الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويتفقان على أن الأجير لا يضمن إذا كان التلف بسبب لا يمكن التحرز منه كحريق غالب.
ويختلفان بالضمان إذا كان العيب لم يكن بسبب يرجع إلى الصنعة، وإنما يعود إلى الحفظ بسبب يمكنه التحرز منه.
فأبو حنيفة يرى أن الأجرة إنما هي في مقابل الصنعة فقط، والحفظ ليس داخلًا في العقد، وبالتالي إذا سرقت العين أو لحقها تلف أو عيب من غير فعل الأجير لم يضمن؛ لأن العقد لم يكن على الحفظ، فيده في الحفظ يد أمانة لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط.
وأما الصاحبان فيريان أن الحفظ مستحق على الأجير المشترك؛ لأنه لا يمكنه العمل إلا به، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فكان العقد واردًا على الحفظ، ولأن عقد المعاوضة يقتضي سلامة المعقود عليه، فيضمن بالهلاك كما في الوديعة إذا كانت بأجر
(1)
.
ونوقش هذا الاستدلال:
بأن عقد الإجارة وارد على العمل، وليس على الحفظ، والحفظ تابع وليس بمقصود أصلي، ولهذا لا يقابله أجر، بخلاف المودع بأجر، فإن الحفظ مستحق مقصود، ويقابله أجر فافترقا.
القول الثالث:
ذهب المالكية إلى أن الأصل في يد الأجير المشترك أنها يد أمانة، ولكن لما فسد الناس، وظهرت خيانة الأجراء ضمن الصناع، وكل من تقتضي المصلحة
(1)
انظر العناية على الهداية (9/ 122)، تبيين الحقائق (5/ 135).
العامة تضمينه من الأجراء المشتركين حيث تقوم به التهمة. وهو من باب الاستحسان
(1)
.
«ووجه المصلحة فيه: أن الناس لهم حاجة إلى الصناع، وهم يغيبون عن الأمتعة في غالب الأحوال، والأغلب عليهم التفريط، وترك الحفظ، فلو لم يثبت تضمينهم مع مسيس الحاجة إلى استعمالهم لأفضى ذلك إلى أحد أمرين:
إما ترك الاستصناع بالكلية، وذلك شاق على الخلق، وإما أن يعملوا، ولا يضمنوا ذلك بدعواهم الهلاك والضياع، فتضيع الأموال، ويقل الاحتراز، وتتطرق الخيانة، فكانت المصلحة التضمين»
(2)
.
وعلى هذا فضمان الصناع عند المالكية ضمان تهمة لا ضمان أصالة، ولا يضمن عند المالكية إلا بشروط، منها:
الأول: أن ينتصب للصنعة لدى عامة الناس، فلا ضمان على الصانع الخاص بجماعة.
والصانع المنتصب: هو من أقام نفسه لعمل الصنعة التي استعمل فيها بسوقها أو داره، وغير المنتصب: هو من لم يقم نفسه لها، ولا منها معاشه
(3)
.
الثاني: أن يغيب ربها عن الذات المصنوعة، فإن عمل الصانع في بيت رب السلعة، فلا ضمان عليه، جلس معه ربها أم لا، عمل بأجر أم لا، وكذا لو صنعت بحضرة ربها، ولو في محل الصانع.
(1)
الفواكه الدواني (2/ 117)، المنتقى للباجي (6/ 71)، الفروق (2/ 207 - 208)، مواهب الجليل (5/ 430)، التاج والإكليل (5/ 430)، الخرشي (7/ 28).
(2)
الاعتصام للشاطبي (2/ 119).
(3)
شرح حدود ابن عرفة (ص: 401).