الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لزوم الإجارة
اتفق الفقهاء على أن عقد الإجارة عقد لازم ، فلا ينفرد أحد المتعاقدين بفسخه إلا لمقتض تنفسخ به العقود اللازمة من ظهور العيب أو ذهاب محل استيفاء المنفعة وذهب الحنفية إلى أنها تفسخ كذلك بالأعذار الطارئة على المستأجر.
اتفق الفقهاء على أن عقد الإجارة عقد لازم لأنه من عقود المعاوضات التي يتم فيها مبادلة مال بمنفعة ، واللزوم أصل في المعاوضات كما هو مقرر عند العلماء.
واستدل الفقهاء لذلك بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} وهذا دليل لزوم العقد إذ الفسخ من جانب واحد ليس من الوفاء بالعقد.
ولكن قال الفقهاء أن عقد الإجارة يفسخ لسببين: العيوب والأعذار.
فسخ عقد الإجارة بالعيوب
المقصود بالعيب هو ما تنقص به المنفعة ويظهر به تفاوت في الأجرة ، واتفق الفقهاء أنه متى حدث عيب يخل بالانتفاع كان المستأجر بالخيار بين الإبقاء على الإجارة ودفع كامل الأجرة وبين فسخها ، كما إذا حدث بالدابة المؤجرة مرض أو عرج أو حدث خلل أو عطل في محرك السيارة أو انهدم بعض بناء الدار وغير ذلك من العيوب في إجارة منافع الأعيان ، وكذلك مثل أن يحصل في إجارة منافع الأشخاص ضعف في البصر أو جنون أو برص للشخص المستأجر للخدمة.
والشرط في جواز فسخ العقد للعيب هو تأثيره في المنافع أما إذا لم يؤثر فيها بالنقص فلا يثبت حق الفسخ ، ويستوي في ذلك حدوث العيب قبل العقد أو بعده لأن عقد الإجارة على المنافع وهي تحدث شيئا فشيئا ، فإذا حدث العيب بالشيء المستأجر ، كان هذا عيبا قبل القبض فيوجب الخيار كما في عقد البيع.
فالشرط لبقاء عقد الإجارة لازما هو إذن سلامة العين المؤجرة عن حدوث عيب يخل بالانتفاع بها. فإذا حدث عيب ولكنه زال قبل أن يفسخ المستأجر العقد بأن صح المريض مثلا أو زال العرج عن الدابة أو بني المؤجر ما سقط من الدار ، ففي هذه الحالة يبطل خيار المستأجر بالفسخ لأن الموجب للخيار قد زال ، والعقد قائم فيزول الخيار.
والمستأجر يمارس الفسخ إذا كان المؤجر حاضرا أثناء الفسخ فإن كان غائبا فحدث بالشيء المستأجر ما يوجب الفسخ فليس للمستأجر الفسخ ، لأن فسخ العقد لا يجوز إلا بحضور العاقدين أو من يقوم مقامهما. أما في حالة سقوط الدار أو انهدامها ، فللمستأجر أن يخرج منها ، سواء أكان المؤجر حاضرا أم غائبا ، وهذا دليل الانفساخ.
فسخ عقد الإجارة بالأعذار
معنى العذر هو عجز العاقد عن المضي في موجب العقد إلا بتحمل ضرر زائد لم يستحق بالعقد.
والفرق بين العيب والعذر يتمثل في كون العيب هو ما ينقص منافع العين المعقود عليها بحيث لا تعد صالحة للانتفاع ، أما العذر فهو الذي لا ينقص من المنافع ولكن يترتب على تنفيذ العقد معه ضرر على أحد العاقدين.
وخلافا عن جمهور العلماء الذين قالوا بأن الإجارة عقد لازم كالبيع ، والعقود اللازمة لا يجوز فسخها بالعذر ، فلا تفسخ الإجارة عندهم إلا بوجود عيب أو ذهاب محل استيفاء المنفعة.
ذهب الحنفية إلى أن الإجارة تفسخ بالأعذار لأن الحاجة تدعو إلى الفسخ عند العذر ، فلو لزم العقد عند تحقق العذر للزم صاحب العذر ضرر لم يلتزمه بالعقد. قال ابن عابدين كل عذر لا يمكن معه استيفاء المعقود عليه إلا بضرر يلحقه في نفسه أو ماله ، يثبت له حق الفسخ.
والحنفية قسموا الأعذار الموجبة للفسخ إلى ثلاثة أنواع:
1 عذر من جانب المستأجر:
مثل إفلاس المستأجر ، أو انتقاله من الحرفة إلى الزرعة أو من الزراعة إلى التجارة ، أو من حرفة إلى أخرى لأن المفلس أو المنتقل من عمل لا ينتفع به إلا بضرر ، لا يجبر على البقاء في الحرفة الأولى مثلا ، ومثله السفر أي انتقال المستأجر عن البلد ، لأن في إبقاء العقد مع السفر ضررا به.
ويترتب عليه: أنه إذا لم يحصل النفع للمستأجر إلا بضرر يلحقه في ملكه أو بدنه ، فله فسخ الإجارة ، كما إذا استأجر رجل صباغا لتنظيف ثياب وكيها أو خياطتها ، أو دارا له ، أو ليقطع شجرا ، أو ليزرع أرضا أو ليحدث في ملكه شيئا من بناء أو حفر ، أو ليحتجم أو يفتصد ، أو يقلع ضرسا له ونحو ذلك ، ثم بدا له ألا يفعل فله أن يفسخ الإجارة ولا يجبر على شيء مما ذكر لأنه تبين له ألا مصلحة له في العمل ، فبقي الفعل ضررا في نفسه. . .
2 عذر من جانب المؤجر:
مثل لحوق دين فادح به لا يجد طريقا لقضائه إلا ببيع الشيء المأجور وأدائه من ثمنه.
هذا إذا ثبت الدين قبل الإجارة بالبينة أو بالإقرار ، أو ثبت بعد عقد الإجارة بالبينة ، وكذا بالإقرار عند أبي حنيفة لأن الظاهر أن الإنسان لا يقر بالدين على نفسه كاذبا.
وقال الصاحبان: لا يقبل ثبوت الدين بالإقرار بعد الإجارة ، لأنه متهم في هذا الإقرار.
ومثل أن يشتري المؤجر شيئا ثم يؤجره ، ثم يطلع على عيب به ، فله أن يفسخ الإجارة ، ويرده بالعيب.
ولا يعد السفر أو النقلة عن البلد عذرا للمؤجر يبيح له فسخ الإجارة على عقار ، لأن استيفاء منفعة العقار في غيبته لا ضرر عليه فيه.
وأما مرض الحمال والجمال بحيث يضره الحمل ، فيعد عذرا في رأي أبي يوسف لأن غير الحمال أو الجمال لا يقوم مقامهما على الدابة أو الإبل إلا بضرر ، والضرر لا يستحق بالعقد وهو الراجح.
ويرى محمد في كتاب (الأصل) أن مرض الجمال لا يعد عذرا ، لأن خروج الجمال بنفسه مع الإبل غير مستحق بالعقد فإن له أن يبعث غيره معها.
ولعل هذا الرأي بالنسبة لسائق السيارة في عصرنا هو الراجح ، لأنه لا يشترط سائق معين.
عذر راجع للعين المؤجرة أو الشيء المأجور:
مثال الأول: أن يستأجر رجل حماما في قرية ليستغله مدة معلومة ، ثم يهاجر أهل القرية ، فلا يجب عليه الأجر للمؤجر.
ومثال الثاني: أن يوجر رجل خادمه (عبده) سنة ، فلما مضت ستة أشهر أعتق العبد ، وأبى الخدمة فيكون العبد مخيرا بين الإبقاء على الإجارة أو فسخها.
جاء في القوانين الفقهية لابن جزي ص 274 - 275
يشترط في المستأجر والأجير ما يشترط في المتبايعين ، ويكره أن يؤاجر المسلم نفسه من كافر. ويشترط في الأجرة والمنفعة ما يشترط في الثمن والمثمون على الجملة. وأما على التفصيل فيشترط في الأجرة أن تكون معلومة ، خلافا للظاهرية ، ولا يجب تقديم الأجرة بمجرد العقد ، وإنما يستحب تقديم جزء من الأجرة باستيفاء ما يقابله من المنفعة.
وأما المنفعة فيشترط فيها:
الأول - أن تكون معلومة إما بالزمان كالمياومة والمشاهرة ، وإما بغاية العمل كخياطة الثوب ، ولا يجوز أن يجمع بينهما ، لأنه قد يتم العمل قبل الأجل أو بعده ، وإذا استأجر على رعاية غنم بأعيانها لزمه رعاية الخلف عند ابن القاسم.
الثاني - أن تكون المنفعة مباحة ، لا محرمة ، ولا واجبة.
أما المحرم فلا يجوز إجماعا ، وأما الواجب كالصلاة والصيام فلا تجوز الأجرة عليه وتجوز الإجارة على الإمامة مع الأذان والقيام بالمسجد ، لا على الصلاة بانفرادها ، ومنعها ابن حبيب مفترقا ومجتمعا ، وأجازها ابن الحكم مفترقا ومجتمعا.
وقال القرافي في الفروق (3 / 4)
متى اجتمعت في المنفعة ثمانية شروط ملكت بالإجارة ، ومتى انخرم منها شرط لا تملك:
الأول - الإباحة: احترازا من الفن وآلات الطرب ونحوها.
الثاني - قبول المنفعة للمعاوضة: احترازا من النكاح.
الثالث - كون المنفعة متقومة: احترازا من التافه الحقير الذي لا يقابل بالعوض ، واختلف في استئجار الأشجار لتجفيف الثياب ، فمنعه ابن القاسم ومثله في عصرنا تجفيف طيات القمر الدين.
الرابع - أن تكون مملوكة: احترازا من الأوقاف على السكنى ، كبيوت المدارس والخوانق.
الخامس - ألا يتضمن استيفاء عين: احترازا من إجارة الأشجار لثمارها ، أو الغنم لنتاجها واستثني من ذلك إجارة المرضع للبنها للضرورة في الحضانة.
السادس - أن يقدر على تسليمها: احترازا من استئجار الأخرس للكلام.
السابع - أن تحصل للمستأجر: احترازا من العبادات ، والإجارة عليها كالصوم ونحوه.
الثامن - كونها معلومة: احترازا من المجهولات من المنافع ، كمن استأجر آلة لا يدري ما يعمل بها ، أو دارا مدة غير معلومة.
فهذه الشروط إذا اجتمعت جازت المعاوضة ، وإلا امتنعت.
وجاء في المنهاج للنووي ومغني المحتاج (2 / 332 - 334)
شرط الركن الأول - وهو المؤجر والمستأجر: كبائع ومشتر
وشرط الركن الثاني - وهو الصيغة: كونها بنحو آجرتك هذا أو أكريتك أو ملكتك منافعه سنة بكذا ، فيقول: قبلت أو استأجرت أو اكتريت. والأصح انعقادها بقوله: آجرتك منفعتها ، ومنعها بقوله: بعتك منفعتها.
وهي قسمان: واردة على عين كإجارة العقار ودابة أو شخص معينين ، وعلى الذمة كاستئجار دابة موصوفة ، وبأن يلزم ذمته خياطة أو بناء.
ولو قال: استأجرتك لتعمل لي كذا ، فإجارة عين ، وقيل: ذمة. ويشترط في إجارة الذمة تسليم الأجرة في مجلس العقد ، وإجارة العين لا يشترط فيها ذلك. ويجوز فيها التعجيل والتأجيل إن كانت في الذمة. وإذا أطلقت تعجلت.
وشرط الركن الثالث - وهو الأجرة:
كون الأجرة التي في الذمة معلومة جنسا وقدرا وصفة كالثمن في البيع ، فإن كانت معينة ، كفت مشاهدتها إن كانت على منفعة معينة على المذهب ، أو في الذمة على الأصح.
فلا تصح إجارة الدابة بنحو العلف ، ولا يصح استئجار سلاخ ليسلخ الشاة بالجلد الذي عليها ، ولا طحان على أن يطحن البر مثلا ببعض الدقيق منه كربعه ، أو بالنخالة منه للجهل بثخانة الجلد وبقدر الدقيق والنخالة ولعدم القدرة على الأجرة حالا.
وشروط الركن الرابع وهو المنفعة خمسة:
الأول - كون المنفعة متقومة: فلا يصح استئجار بياع على كلمة لا تتعب ، وإن روجت السلعة.
وفي الإحياء لا يجوز أخذ عوض على كلمة يقولها طبيب بدواء ينفرد به بمعرفته ، إذ لا مشقة عليه في التلفظ به. وكذا دراهم ودنانير للتزيين للحوانيت ونحوها ، وكلب معلم للصيد ونحوه كحراسة ماشية أو زرع أو درب ، لا يجوز استئجار كل من ذلك في الأصح في الجمع ، لأن منفعة التزيين بالنقود غير متقومة فلا تقابل بمال بخلاف إعارتها للزينة ، والكلب لا قيمة لعينه ، فكذا لمنفعته.
الثاني - كون المؤجر قادرا على تسليمها حسا أو شرعا ، ليتمكن المستأجر منها. والقدرة على التسليم تشمل ملك الأصل وملك المنفعة.
فلا يصح استئجار آبق ومغصوب وأعمى للحفظ ، وأرض للزراعة لا ماء لها دائم ، ولا يكفيها المطر المعتاد.
ويجوز بالماء الدائم وبالمطر المعتاد ، وماء الثلوج المجتمعة ، والغالب حصولها في الغالب.
والامتناع الشرعي كالحسي ، فلا يصح استئجار لقلع سن صحيحة ، ولا حائض لخدمة المسجد ، ولا منكوحة لرضاع أو غيره بغير إذن الزوج في الأصح.
ويجوز تأجيل المنفعة في إجارة الذمة كألزمت ذمتك الحمل إلى مكة أو شهر كذا. ولا يجوز إجارة عين لمنفعة مستقبلة.
ويجوز كراء العقب في الأصح: وهو أن يؤجر دابة رجلا ليركبها بعض الطريق ، أو رجلين ليركب هذا أياما ، وذا أياما ، ويبين البعضين ، ثم يقتسمان.
الثالث - كون المنفعة في كل من إجارة العين أو الذمة فيما له منافع كدار معلومة عينا وصفة وقدرا ، ثم تارة تقدر بزمان كدار سنة ، وتارة بعمل كدابة إلى مكة وكخياطة ذا الثوب ، فلو جمعها ، فاستأجره ليخيطه بياض النهار ، لم يصح في الأصح. ويقدر تعليم القرآن بمدة أو تعيين سور ، وفي البناء يبين الموضع والطول والعرض والسمك ، وما يبني به إن قدر بالعمل.
الرابع - يشترط في إجارة دابة لركوب معرفة الراكب بمشاهدة أو وصف تام ، ومعرفة ما يركب عليه من محمل وغيره إن كان له.
الخامس - يشترط في إجارة العين تعيين الدابة ، وفي إجارة الذمة ذكر الجنس والنوع والذكورة أو الأنوثة.
ويشترط فيهما بيان قدر السير كل يوم ، إلا أن يكون بالطريق منازل مضبوطة فينزل عليها.
ويجب في الإيجار للحمل أن يعرف المحمول وجنسه إن كان غائبا ، لاختلاف تأثيره في الدابة. كما في الحديد والقطن ، فإن الحديد يثقل في محل أقل من القطن والقطن يعمها ويتثاقل بالريح. فلو قال مئة رطل مما شئت ، صح ، وبدون: مما شئت ، ويكون رضا منه بأقل الأجناس.
وقال في منار السبيل لابن ضويان الحنبلي (1 / 383 - 386)
شروط الإجارة ثلاثة:
أ - معرفة المنفعة:
لأنها المعقود عليها ، فاشتراط العلم بها كالبيع ، مثل بناء حائط يذكر طوله وعرضه ، وسكنى دار شهرا وخدمة آدمي سنة ، لأنها معلومة بالعرف فلا تحتاج لضبط.
ب - معرفة الأجرة:
قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافا ، ولأنه عوض في عقد معاوضة فاعتبر علمه كالثمن وعن أبي سعيد مرفوعا: نهى عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره رواه أحمد.
ج - وكون النفع مباحا:
فلا تجوز على المنافع المحرمة ، كالغناء والزمر والنياحة ، ولا إجارة داره لتجعل كنيسة ، أو بيت نار ، أو يبيع فيها الخمر ونحوه ، لأنه محرم ، فلم تجز الإجارة لفعله ، كإجارة الأمة للزنا.
ويشترط كون النفع يستوفى دون الأجزاء:
فلا يجوز عقد الإجارة على ما تذهب أجزاؤه بالانتفاع به ، كالمطعوم والمشروب والشمع ليشعله ، والصابون ليغسل به ، لأن الإجارة عقد على المنافع ، فلا تجوز لاستيفاء العين. ولا يصح إجارة ديك ليوقظه للصلاة. نص عليه. لأنه غير مقدور عليه.
فتصح إجارة كل ما أمكن الانتفاع به مع بقاء عينه ، كالدور والحوانيت والدواب ، إذا قدرت منفعته بالعمل كركوب الدابة لمحل معين ، لأنها منفعة مقصودة. أو قدرت بالأمد ، وإن طال حيث كان يغلب على الظن بقاء العين إلى انقضاء مدة الإجارة.
هذا قول عامة أهل العلم ، قاله في الشرح ، لقوله تعالى {على أن تأجرني ثماني حجج} الآية (القصص: 27) .
ثم قالوا كالشافعية: الإجارة ضربان:
الأول - على عين:
فإن كانت موصوفة ، اشترط فيها استقصاء صفات السلم ، لاختلاف الأغراض باختلاف الصفات ، ولأن ذلك أقطع للنزاع ، وأبعد عن الغرر ، فإن لم توصف أدى إلى التنازع.
الثاني - على منفعة في الذمة:
فيشترط ضبطها بما لا يختلف ، كخياطة ثوب بصفة كذا ، أو بناء حائط بذكر طوله وعرضه وسمكه وآلته ، وحمل شيء يذكر جنسه وقدره ، وأن الحمل لمحل معين ، لما تقدم.