ (بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية) وانظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/ 2/841).
(2)
بيع المرابحة للآمر بالشراء، بحث منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/ 2/1091)، وسامي حسن محمود له الفضل في إطلاق مصطلح (بيع المرابحة للآمر بالشراء) على هذه المعاملة. يقول الدكتور رفيق يونس المصري في كتابه (بحوث في المصارف الإسلامية) (ص: 258): «أول من ابتدع هذا الاصطلاح المركب فيما نعلم هو الدكتور سامي حسن محمود، في أطروحته للدكتوراة، (تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية) عام 1976 م، ثم ظهر في دليل بيت التمويل الكويتي، (أنشئ عام 1977 م) للأعمال المصرفية والاستثمارية الشرعية (ص: 11)» .
(3)
انظر الوفاء بالوعد وحكم الإلزام به، بحث في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/ 2/863).
داغي
(1)
، والدكتور: إبراهيم فاضل الدبو
(2)
.
والتزمت بالأخذ بالإلزام أكثر المصارف الإسلامية، من ذلك: مجموعة دلة البركة، وبيت التمويل الكويتي، ومصرف قطر الإسلامي
(3)
. وهو رأي الأكثرية في مؤتمر المصرف الإسلامي بدبي
(4)
، وقرار المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي بالكويت
(5)
.
وقد منع الفقهاء المتقدمون الإلزام بالوعد كالحنفية
(6)
، والمالكية
(7)
،
(1)
انظر كتابه (بحوث في فقه المعاملات المالية المعاصرة) ص: 102.
(2)
المرابحة للآمر بالشراء، دراسة مقارنة، بحث منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/ 2/1007).
(3)
انظر تجربة البنوك التجارية السعودية في بيع المرابحة للآمر بالشراء (ص: 80).
(4)
انظر: مؤتمر المصرف الإسلامي بدبي، 1399 هـ (ص: 14).
(5)
المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي المنعقد في الكويت من (6 - 8) جمادى الثانية، عام 1403 هـ 1983 م، وقد شارك فيه اثنتا عشرة مؤسسة مالية إسلامية، وحضره عدد من كبار العلماء، وقدمت فيه مجموعة من الأبحاث، وصدرت عنه عدة توصيات، منها: التوصية الثامنة، والتاسعة، ونصهما:
8 -
يقرر المؤتمر أن المواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء، بعد تملك السلعة المشتراة، وحيازتها، ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الموعد السابق، هو أمر جائز شرعًا، طالما كانت تقع على المصارف الإسلامية مسؤولية الهلاك قبل التسليم، وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي. وأما بالنسبة للوعد، وكونه ملزمًا للآمر أو المصرف أو كليهما، فإن الأخذ بالإلزام هو الأحفظ لمصلحة التعامل، واستقرار المعاملات، وفيه مراعاة لمصلحة المصرف والعميل، وأن الأخذ بالإلزام أمر مقبول شرعًا، وكل مصرف مخير بالأخذ بما يراه في مسألة القول بالإلزام حسب ما تراه هيئة الرقابة الشرعية لديه.
9 -
يرى المؤتمر أن أخذ العربون في عمليات المرابحة وغيرها جائز بشرط ألا يحق للمصرف أن يستقطع من العربون المقدم إلا بمقدار الضرر الفعلي المتحقق عليه من جراء النكول. اهـ
(6)
الحيل لمحمد بن الحسن الشيباني (ص:79، 127) رواية السرخسي، المبسوط (30/ 237).
(7)
المالكية هم أكثر المذاهب تعرضًا لهذه المسألة وفروعها، ولم يختلف المذهب المالكي =
والشافعية
(1)
، والحنابلة
(2)
، ورجح المنع جمع من العلماء المعاصرين منهم
= في تحريم هذه المعاملة، وإنما الخلاف بينهم في صحة البيع إذا وقع، أو إذا فاتت السلعة، وإليك الإشارة إلى بعض ما جاء عنهم:
قال القرافي في الذخيرة (5/ 17) في معرض ذكر صور هذه المسألة، قال:
«الرابع: اشتر لنفسك نقدًا، وأشتريها منك باثني عشر إلى أجل، فهو حرام، فعن مالك يلزم الآمر الشراء باثني عشر إلى الأجل؛ لأن المشتري كان ضامنًا لها، ولو أراد الآمر تركها كان له ذلك، واستحب ألا يأخذ المأمور إلا ما نقد.
وقال ابن حبيب: يفسخ البيع الثاني إن كانت السلعة قائمة، ويرد المأمور، فإن فاتت ردت إلى قيمتها معجلة يوم يقبضها الآمر، كالبيع الفاسد؛ لأن المواطأة قبل الشراء بيعُ ما ليس عندك المنهي عنه». اهـ
انظر هذا النص في التاج والإكليل (4/ 405)، مواهب الجليل (4/ 406)، الاستذكار (19/ 255)، الخرشي (5/ 107)، الكافي في فقه المدينة (ص: 325 - 326).
وقول ابن حبيب أقيس؛ لأنه مطرد في البيع الفاسد على أصول مذهب مالك، وأما القول الأول فهو وإن كان رواية ابن القاسم عن مالك، إلا أن فيه إشكالًا على أصول مالك، وهو أن البيع إذا كان حرامًا، فلا يقال بلزومه مع قيام السلعة.
وقال ابن رشد في المقدمات الممهدات (2/ 58): «وأما الخامسة: وهي أن يقول: اشتر لي - الصواب حذف كلمة لي- سلعة كذا بعشرة نقدًا، وأنا أبتاعها منك باثني عشر إلى أجل، فهو أيضًا لا يجوز، إلا أنه يختلف فيه إذا وقع:
فروى سحنون عن ابن القاسم، وحكاه عن مالك: أن الآمر يلزمه الشراء باثني عشر إلى أجل؛ لأن المشتري كان ضامنًا لها لو تلفت في يديه، قبل أن يشتريها منه الآمر، ولو أراد ألا يأخذها بعد اشتراء المأمور كان ذلك له
…
» ثم ذكر بقية النص كما في الذخيرة والتاج والإكليل.
والأمر المتفق عليه بينهم، أن البيع بهذه الصورة حرام، والخلاف إنما في لزومه إذا وقع.
(1)
الأم (3/ 39).
(2)
تعرض لهذه المسألة ابن القيم من الحنابلة. قال في إعلام الموقعين (4/ 23): «رجل قال لغيره: اشتر هذه الدار - أو هذه السلعة من فلان - بكذا وكذا وأنا أربحك فيها كذا وكذا، فخاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يريدها ولا يتمكن من الرد فالحيلة أن يشتريها على أنه بالخيار ثلاثة أيام أو أكثر ثم يقول للآمر: قد اشتريتها بما ذكرت فإن أخذها منه وإلا تمكن من ردها على البائع بالخيار
…
».
سماحة الشيخ ابن باز، والدكتور محمد الأشقر، والدكتور الصديق الضرير، والشيخ بكر أبو زيد، والشيخ سليمان بن تركي التركي، والدكتور رفيق بن يونس المصري وغيرهم
(1)
، وأفتت بالتحريم اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية
(2)
.
والصحيح أن الوعد الملزم المقترن بالعقد إنما هو في حكم العقد، وإن سمي وعدًا، وذلك لأن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني.
فإذا تم الاتفاق على كون المواعدة ملزمة للطرفين، فهذا يصير الوعد عقدًا، لأن الإلزام من أبرز خصائص العقد. وقد صرح الفقهاء بأن الوعد لا يعتبر عقدًا.
وفي ذلك يقول ابن حزم: «والتواعد على بيع الذهب بالذهب، أو الفضة بالفضة، وفي سائر الأصناف الأربعة، بعضها ببعض جائز تبايعًا بعد ذلك، أو لم يتبايعا؛ لأن الوعد ليس بيعًا»
(3)
.
(1)
انظر رأي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، في فتوى له منشورة في كتاب بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة للدكتور: محمد الأشقر (ص: 107).
وانظر رأي الدكتور: محمد الأشقر في بيع المرابحة كما تجريه البنوك الإسلامية بحث ضمن كتاب بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة (ص: 72).
وانظر رأي الدكتور الصديق الضرير، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/ 2/1000).
وانظر رأي الشيخ سليمان بن تركي التركي، في كتابه بيع التقسيط وأحكامه (ص: 473)، والشيخ بكر أبو زيد، في بحث له في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/ 2/983).
وانظر رأي الدكتور: رفيق يونس المصري، في كتابه: بحوث في المصارف الإسلامية (ص: 258).
(2)
مجلة البحوث الإسلامية، العدد السابع (ص: 114).
(3)
المحلى (مسألة: 1501).
وفي مذهب الحنفية: جاء في المادة 171 من مجلة الأحكام: «صيغة الاستقبال التي هي بمعنى الوعد المجرد، مثل: سأبيع، وأشتري، لا ينعقد بها البيع» .
قال في شرحها: «صيغة الاستقبال في اللغة العربية هي المضارع المقترن بالسين أو سوف، كأن يقال: سأبيعك، أو سوف أبيعك، وإنما لا ينعقد البيع بها; لأنها وعد مجرد
…
»
(1)
.
وقال صاحب كشاف القناع: «لو قال البائع بعتك بكذا، فقال المشتري: أنا آخذه بذلك، لم يصح: أي لم ينعقد البيع؛ لأن ذلك وعد بأخذه»
(2)
.
فالقول بالإلزام بالوعد يجعل البيع منعقدًا بذلك الوعد؛ لأنه لا خيار لهما في إحداث إيجاب جديد، وسعر جديد.
(3)
.
وإذا كان الوعد الملزم في حقيقته عقدًا فإن حكم هذا النوع كحكم التأجير المنتهي بالبيع، والخلاف فيها هو عين الخلاف في هذه المسألة، وقد سبق أن رجحت أن الإجارة المنتهية بالبيع لا تجوز إذا كانت العين المستأجرة عرضة للتغير زمن الإجارة، والله أعلم.
(1)
درر الحكام في شرح مجلة الأحكام (1/ 140).
(2)
كشاف القناع (3/ 147).
(3)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/ 2/935).