الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن يكون قد جرى التعامل في مثل هذا الشيء المستصنع فيه بالاستصناع
يشترط أن يكون المستصنع فيه مما يجري فيه تعامل الناس بالاستصناع ، فلا يجوز الاستصناع في سلعة لم يجر العرف باستصناعها ، ويجوز ذلك بأن يتعاقد عليها بطريق السلم أو بطريق البيع للشيء الحاضر أو بطريق الإجارة.
يشترط أن يكون المستصنع فيه قد جرى التعامل في مثله بالاستصناع: وسبب اشتراط ذلك أنه لما كان الاستصناع نوعا من بيع المعدوم ، وهو في الأصل ممنوع شرعا ، وإنما أجيز الاستصناع استحسانا لأجل تعامل الناس به ، فما جرى التعامل باستصناعه يصح فيه ، وما لا فلا ، إذ التعامل دليل الحاجة.
وقد يكون الشيء مما يجرى فيه التعامل بالاستصناع في عصر ، ثم تتغير الأمور ، فلا يعود يجرى فيه التعامل ، ومثال ذلك الآنية ، فقد كان يجرى التعامل باستصناعها في عصر الأئمة ، ولذلك مثلوا بالطست والقمقم والقدح والتور ونحوها ، أما في عصرنا فقد ترك التعامل باستصناعها ، لكثرة الأنواع الموجودة منها في الأسواق بحيث يأخذ الإنسان منها بعقد الشراء ما شاء ، ولا يحتاج إلى استصناعه أصلا ، فكان هذا هو سبب ترك التعامل بالاستصناع فيها.
ومما لم يجر التعامل باستصناعه في العصر الحاضر:
(1)
صناعة المواد نصف المصنعة ، كمسحوبات الحديد والألومنيوم وألواح الزجاج والخشب المضغوط (اللاتيه) والأسمنت والبلاط.
(2)
الأجهزة المنزلية الإلكترونية ذات المواصفات المعتادة كأجهزة الراديو والتلفزيون والمسجلات والثلاجات والغسالات والمكانس الكهربائية ، فإنها لكثرة المصنوع منها ، وتوفره في جميع الأسواق بأصناف ومواصفات مختلفة بحيث تناسب كل حاجة وترضي كل ذوق ، لا يحتاج إلى استصناع شيء منها ومثلها السيارات ذات المواصفات العادية.
(3)
المواد الكيماوية والأدوية والعطور ومواد التجميل والورق بجميع أنوعه.
(4)
صناعة السجاجيد ذات المواصفات العادية ، والأقمشة.
(5)
صناعة المواد للتمديدات الكهربائية من أصناف الأسلاك والمصابيح والمفاتيح وغير ذلك.
فهذه الأصناف وكثير أمثالها لا يجوز التعاقد عليها في العصر الحاضر بطريق الاستصناع طبقا للمذهب الحنفي ، بل إما أن يتعاقد عليها بطريق السلم ، وإما بطريق البيع للشيء الحاضر وإما بطريق الإجارة.
وقد رأي فضيلة العلامة الشيخ مصطفى الزرقا أن لا داعي لاعتبار هذا الشرط الآن ، لتوفره بصفة عامة في تعارف الناس في كل ما تدخله الصناعة ، بسبب الانفجار الصناعي الهائل ودخوله في جميع مجالات الحياة.
ويرى بعض العلماء المعاصرين أنه ينبغي أن يعتبر: قيد الحاجة ، فما احتاج الناس إلى استصناعه حاجة عامة ، أو حاجة فردية ، ينبغي أن يجوز استصناعه ، لأنهم إنما اشترطوا جريان التعامل لكونه (دليل الحاجة) فما تحققت الحاجة إليه ينبغي أن يجوز استصناعه إذا كان مما يمكن ضبطه بالوصف.
جاء في بدائع الصنائع (6 / 2678)
وأما شرائط جوازه فمنها أن يكون فيما يجرى فيه التعامل بين الناس من أواني الحديد والرصاص والنحاس والزجاج والخفاف والنعال ولجم الدواب ونصول السيوف والسكاكين والقسي والنبل والسلاح كله والطست والقمقمة ونحو ذلك ، ولا يجوز في الثياب لأن القياس يأبى جوازه ، إنما جوازه استحسانا لتعامل الناس ولا تعامل في الثياب فيثبت جوازه فيما لهم فيه تعامل ، ويبقى ما عداه موكولا إلى القياس ، فإن حصل الاستصناع فيما ليس للناس فيه تعامل كان سلما واشترطت له شروط السلم من قبض الثمن ، وذكر الأجل.
وجاء في الهداية (6 / 116)
ولا يجوز فيما لا تعامل فيه للناس ، كالثياب ، لعدم المجوز. وفيما فيه تعامل إنما يجوز إذا أمكن إعلامه بالوصف ليمكن التسليم.
وجاء في شرح فتح القدير على الهداية (6 / 115)
جوزنا الاستصناع استحسانا للتعامل. . وفيما لا تعامل فيه رجعنا إلى القياس ، كأن يستصنع حائكا أو خياطا لينسج له ثوبا أو قميصا بغزل نفسه.
وجاء في العناية على الهداية (6 / 114)
جاز الاستصناع فيما فيه تعامل ، لا فيما لا تعامل فيه ، كما إذا طلب من الحائك أن ينسج له ثوبا بغزل من عنده ، أو طلب من الخياط أن يخيط له ثوبا بكرباس من عنده.
وجاء في الاختيار (2 / 39)
إنما يجوز الاستصناع فيما جرت به العادة من أواني الصفر والنحاس والزجاج والعيدان والخفاف والقلانس والأوعية من الأدم والمناطق وجميع الأسلحة ، ولا يجوز فيما لا تعامل فيه كالجباب ونسج الثياب ، لأن المجوز له التعامل ، على ما مر ، فيقتصر عليه.
وجاء في بحث الشيخ مصطفي الزرقا (ص 36)
المقرر عند الحنفية أن الاستصناع إنما يجوز في الأشياء التي تعورف فيها ، لأن العرف دليل الحاجة التي هي سبب الاستثناء ، وفيما سوى المتعارف استصناعه لا يصح الاستصناع تمسكا بالأصل ، وهو عدم جواز بيع المعدوم ، فكيف يفتح أمام الاستصناع هذا الباب الواسع في كل ما تدخله الصنعة؟
قال: ويبدو لنا في الجواب أن تنوع الحاجات والصناعات واختلاف الأشكال والأوصاف والخصائص في أصناف النوع الواحد إلى درجة كبيرة مما تفتقت عنه أذهان المخترعين في عصر الانفجار الصناعي هذا قد أدي إلى أن يصبح طريق الاستصناع متعارفا عليه في كل ما يصنع بوجه عام.