الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الخامس
أن تكون المنفعة مقدورًا على تسليمها
[م-851] القدرة على التسليم في باب الإجارة يقصد منه أكثر مما يقصد منه في البيع، ففي البيع يكفي في التسليم التخلية، بينما في الإجارة تنقسم القدرة على التسليم إلى قسمين:
القسم الأول:
القدرة الحسية، وذلك يكون بأمور منها:
(أ) التخلية: أي رفع الموانع بين المستأجر وبين العين المستأجرة على الوجه الذي يتمكن به من الانتفاع بها، فتسليم المنازل يكون بالتخلية بينه وبينها، وتسليم السيارات يكون بتسليم مفاتيحها.
(ب) يلزم المؤجر أن يقوم بكل ما يلزم ليتم تمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، كإيصال الكهرباء، والتصريف الصحي.
(جـ) أن يمتنع عن كل ما يفضي إلى حرمان المستأجر من الانتفاع التام.
(د) أن يستدام الانتفاع بعد التسليم إلى انتهاء العقد، فعلى المؤجر أن يمنع غيره من أن يتعرض للمستأجر فيحول بينه وبين الانتفاع، فلو تعرضت العين المؤجرة لآفة سماوية أفسدت المنفعة انفسخ العقد، أو تعرضت العين المؤجرة للغصب، كان المؤجر مطالبًا برفع يد الغاصب، فإن لم يستطع كان للمستأجر حق الفسخ فيما بقي، وسوف يأتي بسط هذه المسألة في باب ضمان العين المؤجرة.
قال ابن قدامة: «إذا اكترى أرضًا للزرع، فانقطع ماؤها، أو دارًا فانهدمت
انفسخ العقد في أحد الوجهين؛ لأن المنفعة المقصودة منها تعذرت، فأشبه تلف العبد، والآخر لا ينفسخ؛ لأنه يمكن الانتفاع بها كالسكنى في خيمة، أو يجمع فيها حطبًا أو متاعًا لكن له الفسخ؛ لأنها تعيبت»
(1)
.
(هـ) لا يكفي تسليم المحل فقط، بل لا بد من القدرة على تسليم المنفعة المعقود عليها في عقد الإجارة.
فلا يصح إجارة بهيمة زمنة لحمل، ولا أرض لا تنبت للزرع، ولا أمي للكتابة، ولا أعمى لما يشترط له الإبصار.
لأن الإجارة عقد على المنفعة، ولا يمكن تسليم المنفعة من هؤلاء.
جاء في حاشية تبيين الحقائق: «كل عقد لا تثبت القدرة فيه على تسليم المعقود عليه يفسد كإجارة العبد الآبق، والمبيع قبل القبض، وإجارة الأرض السبخة التي لا تنبت للزراعة»
(2)
.
وجاء في مواهب الجليل: «(قدر على تسليمها) قال القرافي: احترز من استئجار الأخرس للكلام، والأعمى للإبصار، وأرض الزراعة لا ماء لها قطعًا، ولا غالبًا»
(3)
.
وجاء في حاشيتي قليوبي وعميرة: «لا يصح استئجار .... أعمى للحفظ: أي حفظ المتاع، وأرض للزراعة لا ماء لها دائم، ولا يكفيها المطر المعتاد»
(4)
.
وجاء في المغني: «نقل إبراهيم الحربي عن أحمد أنه سئل عن الرجل
(1)
الكافي في فقه الإمام أحمد (2/ 316).
(2)
تبيين الحقائق (5/ 126)، وانظر المبسوط (16/ 33).
(3)
مواهب الجليل (5/ 422)، وانظر الفواكه الدواني (2/ 129).
(4)
حاشيتا قليوبي وعميرة (3/ 70 - 71).
يكتري الديك يوقظه لوقت الصلاة: لا يجوز; وذلك لأن ذلك يقف على فعل الديك ولا يمكن استخراج ذلك منه بضرب ولا غيره وقد يصيح وقد لا يصيح وربما صاح بعد الوقت»
(1)
.
كل ما ذكرناه سابقًا يتعلق بالقدرة الحسية على التسليم، وهي محل اتفاق بين الفقهاء كما نقلنا، وهناك قدرة أخرى لا بد منها، وهي ما سوف نذكره في القسم الثاني.
القسم الثاني:
القدرة الشرعية على التسليم، فالعجز الشرعي كالعجز الحسي: فلا يجوز استئجار حائض لكنس المسجد، لتعذر ذلك شرعًا عند عامة الفقهاء، ولا يجوز استئجار كافر لعمل في الحرم، ولا يجوز الاستئجار على إخراج الجان، وحل المربوط، لعدم تحقق المنفعة، ولو خرج لم يؤمن العود، وإذا عاد قد يدعي مخرج الجان أن هذا جان آخر غير الأول
(2)
.
وقد تنازع الفقهاء في بعض الصور، هل تعتبر مما يقدر على تسليمه أم لا؟ وسوف نبحث هذه المسائل في المباحث التالية إن شاء الله تعالى.
(1)
المغني (5/ 323)، وانظر كشاف القناع (3/ 565).
(2)
انظر الخرشي (7/ 20)، كشاف القناع (3/ 565).